قال لي احد الاصدقاء ان مسؤولا كبيرا دعاه الى وليمة غداء في مطعم فاخر ومعروف، فاعتذرت منه، وهو صديق طفولتي ، ونحن نعبر السيطرة الاولى في المنطقة الخضراء، عاد الى تكرار دعوته، وانا ازم الخطى لابتعد عنه، انتبه الى الامر ، وقال: ( اشو انته تنهزم مني، شنو القضية)، فقلت له : اجلك الله من الحكاية التي نفرتني من جميع المسؤولين، لقد حكى لي سائق سيارة اجرة حكاية لا اعرف هل كانت حقيقية ام انها انتقام من السياسيين، فقال: لاتخش شيئا ، تكلم، فقلت: يحكي سائق الاجرة ان شخصا يبدو عليه الوقار ركب معه، وفي الطريق اشارت له اثنتان من النساء، واراد ان يتوقف ليقلهن، فاعترض الراكب وقال: سادفع انا اجرتهن لكن لاتتوقف، لا اريدهن ان يركبن معي، تجاوزت الامر وانطلقنا، وسألته: ما الحكمة فيما فعلت؟ فقال: انا اعمل ( قوادا) واغلب ابناء هذه المنطقة يعرفني، وهاتان المرأتان معروفتان بالعفة والشرف، ولو انهن ركبن معي، فسوف تتوسخ سمعتهن، فتعجبت من شرف هذا القواد، اصفر وجه المسؤول واحمر، وغادرني مسرعاً وهو يردد: ( خلفلّه عليك)، هذا ما حدث ويحدث، الصحفي الذي يتناول غداءه في بيت نائب او مسؤول تتسخ سمعته، والموظف اذا تردد على بيت متنفذ تتسخ سمعته، وربما ينسحب الامر على الذين يعملون في قنوات تلفزيونية تابعة الى بعض المسؤولين او في صحف يمتلكها هؤلاء المسؤولون.
هذا القواد يمتلك شرفا من نوع آخر ولايريد الحاق الاذى بالآخرين، لكن للاسف صالات المسؤولين مليئة بابطال السلطة الرابعة، وكثير من الاقلام قبلت على نفسها ان تكون اجيرة، وقد اضروا بالوطن ايما ضرر، كذلك المدراء والموظفون الكبار، احدهما صار يوسخ سمعة الآخر، حتى بدت الشتائم واضحة ولاتستثني احدا، لماذا لايتسخ وهو بظرف خمس سنوات رافق المسؤول فيها اقتنى من السيارات والبيوت ماقيمته تصل الى اضعاف مرتبه خلال عمره كله ، حتى الخروج من الخدمة آلاف المرات، ويريدنا ان نثق بنزاهته، لا اعتقد ان الامر عسير على الدولة لو ارادت ان تطيح برؤوس الفساد وقواعده، اول الامر تبدأ من القاعدة لتصفي ادوات المسؤول المتهم بالفساد، وبعدها تنتقل طبقة بعد اخرى، ولايقنعني احد ان الشعب العراقي لايعرف الفاسدين، الجميع يعرف اللصوص والطريقة بسيطة جدا، حجم البيوت وعددهن وعدد السيارات يكفي بلا مراجعة للحسابات في المصارف، انا اعرف مشرفا تربويا كان مدرسا معنا ويعاني من قسوة الحياة، وهو يعمل مشرفا متابعا لاربع او خمس مدارس، الآن يمتلك اربعة بيوت وهو يشرع ببناء الخامس، والسيارة يتجاوز سعرها الخمسين مليونا، وحين يدخل الى المدرسة يتهامس الجميع، صافحني قبل فترة فغسلت يدي وجاهرت بهذا الامر، لكنه يلقى ترحيبا منقطع النظير من المدير والمعاونين للأسف، فيعتقد ان الامر خافٍ ولا احد يعلم بحجم سرقاته، وفي كل دائرة حكومية يتوزع اللصوص بشكل منتظم ليسرقوا الحياة من السواد الاعظم من الناس، سألت حمودي قلت له: ( جدو من تكبر شتريد اتصير، ضابط شرطة ام ضابطا في الجيش)، فقال: اود ان اكون ضابط شرطة، فقلت: هذا لانك تحترم النظام، فاذهلني حين قال: انا موعلمود العراق، اريد اصير ضابط شرطة، علمود الفلوس.