22 ديسمبر، 2024 8:45 م

انه زمن الكراهية

انه زمن الكراهية

(هذا المساء ليس هناك أي ارتياح أو أنتصار لأن خطر اليمين المتطرف لايزال قائما ) بهذه الكلمات عقب رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس على نتائج الانتخابات المناطقية الأخيرة في بلاده والتي تصدرها الحزب الجمهوري (اليمين التقليدي) ومني حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بفشل كبير فيها رغم تقدمه في الجولة الانتخابية الأولى . واقعيا لايمكن لوم فالس على تصريحاته خاصة اذا ماعرفنا بأن هزيمة اليمين المتطرف لم تتحقق الا بعد تحالف 10 أحزاب ضده في الجولة الثانية فيما سمي ب “السد الجمهوري” !! وان 7 ملايين فرنسي قد صوتوا له مقارنة بمليونين فقط هم تعداد المصوتين له في انتخابات عام 2010 !! وهو مادفع زعيمته مارين لوبان لتعليق على هزيمة حزبها في الانتخابات بقولها ( لا يمكن لأحد أن يوقفنا بعد اليوم ) .

ماحصل في فرنسا يعد مؤشرا جديدا على تصاعد شعبية اليمين المتطرف في القارة العجوز عموما ، وهو مابرهنته قدرة أحزاب هذا التيار على فوز بثقة رجل الشارع و دخول البرلمانات المحلية مثل حزب الفجر الذهبي اليوناني والحزب الوطني الاشتراكي الالماني بل والبرلمان الأوربي ذاته والذي حصد حزب الجبهة الوطنية الفرنسي 25% من أصوات المقترعين في انتخاباته داخل فرنسا مطلع العام الجاري مؤسسا ومتزعما لكتلة (أوربا الأمم والحريات) البرلمانية فيه ، هذه العودة المتصاعدة تدريجيا لقوى اليمين المتطرف بدأت تثير قلق لدى الأحزاب التقليدية والنخب وباقي شرائح المجتمعات الأوربية خصوصا مع تواصل العوامل المساعدة لها والمستعصية على الحل وعلى رأسها ظاهرة الارهاب الزاحف نحو أوربا والذي كانت باريس تحديدا أخر ضحاياه وهو ماساهم بتزايد مضطرد لظاهرة الاسلامفوبيا وبتحريض مباشر من قبل قوى اليمين المتطرف دون اغفال التأثير المتزايد لعوامل الهجرة والخوف من التعددية الثقافية على نقاء الهوية الأوربية ! ناهيك عن الأزمة الاقتصادية عام 2008 والتي لاتزال أوربا تعاني من أثارها السلبية لغاية يومنا هذا .

وعلى مايبدو فان دوافع العنصرية والرغبة بتأجيج المشاعر الدينية المحفزة للنشاط اليميني بدأت تؤتي أكلها في الضفة الأخرى من الأطلسي حيث يخوض الملياردير ورجل الأعمال الأمريكي دونالد ترامب حملته الرئاسية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري متقدما على جميع منافسيه (بحسب استطلاعات الرأي ) قبل أن يدلي بتصريحات عنصرية تطالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وتعزيز الرقابة على الجوامع واغلاق بعضها ان لزم الأمر بالاضافة لتبني خطة طرد جماعي ل 11 مليون مهاجر غير شرعي يقيمون في الولايات المتحدة

وسعيه لبناء جدار هائل بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع اعادة تدفقهم وسخريته من اعتذار مرشحين أخرين للأمريكيين السود عن التعامل الوحشي للشرطة معهم ورفض استقبال اللاجئين السوريين !! ممادفع بصحيفة ليبراسيون الفرنسية لوصف الرجل ب “مارين لوبان أمريكا” ، ليكون في حكم المؤكد تغير وجه أمريكا كليا وبالتالي مستقبل المنطقة والعالم لحظة وصوله للبيت الأبيض خصوصا بعد فترة الانحسار والتراجع في كثير من الملفات الدولية طوال فترة ولايتي الرئيس أوباما وهو العامل الذي يستغله الجمهوريين جيدا ويضعف من احتمالية استمرار الحكم الديمقراطي للولايات المتحدة .

هذا الصعود لقوى وشخصيات اليمين المتطرف في الغرب سبقه صعود تيار اليمين الديني المتطرف والطائفي في الشرق الأوسط ابتداءا بالثورة الايرانية عام 1979 والتي أسست لحكم آيات الله في طهران وملحقاتها الشوفينية الشيعية في عدد من الدول العربية في مرحلة لاحقة ومرورا ببروز تنظيمات الجهاد الراديكالية السنية في حرب أفغانستان ووصولا لتبوء قوى الاسلام السياسي الحكم في بعض البلدان العربية عقب غزو العراق عام 2003 والربيع العربي 2011 وظهور دولة الخلافة على الساحة وانشاءها لبؤر ارهابية جديدة والاندفاع عمليا نحو الصدام الطائفي في العراق وسوريا واليمن تزامنا مع سيطرة حزب الليكود اليميني المتطرف على مقاليد الأمور في اسرائيل واتخاذه لسياسات عنصرية من بناء جدار الفصل والى الاستيطان و جرائم المستوطنين والتي لم يسلم منها حتى الأطفال !!!

أمام ظاهرة صعود قوى اليمين المتطرف القومي والديني والقيادات العنصرية في الشرق والغرب تبرز حقيقة وجود تخادم غير معلن بين هذه الأطراف فتعزز أحداها حظوظ الأخرى بالصعود بحجة مواجهة المخاطر الأولى !! لكن الفرق يكمن في مدى مناعة الدول والمجتمعات للوقوف بوجه المخاطر المحتملة لتصاعد أنشطة اليمين المتطرف ففي الوقت الذي يمتلك فيه الغرب منظومة سياسية واقتصادية وثقافية ودينية وأجتماعية مقاومة للتطرف بكل أنواعه ، رضخ العالم العربي والاسلامي للحكم القومي الشمولي أولا و الديني الفاشي تاليا وأنتظم شبابه سريعا خلف دعوات الجهاد وأنجرفوا مذعنين لطروحات الطائفية دون أن يكون لأي قيادة سياسية أو مؤسسة دينية رسمية القدرة الحقيقية على ايقاف المد المتطرف نتيجة استبداد الأولى وزيف الثانية وتبعيتها وسط تردي للحالة الاقتصادية وانهيار للقيم المجتمعية وغياب واضح للثقافة وانعدام الوعي .

عادة مايستغل اليمين المتطرف عوامل الكراهية الدينية والأزمات الاقتصادية والحساسيات القومية لترويج طروحاته وسرعان ماينجح في الغالب في توسيع قاعدته الشعبية لكن تبقى مسألة وصوله للسلطة معتمدة على عاملي الوقت والوعي الشعبي وفي الحالة الغربية يتذكر الأوربيون جيدا الثمن الذين أضطروا لدفعه نتيجة قبولهم في لحظة ما بتسيد النازية لالمانيا وحكم الفاشية لايطاليا وهو دمار القارة الذي غير وجه العالم للأبد وليسوا بوارد اعادة هذه التجربة المريرة لذا تبدو مهمة اليمين المتطرف صعبة في تقديم نفسه كنموذج مختلف عن من تسببوا باشعال نيران الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 70 عام في الأوساط النخبوية والشعبية الأوربية وسط

تصاعد صور المقاومة السياسية والأجتماعية والثقافية لوجوده بلغت مداها بتنديد البيت الأبيض والبنتاغون بتصريحات ترامب واصدار عمدة مدينة سانت بترسبيرغ الأمريكية لقرار يمنعه من دخول المدينة وتحالف أحزاب اليمين واليسار الفرنسي بمواجهة حزب الجبهة الوطنية المتطرف (وصل الأمر لدعوة حزب الاشتراكيين اليساري ناخبيه للتصويت لمرشحي خصمه الرئيسي اليمين التقليدي للحيلولة دون تقدم اليمين المتطرف !) ودون أن تقل عن تنديد بطل رياضي سابق كمحمد علي كلاي بتصريحات ترامب وتنظيم مخرج عالمي مثل مايكل مور لحملة “كلنا مسلمون” بمواجهة دعواته العنصرية بالاضافة لحملات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الداعية لالغاء ترشحه للانتخابات ليكون الوقت كفيلا بانتصار أفكار جان جاك روسو ومبادئ فولتير ومساواة لينكولن ونضال لوثر كينغ على دعاة الكراهية والعنصرية في الغرب ، على العكس تماما مايحصل في الشرق الأوسط والذي برزت فيه قوى الاسلام السياسي وتسلمت مقاليد الحكم في بعض بلدانه في الوقت الذي تنتشر فيه طروحات الجماعات المسلحة المتطرفة في مجتمعاته انتشار النار في الهشيم وذلك بعد عقود من تطرف اليمين القومي الذي خون مجرد المطالبة بالحرية وأخل بمبدأ المساواة قبل أن تنسفه تماما قوى الاسلام السياسي وتصبح الحرية بدعة مهلكة للمنادي بها !!

ختاما يمكن ملاحظة تشابه خطابات قوى التطرف وزعامات العنصرية على اختلاف خلفياتها القومية والدينية خصوصا تلك الواعدة لجماهيرها بمستقبل أفضل سرعان مايتحول لعواقب وخيمة سواء أكان وعدا كالذي وعد به ترامب بهذا الخصوص في كتابه “أمريكا المريضة ” أو حلما باستعادة العظمة !! كالذي تحلم به مارين لوبان أو حتى واقعا كدولة الخلافة الني انشأها البغدادي لمؤيديه من متطرفي السنة ، فيما تنفرد اسرئيل بميزة عدم تحملها لتبعات سياساتها العنصرية ولأسباب استثنائية مثل الدعم الغربي اللامحدود وتخاذل الأنظمة العربية وقبلها عدم واقعية الخطاب السياسي القومي العربي وختاما طائفية النظم الدينية المتسيدة لمنطقة الشرق الأوسط مؤخرا وصراعاتها اللامتناهية على النفوذ حيث تعتبر فكرة تشكيل تحالفات ذات طابع مذهبي بحجة “مكافحة الارهاب الأصولي المتطرف” !! احدى تداعيات هذا الصراع السياسي ومن ثم فان لجوء تلك التحالفات لاشعال حروب طائفية تحقيقا لغاياتها السياسية أمرا غير مستبعد ليصبح مستقبل المنطقة على كف عفريت وتدخل دولها فعلا في نفق مظلم بينما يكون قدر الأجيال القادمة هو العيش في زمن الكراهية المريضة والعنصرية المقيتة .