18 ديسمبر، 2024 11:52 م

انه زمن البوبجي… فلا تستغربوا…

انه زمن البوبجي… فلا تستغربوا…

بالامس كنت اراجعُ طيباً فطّلب مني وكالعّادة بعض التحليلات ومن المختبر الفلاني حصرا وهذا معروف عند الأطباء إرشادهم المرضى إلى مختبر معين أو صيدلية معينة دون غيرها وبات الأمر(مُسلّمة) المهم وصلت المختبر مُسرعاً حتى انهى ما طلبة الطبيب مني فوجدت صاحب المختبر وسيماً  ينهي الاربعين  من عمرة ويقترب من الخمسين وجدته في حالة تفاعل غير مسبوق غير مكترث بالمراجعين أمثالي وبين يده موبايل سارحاً شارد الذهن, وكانه في غير عالمنا وكل جسمه يرتعش في حالة غليان وهستيريا يضربُ بكلتا يديه تارةِ على الفخذ الأيمن وأخرى على الأيسر واخذني الفضول لمعرفة ماذا يفعل فوجدته مُنشغلاً في لعبة البو بجي!! تاركاً اجهزة المختبر تعملُ على مزاجها “غير مؤسف على ضياع وقتهِ ” وكانه ليس في محل عمل اصلاً وضعت ورقة التحليل امام عينة المبحّرة في شاشة الموبايل فلم ينطقُ ببنت شفة لا بل لأنه لا يشعر بأن أحد ما جاء يريد تحليل مسكت أعصابي وضبطت افعالي وحبست أنفاسي لئلا يخرج من شيء يُعكر حالتي الصحية المتدهورة وبعد تكرار طلبي له انتبه قائلاً (على كيفك حجي) ليش مستعجل!!

أخذ مني العيّنة وبعد فترة خرجت النتيجة ولا أعلم هل كانت نتيجة التحليل لي ام لغيري, فما عدت اثق به بعد كل ما شاهدت! فإذا كان هذا الرجل الاربعيني هكذا متفاعل مع البوبجي وهو في محل عمل  فما بالك بالشاب الذي يبحث عن قتل الفراغ واضاعت الوقت لان بعضهم حبّيسُ الجدران الاربعة بعدما انهى دراسته الجامعية  واركن شهادته في أحد زوايا غرفته المُبعثرة لأنه ما عادت لها قيمة تذكر.

وليت الشباب فحسب بل حتى الأطفال أيضاً هم مولعون بهذا الوباء الخطير وانا أتحدث عن احد أطفالي حيث كان أحدهم دائماً في سهرة ممتعة مع البوبجي حتى ساعات متأخرة من الليل وينامُ الموبايل على صدرةِ مازال يعمل, وكان من قبل البو بجي تغمضُ جفونه والله في وقت مبكر جدا (وكنت اخشى عليه من ان يكون يعاني من شيء لكنني كنت اشاهده يقضي وقته في اللعب تارةً مع كرة القدم وأخرى في الركض فاطمئنيت) حيث كانت عيناه لاتقاوم النعاس مطلقاً وكان يتناول عشاءه وهو نائم من شدة التعب وكأنه مرتبط مع شروق الشمس وغروبها وليت الامر ينتهي عند الاطفال حتى نقل لي ان بعض الاجهزة الامنية في السيطرات يقضي “واجبة” مع البوبجي تاركاً طوابير السيارات بازدحام وهرج ومرج.

وإذا تحدثنا عن خطورة هذه اللعبة فالحديث يطول وهنالك عدة حوادث حصلت من جراء هذه اللعبة والادمان عليها حيث انهارت “عوائل كثيرة وُطلّقت نساء في بداية زواجهن وقتل مراهقون شباب وبنات في مقتبل العمر وأقيمت علاقات غير شرعية بعيدة عن منظومتنا الأخلاقية بسبب هذا اللعبة فهذه اللعبة وكما معروف انها تخلق العداء حتى بين الاخوة انفسهم وتشجع على الجريمة وتشعر البعض بضرورة الثأر واراقة الدماء والتلذذ بالقتل وأنها تنمي الجانب الشرير لدى اللاعب، خاصة ألعاب البقاء التي تجعل اللاعب يرى في القتل والعنف وسيلة وحيدة للنجاة والفوز. فأنها تعمل على تنمية العنف, وتشجيع السلوك العدواني وتؤدي الى التراجع الدراسي فضلاً عن حدوث خلافات زوجية نتيجة إدمان الأزواج على اللعبة كذلك انها تحول بعض اللاعبين إلى مجرمين ارتكبوا جرائم قتل وشروع بالقتل, وقضاؤنا سجل العديد من هذه الحالات النشاز الدخيلة على مجتمعنا، فلا يستغرب من قتل الأنسان لأخية الأنسان وكان الأمر عاديا.

اننا إزاء مرض خطير جدا وهو التشجيع على العنف لدى الصغار والكبار الذكور والإناث واضاعة الوقت وقتله في أعمال غير صحيحة بعيدة عن ثقافتنا وهويتنا التي نشأنا عليها وتنمطنا بها. فعلى ذوي الاختصاص والمراكز البحثية دراسة هذه الحالة ووضع الخطط المستقبلية لمواجهة هذا الكم الهائل من التكنولوجيا الحديثة وتحويل الضار منه الى نافع ولا يصح ان نبقى مكتوفي الأيدي  مُنبهرين مستغربين ونحن نرى شبابنا وأطفالها وعوائلنا تنهار أمام هذا التكنولوجيا التي صممت لخدمة البشرية وقد استخدمها الغرب بأفضل صورة حتى وصل إلى ما وصل آليه وبقينا نحن نقف على الأطلال وننَعى حظنا العاثر ونلعن بعضنا البعض. ونصحوا كل يوم امام جريمة قتل مروعة واضعنا شبابنا ومستقبلهم الزاهر واصبح شبابنا يعيش التميع ويقلد كل ما هو سيئ.