22 نوفمبر، 2024 9:01 م
Search
Close this search box.

انه السيستاني هكذا نعيشه

انه السيستاني هكذا نعيشه

هكذا شخصيات لا يمل القلم الكتابة عنها، ولا يمل القلب من ترداد اسمها، كما تستدعيها الذاكرة كلما خطبت لتأخذ من مواقفها وسيرتها دافعاً وحافزاً أو محركاً، ووقودا يشعل محرك الفعل فيتقدم الشخص بعد أن نضب عنده الوقود، وافتقر إلى التمتع بجلال السماء واصباحة اليوم الجديد بعد ليل عصيب، فهناك شخصيات تحفر في وجداننا جداول رقراقة، وتدس في عظامنا خلايا الصمود، وتسير في دمائنا كالعبق، فنبقى أحياء وتدخل فينا مع كل شهقة لا تفارق أجسادنا. قد لا نحس بها، فمن يدرك الحركات الانسانية اللاإرادية من شهيق وزفير ونظر وسمع والتفاتة وانفراج السرائر واهتزاز الأقدام وحركة الحلق والمضغ، قلة يدركون عمق الأشياء وحكمة الحركات الصغيرة، وقلة يدركون المدى الواسع للشخصيات التي تسللّت للقلب فاتخذت فيه مقعداً سامياً، كما زاحمت الكثير في العقل لتصبح من أدوات المعرفة وتشكيل الفكر والكلمات .

من هذه القلة التي تعد على أصابع اليدين يبرز سماحة السيد علي السيستاني، واسمحوا لي ان اخاطبه هكذا لانه حرم استخدام كلمة امام وقال كما قال غيره من العلماء المتقين الحقيقيين ان مذهبنا فيه اثنا عشر اماما ولا يجوز اضافة ثالث عشر لانها بدعة وانحراف وضلال، فكان هذا العالم شامخا بوجهه الصبوح المبتسم العربي نعم العربي لانه سيد، وجرأته الطاغية لانه عراقي نعم لانه عراقي بوقفته ضد طغاة يدعون ما يدعون من شيعة وسنة داخل العراق وفي جواره من اهل التيار الوهابي لتشويه المذهب السني وما فرخ من قاعدة دموية ومن أهل التيار الخميني لتشويه المذهب الشيعي وما فرخ من ولاية الفقيه المستبدة، وهو مع قامته الخاشعة وجسده الوقر وعمامته السوداء ونظراته الحادة يلقي عليك دون أن تدري قَسَم القبول بالعقيدة والاخلاق وحب الانسانية سنة وشيعة ومن الاديان الاخرى مع النرجس، فتشربه كي تتطهر وتبتلعه كي تبلغ التقوى وتتنفسه كي تدرك ما هي النبوة وما هي الامامة خلاف اهل البدع من تصدير الثورة حتى ولو وصل الامر بفتوى تفجير سيارة ملسئة بالابراياء والمؤمنين لقتل ظالم واحد فيها دون دليل واهل بدعة العشاء مع رسول الله صلى الله عليه وعلى اهله الاطهار، وترتكب الإثم الكبير حين لا تدرك ذلك كما تدرك الشهيق كي تعيش حرا وابتلاع اللعاب كي تشعر بالحلال والحرام ودقات القلب كي تدرك ما الفكر وارتجاف الروح كي تصل الى الله عزوجل، هكذا حفظ العراق من ارهابين قاتلين مدعين كالخمينية والوهابية المبتليتين بدماء العباد وفي مقدمة ذلك دماء العراقيين خلاف الشريعة والاعراف الانسانية .

عندما تقدمت نحوه لأول مرة في حياتي كنت ارتجف رهبة ومحبة وأنسا، وكنت أعد الساعات والثواني التي التقي فيها بهذا الرمز العراقي العربي المسلم، وكنت فخوراً ومعتزاً بأنني وأنا المختص بثقافتي أجالس زعيماً وقائداً كبيراً، وعالما مفوها يحسب له  ألف حساب، تمتع من الحديث الاعلامي لانه خشية من تفسيرات المتصيدين بالماء العكر للتاويل والتفسير للجهات المعادية وغير المعادية لدعم توجهاتها التي ربما تصب في تدمير العراق والامة، ففعلتها وتنفسته ومازال فيّ وفي الكثيرين من أنفاسه الكثير .

عطر الكلام كلامه ، وقدرة التأثير في الآخرين قدرة حباه الله إياها من اجداده أهل البيت عليهم السلام، وهو يوجه لاب من الاهتمام بالعربية ولابد ان تعود لمناهج الحوزات بعد ان ابعدتها التوجهات المتآمرة على العرب والقران بحجة ضعف اللغة وعدم الضرورة لها .

فتجد الحشود بالآلاف الا السياسيين لانه لا يستحقون لقائه لانهم كاذبون أو عشرات الآلاف الا المدعين لانهم تفلسفوا كثيرا فلم يقدموا خدمة للمواطن وكانت خدماتهم تذهب الى دول هم خدم لها لينقلون ثروة العراق وابنائه الى تلك الدول بحج واهية شرقا وغربا واقليميا.

كانت كلماته خطابا عقائديا ثوريا بلسان عربي مبين في وحدوية اللهجة في كل حين سنة وشيعة ومسيح ويهود وصابئة وغيرهم لانها كانت هذه اخلاق النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم واهل بيته عليهم السلام .

تتبعت مواقفه الوطنية المتقدمة لحفظ الدماء واولويات لخدمة للناس، واسير باحثا عنه وبين كلماته والعبارات ما يروي عطشنا العراقي العربي العالمي، وما يبلل صدر هذه الامة العربية الاسلامية الموجوعة التي اراد الصراع الايراني السعودي ان يؤدي بها الى اتون الدمار كاحداث البحرين فجاءت عقلية هذا السيد المحاط باربع جدران بالاتفاق مع اخوته المراجع العظام كالسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ اسحاق الفياض والشيح محمد محمدطاهر الخاقاني، ان يرطب قيظ أيام الوطن العراقي وهذه الامة المبتلية بالظلم والفتن والكذب السياسي، ما تجده حكما لدى العقل ذو المعين الذي لاينضب .

اعتبره بطلا شعبيا عالميا للاخلاق، وأيقونة ساحرة للسلام، وشذى يعطر أجواء الاختناق من اجل الحرية ، وأسطورة بابلية سماوية من اجل العدالة، وليث كنعاني أصيل من اهل البيت، وشعر معتق حسيني من بذرة الاصلاح لحركة الحسين عليه السلام بدل ما ارادت الحركات الفئوية والسياسية من تشويه الحسين عله السلام بالتطبير والزنجيل والخرافات، وهو القلب الدامي بحب العراق .

هكذا هو السيستاني بدون القاب مع اخوته المراجع الحقيقيين، هؤلاء العمالقة الذين ودعوا الطفولة مبكراً على وقع أقدام البدع والعصبيات والتخريف والتحريف والجهل والظلم وخاضوا في ذلك حروبا فكرية علمية عقلية وجماهيرية حتى ساعة أن يلقون ربهم طاهرين انقياء وايديهم نظيفة من دماء الناس واموال الحرام، ففي جدول أعمالهم ودفاتر أيامهم  سعى محموم وعمل كثير وقلم لم يجف بعد.

السيد علي السيستاني لم يؤثر عليه ان كان المسؤولين يتوددون اليه ليذهب البعض حقدا في سياسات لا اخلاقية لاغاضته واغاضة المراجع ان يقربوا اناس ومعممين من غير الحياة العراقية وناقمة عليهم شعوبهم لتلطخ ايديهم بدماء الشعب في بلدانهم في قضاء ظالم ليفرضوهم على الشعب العراقي البرئ كالشاهرودي مثلا الذي ضجت منه ايران من احكامه الجائرة في القضاء وكان مطية خامنئي لقمع احرار ايران المسلمين الشيعة ابناء ثورة ايران العظيمة ضد المقبور الشاه، فلم يفقد السيد السيستاني ولا اخوته العظام الاتقياء شعبيتهم الطاغية التي أحاطتها السماء بهم لان ابناء التشيع الحقيقي وابناء العراق الاحرار اوعى من هذه الحركات الخبيثة التي ستذهب حكومة العراق ضحية عدم حكمتها بالموقف ولربما تجعلنا لى مفترق طرق ان نفقد بهذا العناد فرصة كنا نحلم بها، فحيث فرّق السيستاني بين هذه المهمة وبين السياسي المحنك والمفكر البارع والجماهيري المندمج مع الناس، وجعل لكل مجال عدته، أحبته الجماهير واخلص له أخوته واتباعه وان لم يقلده سواد العراق ولكن تبعوه عراقيا وعربيا وايرانيا وعالميا شيعة وسنة واديان اخرى فبات ممن لم يقلده ان اعتقد بالتقليد او لم يعتقد فبات الجميع اصدقائه ومؤيدوه من العراق وخارجه.

هو شيخ عرفاني يفرض الالتزام الاخلاقي قبل كل شئ، حكيما عربي عراقي عالمي ، شاب المعشر  فتي النظرة شيخ بصدامية الحقيقة وفدائية الموقف وجرأة المحرر للعقل والوطن بحماسة اصلاح الحسين عليه السلام وابيه المرتضى للحق ، وجماهيرية المعاصرين فرضا كغاندي بل ابلغ سيرة .

السيد السيستاني مثال هؤلاء العظماء، وأصبحنا نحن هو ومن أصحابه، وهو منا وأكثر، فما يدخل في مجرى الدم أو الأنفاس يشكّل الخلايا فيصنع الإنسان الذي أصبح نحن.

اليوم نمد له اليد مصافحين فنحس بخشونة بائنة في عزة المؤمن رغم قلبه الدافئ، ونحس صلابة نادرة في صوته كهدير المتقي رغم وضوح كلماته ودقة صقل ألفاظه، ونستقي من وجوده العطر مداد قلمنا وزاد يومنا وحافز عملنا ولبنة جديدة تضاف لمبنى عقولنا ونهضة حضارتنا ورفعة عراقنا

واخيرا لابد ان نترحم على والديه الذين انجبوا مثل هذا الرجل.

[email protected]

أحدث المقالات