19 ديسمبر، 2024 1:15 ص

انه الاقتصاد … ياغبي

انه الاقتصاد … ياغبي

مما لاشك فيه ان زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو خرق فاضح للبروتكولات الدبلوماسية وخروجا سافرا عن الاعراف والقوانيين الدولية ، وزيارته لمدينة كركوك دون علم بغداد  وتصريحاته بدخول التركمان بقائمة واحدة وكانه في انقرة وليس على الاراضي العراقية خير دليل ، وتعتبر كركوك  قنبلة موقوتة  تنتظر الانفجار باي لحظة اذا ما ارتفعت درجة حرارة الخلافات بين مكوناتها العرقية من اكراد وعرب وتركمان   وبين الاقليم والمركز  . وخلاف مايصرح به بعض الساسة في بغداد حول مجيء اوغلو متخفيا فقد جاء في وضح النهار واستقبل من قبل رئيس الاقليم مسعود برزاني وظهر بنقل مباشر على الفضائيات علنا . وللزيارة اسبابها الجيواستراتيجة والاقتصادية بامتياز بعد ان اصبحت كردستان منتج للنفط بابرامها لعقود  نفطية كبيرة مع شركات امريكية ونرويجية وفرنسية بعيدا عن المركز ولمايدور في سوريا من صراع لارادات اقليمية ودولية  واجندات متشابكة. هنا تبرز المصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية للطرفين نتجة حاجة واضطرار سقطت دونها الخيارات بسبب تفجر الوضع الاقليمي برمته ، فللكرد مصالحهم القومية والاقتصادية التي تمر عبر تركيا . وعليه غيرت تركيا بوصلتها عن بغداد واصبحت  احد اسباب تازيم وتعقيد المشهد العراقي اكثر فاكثر لضمان استثمارات اكبر وادارت وجهتها  نحو اقليم كردستان وبعض اطراف القائمة العراقية . واستضافتها وتحديها لبغداد والانتربول الدولي باعطاء نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الاقامة الدائمية في تركيا وهو متهم بقضايا ارهاب خطيرة ولم تكتمل محاكمته بعد .
ان تركيا تخطط لفضاءات استراتيجية  اوسع محركها الاقتصاد اولا واخيرا بخفاء تام وتلعب على الوتر الاوردغاني الديني الاسلامي   بالعلن من اجل كسب تاييد شعوب المنطقة وهذا مسلك غاية الخطورة لايستطيع ان يهضمه  ساسة بغداد ممن هم حديثي اللعب في السياسة التي نكرر محركها الاقتصاد وليس اي شيء اخر والدليل علاقة تركيا مع اسرائيل لم تتاثر بالقطيعة رغم زوبعات رئيس الوزراء رجب طيب اوردغان واستعراضاته بدفاعه عن مصالح الامة الاسلامية  باكثر من مناسبة . وعين على الاتحاد الاوربي وعين على العالم الاسلامي والشرق الاوسط من جهة اخرى ، وتقلباته المستمرة من اجل تحقيق حلم اعادة الامبراطورية العثمانية من خلال هيمنة اقتصادية وليس احتلال مزيد من الاراضي كما كان اجداده يفعلون ايام الامبراطورية العثمانية التي تعتبر عقيدة اوردغانية لتركيا الجديدة بهيمنة حزب العدالة والتنمية . 
وقد فهم الاقليم الكردي في العراق اللعبة جيدا وبدا يسرق القرار من المركز بغداد علما انهم يعانون من قصف تركي يومي لمناطق الاقليم ولديهم التزامات قومية مع ابناء  جلدتهم من كرد في سوريا وايران وحزب العمال الكردي الذي يخوض حرب طويلة  وضروس  مع تركيا من اجل الحصول على حقوقهم مثل بقية الشعوب الا انهم يديرون الصراع باوراق مختلفة عن المركز . ففي مدينة كركوك الغنية التي تعتبر نقطة خلاف غير قابلة للحل في الزمن المنظور ويتحاشاها المركز ولو بالحديث اوالتلميح فالاتراك وعلى لسان احمد داود اوغلو نفسه (ان كركوك هي هوية التركمان ولن يتم تسليم المدينة لاي جهة ) فحين يعتبرها الكرد انها القدس بالنسبة لهم كما يعتبر الفلسطينيون القدس عاصمتهم والمسلمين من وراءهم ولامعني لفلسطين  بدون القدس ولامعنى لاقليم كردستان بدون كركوك كما يصر الكرد في العراق على ذلك وتمسكهم بالمادة 140 خير دليل  من اجل انتزاعها ضمن صفقة دستورية وهذا احد اهم اسباب الخلاف بين المركز (بغداد) والاقليم (اربيل) .
لكن في ظل تطورات الشرق اوسط الجديدة ربما تحدث تنازلات من هذا الطرف اوذاك وتسويات غاية الخطورة ترضى بها كل الاطراف اساسها الاستثمارات والاقتصاد وليس المباديء القومية والمذهبية التي تستخدم كشعارات . من اجل الحصول على مناطق نفوذ واستثمارات اقتصادية كبيرة في ظل اوضاع متوترة حد النخاع في منطقة ذاهبة للتقسيم  لامحال . فتركيا رغم دورها السلبي في العراق اسوة بدول الجوار الاخرى  الا انها كسبت خلال السنوات الماضية عشرات المليارات من خلال شركاتها السيئة الصيت في الجنوب والوسط نتيجة تواطيء بعض المسؤولين ورخص بعض الادارات بتلك المناطق والفساد الضارب في المناطق العربية باضعاف مضاعفة مما هو عليه في اقليم كردستان .
وبعد الانسحاب الامريكي من العراق اصبحنا نشهد صراع صفوي- عثماني من تحت الطاولة وكان التاريخ يرجع خمسمائة عام الى الوراء من اجل تقاسم الكعكة العراقية التي تنفرد بغنى نادر جدا ومن المؤلم يخرج الينا البعض بتصريحات مائعة وممجوجة من  بعض الاطراف . الموضوع لايحتاج الى تصريحات بل الى ردع بتهديد الاستثمارات مستقبلا ومنع التمدد على حساب الشعب العراقي والوقوف بوجه كل التدخلات الغير مقبولة من اي جهة كانت وافهموا من يتطاول عليكم ان مصالحهم في العراق اكبر بكثير من مصالح العراق معهم لان البدائل انظف وانقى واقل تكلفة  مما يقدمون من مشاريع في البنى التحتية والخدمية الفاسدة . وبيد بغداد اوراق عديدة وخيارات وفضاءات واسعة  اذا ما ارادت فحجم الاستثمارات   الموجودة في العراق والبدائل كثيرة لكن بحاجة الى خلق ارضية صالحة للاستثمار وطمأنة الاخرين  وليس في صناعة الازمات والعقلية الشمولية في الحكم وان الدول تحكمها المصالح الاقتصادية من اجل تنمية مستدامة لشعوبها قبل كل شيء في عالم اليوم  وهذا سر الممانعة  للاجندات الخارجية التي تبحث عن النهب والسلب والدول الفاشلة هي فرائس سهلة لذلك    .
ولمن يصرح بترهات بعيدا عن لب الموضوع  بان اوغلو جاء متخفيا اومتنكرا عليه مراجعة نفسه .  ويشاهد كيف انقلبت تركيا على سوريا بين ليلة وضحاها  … انه الاقتصاد والمال ….. ياغبي  .  فما انتم فاعلون والعراق يتربع على ثروات تكفي لبناء قارة ويمتلك من الخبرات البشرية والعلمية بكافة المجالات معرضة للهجرة او مقتولة في البطالة المقنعة نتيجة سياسات فاشلة لا تتعلم من تجارب السنوات الماضية الموغلة في الفساد والمحاصصة حتى بالمنظومة الامنية  .