22 ديسمبر، 2024 2:25 م

انهيار المنظومة الاجتماعية عند النازحين

انهيار المنظومة الاجتماعية عند النازحين

من الاحداث والقصص التي مر بها بلدنا العزيز ما يمكنه ان يكون مصدرا تستسخلص منه الدروس والعبر ومنها قصة شيخا وقورا كريما من اهالي الانبار ممن منحهم الله بحبوحة من العيش الرغيد حيث اعتاد على ارتياد المساجد والاهتمام بالجوانب الدينية في حياته وقد رزقه الله خمسة من البنات الجميلات المتدينات المحجبات حجابا شرعيا كاملا ..وكن متقاربات في العمر واصغرهن في الخامسة عشرة من عمرها وله ولد واحد كان ضابطا برتية ملازم اول في الشرطة العراقية 
وفي ليلة سوداء دخل داعش المجرم المدينة وخلال ايام راح يصول ويجول فيها بمساعدة شلة من الخونة او المضللين اوالجهال …وبدات الناس تجمع العدة والمال للنزوح من المدينة الى المدن المجاورة  ضمن نفس المحافظة ولكن شيخنا الكريم قرر ان يسافر لبغداد ويستقر بها ليحافظ على حياة ابنه الوحيد وبناته الخمسة المحتشمات شديدات الحياء واللاتي رباهن على ذلك …فاخذ الذهب والمال وركب سيارته مع زوجته وثلاث من بناته ويرافقه ابنه بسيارته الخاصة مع اخواته الاثنان وانطلقا بتخفي في الليل باتجاه بغداد ….وفي حدود المدينة استوقفتهما سيطرة لمجموعة من الارهابيين فسحبتهم جميعا الى مقر تواجد داعش وبعد التحقيق تم التعرف على ابنه بانه يعمل مع الحكومة وفي الصباح الباكر تم قتله امام ابيه واحدى اخواته ..واخذوا اموالهم واحدى السيارات وتركوهم  ورحلوا  فعاد الرجل الى جثة ابنه واخذها وعاد بها الى المدينة ودفنها في مقبرة المدينة وبقي عدة ايام واستجمع قواه واستلف بعض الاموال من معارفه وجاء الى بغداد …وعند وصوله لسيطرة بغداد وجد العشرات من العوائل تنتظر الدخول وبعد السماح لهم بالدخول ذهبوا بهم الى المدارس لاغراض السكن فيها وارتضى لنفسه السكن في مدرسة لانه فقد كل ما يملك من مال وفقد ابنه الذي عول عليه كثيرا في انه يعينه في بغداد 
وخصص له صفا في المدرسة هو وبناته وزوجته وكانوا يقضون اغلب اوقاتهم بكاءا وحزنا على ابنهم الشاب الذي قتل امام اعينهم فلا تكاد صرخاته تخرج من مخيلتهم وهو يصرخ بين مخالب الارهبيين القتلة وهم يسحلوه ويطلقون عليه الرصاص تحت صيحات الله اكبر
المهم في هذا عاش هذا الرجل واسرته معانات من نوع اخر وهي معانات النازحين التي لم يالفها من قبل …والتي منها ان المرافق الصحية والحمامات في المدرسة واحدة وعليها الرجال والنساء يقفون طابورا 
وهذه مشكلة لان بناته يستحين من الذهاب الى التواليت وخلف الباب رجال ينتظرون خروجهن ليدخلوا ..الامر محرج لم يعتدن عليه وهن شديدات الحياء ….لذلك اضطر يرافق كل واحدة منهن فيقف هو على باب التواليت ويستسمح اي احد من عدم الاقتراب حتى تنتهي احداهن  ويعود لياخذ الاخرى وهكذا الامر يتكرر عند كل وقت صلاة ووضوء او في الليل…..
 تجده يقضي نصف يومه بين التواليت والحمام ..او يتابع استلام المعونات الغذائية وماء الشرب .وهكذا …..وخلال ايام وجد نفسه بحاجة الى نقود للانفاق على نفسه وعائلته وخاصة بناته فلهن احتياجاتهن الخاصة كنساء … فاضطر للذهاب بسيارته للعمل كتكسي في بغداد ولكبرعمره يعمل ساعات قليلة فياتي وقد انهك من التعب …ولا يكاد ان ياتي الا بمبلغ البانزين او احيانا يزيد قليلا …وهنا اضطررن البنات بغياب ابيهن على الذهاب الى الحمامات بمفردهن والوقوف مع الرجال بالدور .حتى اعتدن على ذلك وصار الامر عاديا ان تقف احداهن تتكلم مع هذا او ذاك ….وكان الشيخ الكبير عندما يعود الى المنزل يبكي كثيرا ..واحيانا يبكي وهو يقود سيارته التي  المت ظهره قيادتها ..ويقول ان اكثر ما يؤذيني هي ليست مصيبتي في ابني بل مصيبتي في بناتي التي ربيتهن على بيئة معينة وهن اليوم  في بيئة انا لا استطيع موءالفتا فكيف بهن …..
هذه القصة الحقيقية التي آلمتني كثيرا وما زالت لم انسها منذ سمعتها قبل عدة اشهر ….يقينا هي آلمتكم كذلك …..
ليس المهم بنظري احداثها التراجيدية المحزنة بل المهم مدلولاتها والتي اهمها انهيارالمنظومة الاجتماعية داخل الاسرة العراقية لسكان هذه المناطق والتي تشمل نينوى وصلاح الدين وبعض ديالى بالاضافة الى الانبار والتي من مضاهرها التالي :
1.  انحلال الرابط الوطني …….نتيجة البعد السلبي عن التكاتف المجتمعي الذي وجدوه بسيطا من ابناء جلدتهم (العراقيين) وهؤلاء يرتقي بنظرهم الى مستوى الاخوة التي كانوا ينتظرونها .
2.   دخول ثقافات جديدة على بيئة الاسرة  …… من خلال الاحتكاك بشرائح من المجتمع مضطرين التعايش معهم بشكل تفصيلي يومي لانهم يسكنون فيبيئة مختلطة (مخيمات ومدارس ومجمعات سكنية ….) ويضطرون للتزاور بحثا عن الطعام والخدمات وخاصة عند انطفاء الكهرباء .
3.  تراجع القدرات الاصلاحية عند الناس….. من خلال الاعتياد على مشاهدة السلوكات السلبية يوميا في التجمعات السكانية وعدم نكرانها وعدم انكار الخطا وذلك لانك تضطر لمشاهدتها يوميا .
4.  توقف الثقافة والنمو الفكري والانقطاع عن العالم …..لعدم وجود شبكة الانترنيت او تلفاز او راديو او صحف وما الى ذلك .
5.  فقدان الحياء من المسالة …….فبالوقت الذي كان مالكا ويده فوق ايدي الناس صار مملوكا ويسال الناس الطعام وضعف القدرات والاحتياج .
6.     الابتعاد عن المضاهر الحضارية والصحية … وذلك في الماكل والملبس وذلك لعدم توفر وسائل النظافة وخيارات التغيير .
7.     قتل الطموح لانهيار المنظومة التعليمية ولعدم وجود مستقبل واضح .
8.     ضعف تطوير الذات والاسرة لعدم وجود المقومات المناسبة والتي اهمها الاستقرار النفسي .
9.   ضعف الترابط الاسري لتوزع العوائل وانتشارها في مناطق مختلفة مع استحالة التواصل بينها لاسباب مالية او امنية وحتى داخل الاسرة الواحدة .
10. دخول عادات غريبة على بيئة الاسرة  من خلال ما لاحظناه في مثلنا اعلاه من تطبع بنات شيخنا الذي ذكرناه على الاختلاط  بالرجال بالوقت التي كانت هذه تعد جريمة سابقا  .
     اي منا ذا ما اراد ان يزور مجموعة من النازحين او يحتك بمن يعمل على النازحين فانه سرعان ما يكتشف ان ما ذكرته اعلاه .