القيم من الناحية اللغوية هي ثمن الشئ او درجة الاهمية النسبية له . ومن الناحية الاجتماعية والانسانية هي المبادئ والاسس التي يرقى بها الانسان بذاته ليصبح سيد نفسه .. واذا نظرنا الى مجتمعنا الحالي نراه تقريبا مجردا من كثير من هذه القيم . ولعل الحصار
الذي طال العراق وشعبه لاكثر من عشر سنوات والحروب الشرسة التي تعرض لها … ولا زال . قد سحقته وسحقت كثير من القيم التي كان يؤمن بها .. واذكر بهذا الصدد ان عمال محطات الوقود قبل الحصار كانوا يرفضون استلام البخشيش ، لأنهم يشعرون بأنهم احرار وان القيم التي يؤمنون بها لا تجيز لهم استلام البخشيش لأنها تقلل من قيمهم وبالتالي من اهميتهم في المجتمع. . في حين نرى الان ان بعض الناس من ذوي المكانة الادارية والسياسية يمد يده استجداءا لا لحاجة يفتقر اليها انما وضاعة منه لفقدانه القيم الانسانية التي تجعله حرا. . وهناك امثلة كثيرة على ذلك . لا بل ان بعض الناس قد فقدوا حتى القيم الوطنية . حيث لم يعد الوطن يمثل لهم تلك القيمة العليا المقدسة التي يتوجب عليهم الدفاع عنها حتى الموت . . لان الوطن يمثل الوجود الانساني لكل مواطن والسقف الذي يحميه من عاديات الزمان … وقد تعلمنا دائما ان القيم الوطنية هي اعلى درجات القيم الواجب التمسك بها والتي لا يمكن ان تحل محلها اية قيمة مناطقية او دينية او اثنية مصطنعة. . وكل ذلك لان المواطن قد لقن بقيم دينية شكلية ووهمية لتكون بديلا عن القيم الوطنية التي تربى عليها . وكأن هناك منهج مدروس لذلك .
كما ان البعض قد تجاوز القيم الاجتماعية ايضا. ، مثل الايثار وحب الجار ومساعدة المحتاجين فأصبح يرى معاناة الناس دون ان يرف له جفن . لا بل ان البعض قد تمادى في ذلك الى حد اهانة مواطنيه بدوافع مادية او بدافع الحقد الفئوي او الاثني . وقد ادى فقدان القيم الاجتماعية هذه الى تفكك المجتمع وتشظيه وانتشار الجريمة المنظمة التي قضت على امن وتماسك المجتمع .
وكذلك فقد الانسان قيم العقيدة الحقة ، وهي القيم الفكرية التي يؤمن بها الفرد وتدفعه لتحقيق طموحه واحلامه في خلق واقع يسمو به ويحقق اهدافه ويشبع حاجاته الاساسية ثم حاجاته المعنوية والمثالية. … اضافة الى طموحه في خلق مجتمع عادل مرفه يحقق له العيش النبيل له ولاولاده من بعده.
والاكثر من هذا فقدان كثير من الناس لقيم الجمال ، مثل الفن والادب والذوق وقيم الحق والعدل والانصاف والمروءة . وتركزت قيمهم على الماديات والرغبة البدائية في الاستحواذ على اموال واملاك الغير . وبذلك اصبح هذا الانسان عبدا للمال ، ولم يعد يكتفي لا بالقليل ولا بالكثير منه . والعبد كما يقول نيتشه انسان منحط وضعيف لا قدرة له على تغيير واقعه وقدره المحتوم .
ان السياسيين والقادة الحزبيين والقائمين على ادارة السلطة لهم اليد الطولى في انماء مثل هذا الواقع المتردي والقيم المتهرئة . لأن الناس على دين ملوكهم . وقد اصبحت القيم المادية الجديدة هي القيم السائدة لدى اغلب السياسيين . فبدلا من تقويم المجتمع واعطائه المثل الاعلى في النزاهة والاخلاص والصدق والغيرة والشرف ، نراه يندفع وبكل وضاعة لنهب المال العام والخاص ، ويتطاول على الناس بالكذب والخداع فاتخذه البعض قدوة لهم مما زاد في وضاعتهم وفقدانهم للقيم الانسانية يوما بعد يوم .
وازاء مثل هذا الوضع المزري لا بد من وقفة جادة لاعادة الوعي القيمي المستقيم للمجتمع وتقديم المثل الاعلى في النزاهة والصدق واحترام النفس من خلال كشف وتعرية وفضح السياسيين الفاسدين الذين تبوؤا المناصب بغفلة من الزمن نتيجة التغييب المتعمد للقوى المبدئية الفاعلة في المجتمع . كما يتوجب علينا نشر النشاطات الثقافية والاجتماعية والفنية التي تعيد للفرد مكانته المرموقة في المجتمع وتعيد اليه وعيه بالقيم الانسانية الواجب توفرها في كل فرد من افراده . وهذا ينطبق ايضا على الاسرة وتربية الاولاد وكذلك في المدارس على مختلف مستوياتها من خلال المعلمين والمدرسين الذين يتوجب عليهم تقديم المثل الاعلى في ترسيخ المبادئ والقيم الانسانية العليا . لأن في ضياع هذه القيم سيضيع الفرد والمجتمع ولا مستقبل لنا ولا لاجيالنا القادمة .