حينما كتب الراحل المصري «عبد الوهاب المسيري» (1938 – 2008) كتابه الكبير «انهيار إسرائيل من الداخل»، الذي هو عبارة عن مجموعة مقالات منشورة، كانت «
إسرائيل» ترى نفسها في «قِمّة مجدها»!.
والكتاب يُظهر زيف وهشاشة كيان «إسرائيل» من الداخل، ويَفضح الخلافات السياسية والفكرية والعقائدية والعسكرية والمجتمعية «الإسرائيلية».
وتناول الكتاب، على سبيل المثال، هروب شباب «إسرائيل» من الخدمة العسكرية، والتي أرجعها الكاتب إلى جملة أسباب، وأبرزها:
– سقوط نظرية الأمن الإسرائيلية.
– وسقوط الأيديولوجية الصهيونية، وتصاعد معدّلات العلمنة، والاستهلاكية، والأمركة.
ويؤكد الكتاب على أن الشباب الصهيوني لم يَعد يأخذ الأيديولوجية الصهيونية على محمل الجِدّ، وهذه الفئة تزداد باستمرار، لأن غالبيتهم من المهاجرين ودافعهم دافع اقتصادي
مَحْض، ولا تشوبه أي شوائب أو ادّعاءات.
وبعيدا عن الخوض في مواضيع الكتاب المميزة، يهمنا أن نقف عند السؤال الأبرز: هل ستنهار «إسرائيل» من الداخل، ومِن تلقاء نفسها، بسبب أزماتها وتناقضاتها الداخلية
الحادّة؟
أشارت معطيات نشرت في تل أبيب، منتصف عام 2000م، إلى تفاقم ظاهرتي معاقرة الخمور وتعاطي المخدرات بين الطلاب «الإسرائيليين»!، وكذلك تآكل الحياة العائلية «
الإسرائيلية»، وانتشار حالات الطلاق، وازدياد معدّلات العنف بين الأطفال والشباب، وتنامي الشذوذ الجنسي، رغم أن اليهودية الحاخامية التقليدية تُحرِّمه، إلا أن العديد من
المذاهب الدينية اليهودية المعاصرة تَقبّلته!
ويُخْتَم الكتاب بعبارة مهمة، وهي ضرورة مواصلة النضال اليومي ضد الصهاينة، وأن عوامل تآكل المجتمع الصهيوني هي عوامل يُمكن توظيفها، كما أنها «تُبين حدود العدو
الصهيوني، وأنه ليس قوة لا تُقْهر، ولكن عوامل التآكل، بحدّ ذاتها، لا يمكنها أن تؤدي إلى انهياره»!.
واليوم، وبعد أكثر من عشرين عاما على كتاب المسيري، يمكن أن نقف ونتساءل: هل تحققت نبوءة المسيري، وأن إسرائيل اليوم هي قريبة من الانهيار، وبالذات بعد السابع من
أكتوبر 2023؟
حقيقة لا يمكن الجزم بهذه الفرضية على المدى القريب، ولكن المقاومة الفلسطينية أثبتت أن «إسرائيل» يُمكن إرباكها، والتأسيس لمرحلة هزيمتها التامّة لاحقا، وأن حرب الأنفاق قد
أرهقتها، وحتى بعد قرابة خمسة أشهر من البطولات الفلسطينية تجد «إسرائيل» صعوبة كبيرة في كيفية السيطرة على مداخل ومخارج تلك الأنفاق!
ويمكن القول إن العشوائية النارية الصهيونية في التعامل مع أهالي غزة في ملحمة «طوفان الأقصى» أثبتت أن «إسرائيل» في حالة ربكة، وتريد حَسْم المعركة بأي طريقة، ولو
كانت بسحق كافة أهالي القطاع!.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية، يوم 7 كانون الثاني/ يناير 2024، أن حرب غزة تسببت بمواجهة «إسرائيل» لتحديات وصعوبات سياسية واقتصادية لم يسبق لها
نظير، مع تأزم لوضع المجتمعات المحلية.
وتَوقّع محافظ «بنك إسرائيل» أمير يارون، يوم 27/ كانون الثاني/ يناير 2024 أن تصل نفقات الحرب على غزة إلى 255 مليار شيكل (67.6 مليار دولار)!
وهنالك أنباء نشرت يوم 27 شباط/ فبراير 2024، تتحدث، وفقًا لمسؤول مالي «إسرائيلي» كبير، بأن «إسرائيل» تُخطّط لجمع حوالي 60 مليار دولار من الديون هذا العام،
وتجميد التوظيف الحكومي، وزيادة الضرائب، نتيجة لتضاعف إنفاقها الدفاعي لدعم حرب غزة، فضلا عن تأثير الحرب على جودة القطاعات التعليمية والصحية والخدمية.
وهنالك أزمات حادّة أخرى تَتعلّق بالجيش «الإسرائيلي»، ونقلت صحيفة «يديعوت» الصهيونية السبت الماضي عن هيئة الأركان أن الجيش «يُطالب بـ(7500) ضابط وضابط
صف آخرين، فيما لم توافق الخزانة سوى على (2500) فقط»!
نهاية «إسرائيل» باتت وشيكة رغم همجيتها وقسوتها في التعامل مع غزة، وأن انهيارها من الداخل سيُسرّع من انهيارها الشامل، القريب والوشيك.
https://al-sharq.com/opinion/06/03/2024/%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-
%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF
%D8%A7%D8%AE%D9%84