عندما استخدم اجدادنا الحمام الزاجل لايصال البريد , وعندما حلقوا رؤوس العبيد لايصال الرسائل السرية لم يكن يخطر ببالهم الفايبر Viber بالتاكيد , لكن هكذا سرنا من الحمام الزاجل الى الفايبر والواتس اب WhatsApp والفيس بوك Facebookوغيرها في رحلة طويلة عشنا سنواتها الاخيرة بدءا بالايميل العادي خاصة ياهو ايميل Yahoo Email ثم الماسنجر خاصة ياهو ماسنجر Yahoo Messenger ثم سكايب Skype ثم ظهر الجي ميل Gmail والجي تولك Gtalkكمنافس للياهو من شركة كوكل , ثم الفيس بوك الذي بز الجميع وسحر العقول والافكار والخيال ولحقه التويتر Twitter ثم لننتهي اخيرا بالواتس اب والفايبر في رحلة بدأت منذ عهد ليس ببعيد من عام 1995 ولليوم.
هذه مقدمة ربما طويلة لمقال يتناول جانبا مهما وهو الخصوصية والامنية للفرد الفاعل Active Person, واقصد به الفرد من عمر 18 لغاية 60 , لان جداتنا لن يهتم احد بما لديهن من نشاط.
في عالم اليوم المرتبط والمتصل Connected World هل يامن احد على خصوصيته Privacy؟ او يحتفط بها ؟ وايضا على امنيته Security؟ وهل يبقى احد او فرد مجهولا ؟ الاجابة عن هذا السؤال في نهاية المقال.
كل فرد فاعل اليوم يحمل بيده جهاز سمارت فون Smart Phoneواحد على الاقل , بعضنا يحمل ربما ثلاثة , اشهرها الكالاكسي Galaxy والاي فون iPhone, خلال السنتين الاخيرتين , بعد ان كانت النوكيا هي المسيطرة على سوقنا منذ 2004 ولغاية 2012 حيث بدأت بالتراجع.
لكي يعمل السمارت فون فانه يحتاج للبرامج , صدفة او بقدرة وتخطيط من مجهول فان هذه البرامج لاتاتي بل يجب تنزيلها من متجر خاص بكل جهاز , ولكي تنزل البرامج من المتجر يجب ان يكون لديك حساب , والحساب يحتاج لرقمك ولايميلك , لكن حتى مع وجود كل هذه لاتتم العملية الا مع وجود الانترنت , يجب ان تكون متصلا بالعالم.
في اللحظة التي تتصل فيها بالانترنت فان الحياة تدب في السمارت فون ويكون جذابا وممتعا , لكنك في اللحظة هذه ايضا تكون قد كشفت نفسك وعرفتها لكل العالم قائلا احم احم نحن هنا.
بعد ان تتصل بالانترنت وتكون حسابك , يسألك الجهاز بكل براءة ووداعة هل تريد مزامنة جهات اتصالك , تجيب انت ايضا بكل براءة بنعم , لانه لاخيار لك سوى نعم او لا , ولانك تخشى ان يحدث مكروه لك او لجهازك فانك لاتجيب ب لا طبعا , بعض البرامج لاتقبل ان تتنصب حتى اذا اجبت ب لا مثل برنامج التروكولير True Caller فهو يصر على اخذ وسحب ارقامك واسماء وارقام اصدقاءك وعائلتك لكي يتنصب.
ان الجهل باستخدام التكنولوجيا الحديثة , قلة الخبرة , التقليد , الانجرار وراء الشائعة والاتجاه العام السائد , استغلال الشركات , عدم الانتباه وتقدير خطورة الموضوع , كل هذه تجعل الفرد الفاعل غالبا مايجب بنعم لكل الاسئلة بدون تدقيق او تاني عند تنصيب البرنامج اي برنامج او عند بدء تشغيل الجهاز السمارت فون. بعد اجابتك بنعم تقوم هذه البرامج بتحميل قائمة ارقام واسماء اصدقائك وعائلتك الى سيرفرات الشركة , او الشركات , مثل كوكل وغيرها.
الان اصبح اسمك ورقمك واسماء اصدقائك وعائلتك معروفة لديهم.
جميع الاجهزة معدة مسبقا لكي تزود الشركات بموقعك , على الاقل حتى ظهور كالاكسي نوت ثري والايفون فايف فان هذه الاجهزة معدة مسبقا لتشغيل خدمة تحديد الموقع جي بي اس GPS واتاحتها للبرامج التي تحتاجها كبرنامج الفيس بوك ماسنجر وبرنامج الوي جات والتانكو وبرامج الطقس فهذه البرامج تحتاج للموقع لتشغيل الكثير من الميزات.
الان ليس اسمك ورقمك فقط لديهم بل حتى موقعك وعنوانك وليس بيتك فقط بل اماكن تواجدك واماكن عملك بل وحتى اماكن مغامراتك العاطفية ايضا التي تظن انك حريص على اخفائها.
جميع برامج كوكل ليس فقط تعتمد على خدمة تحديد الموقع في الجهاز لتحديد موقعك , بل تعتمد ايضا على الابراج التي تتصل بها لتسريع عملية تحديد الموقع , لدى كوكل اكبر قاعدة بيانات لكل ابراج الهاتف المحمول في كل دول العالم , أي جهاز سمارت فون تحمله بيدك معد مسبقا ليقوم بأرسال ارقام الابراج ومواقعها لشركة كوكل , التي تستفيد منها لاحقا في تحديد موقعك.
حتى لو اخفيت اسمك متصورا ان احدا لن يعرفك , فالالف رقم التي في جهازك كفيلة بكشفك لان كل واحد منهم سيفعل مثلك ولديه سمارت فون وسينصب نفس البرامج ولن تستطيع ان تضمن ان كثيرا منهم يحتفضون برقمك باسمك الحقيقي في اجهزتهم.
لكي لاتتهم بالتخلف ولكي تواكب الناس والعالم وحتى من تكعد وية اصدقاءك من يحجون متحس نفسك اطرش بالزفة فانك مجبر طبعا على تكوين حساب الفيس بوك , الذي يحتاج لرقمك وايميلك , وايميلك ايضا يحتاج لرقمك لكي يتم التفعيل , وهكذا اصبح لديهم اسمك ورقمك , وما ان تنجح يتكوين حساب الفيس بوك حتى يسألك ببراءة ايضا هل تريد ان ازامن لك ارقامك كي اساعدك في ايجاد الاصدقاء , ببراءة وطيب خاطر تجيب بنعم , فياخذ الفيس بوك كل ارقامك مع الاسماء ويخزنها في قاعدة بياناته كما فعل مع اصدقاءك واقاربك وعائلتك , ثم يكون شبكة من الترابط بينكم وهكذا تكتمل الصورة لديهم , اسمك وعنوانك وموقعك واصدقائك وعائلتك ومكان عملك وروحتك وجيتك.
لكن الاكثر امتاعا هو عندما تبدأ بالنشر في الفيس بوك , وعندما تبدأ بالمشاركة والمتابعة والدخول والبحث والمراسلة عندها سيعرفون ايضا حتى طريقة تفكيرك ونواياك واتجاهاتك العاطفية والنفسية والمزاجية ورغباتك واهوائك وكل سوالفك الزينة والموزينة , فضلا عن عشيرتك ومذهبك وحزبك والشخصية اللي تحبها والمرشح اللي حتنتخبة والزعيم اللي تكرهة وهكذا , فضلا طبعا عن مواعيدك الغرامية وصديقاتك وسوالف مابعد منتصف الليل.
هل بقى شئ ينقصهم عنك ؟ نعم انهم بحاجة الى كم صورة تذكارية لك في سفرتك الاخيرة , وايضا بحاجة لنبرة صوتك الجميلة للذكرى , هنا لعلك سمعت ان اصدقاءك قد نصبوا الواتس اب وتبادلوا الصور , ولكي لايقال متخلف وميعرف شئ تسرع انت لتنصيب الواتس اب , وبما ان الفايبر بي مكالمات صوتية رخيصة حسبما قالت لك ام الجهال كما سمعت من جارتها فانت مضطر ان تخلي راوتر بالبيت وتنصب الفايبر للكل حتى تخابرهم ابلاش , الان اصبح لديهم صورتك وصوتك ايضا.
الان اصبح ملفك جاهزا ومكتملا , معلوماتك الشخصية , اماكنك , حركتك , صوتك الجميل , صورتك على شاطئ الروشة او شواطئ جورجيا , عائلتك , اصدقائك , تفكيرك , احلامك , الوان ملابسك الخارجية والداخلية , وربما ايضا عدد دقات قلبك وانفاسك.
نعود الان لسؤالنا الاول : هل يوجد احد منا بقى مجهولا لهم , او يحتفظ بخصوصيته او امنيته عنهم ؟ الجواب ببساطة كلا , انهم يعرفون كل شئ.
قبل عشرين عاما كانوا يرسلون الجواسيس ويجندون غيرهم بملايين الدولارات لكي يحصلوا على كل هذه المعلومات , اما اليوم فهي تأتيهم وهم جالسون خلف مكاتبهم , ليس هذا فقط بل نتكفل نحن ايضا بكلفة ايصالها لهم.
الدول الكبرى وليس هذا مصادفة كل دولة لها برنامج او موقع مشهور يستخدمه ملايين الافراد , فكوكل وفيس بوك لأمريكا مثلا , بينما الوي جات والتانكو للصين , وبرنامج متصفح اليو سي ويب للهند UCweb وهكذا كل دولة كبرى لها برنامج او موقع مشهور لجمع المعلومات , هل هذه مصادفة.
جميع او اغلب هذه البرامج مجانية , لكنها تحتاج الالاف الخبراء والمختصين لتعمل , والالاف السيرفرات والاجهزة لضمان الجودة والتواصل المستمر , فأذا كانت مجانية فمن اين تأتي بكلف العمل والصيانة ؟ نعم الاعلانات , لكن من المستحيل ان تغطي الاعلانات كلفة العمل , اذن هناك من يدفع , لكي يعرفوا كل شئ عنا.
في المقال القادم : كيف نستطيع نحن ايضا ان نعرف كل شئ , على الاقل عن اعدائنا.
* : سلسلة مقالات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة نأمل ان ننشرها في موقع كتابات وغيره.