التقيته في زيارتي الاخيرة الا محافظة اربيل عاصمة أقليم كردستان اثناء جلوسي باحد المقاهي الشعبية قرب قلعة اربيل التاريخية…
جلس بقربي فرأيت خلف ملامح وجهه كلام كثير وعتب كبير على هذه الدنيا وتقلباتها.. نظرت اليه ورغم انني لا اعرف حتى اسمه ولكن فضولي في الكتابة دفعني لذلك.. فسالته عن صحته قبل كل شيء وكان جوابه بانه يعاني من شراء الادوية خاصة وانه حاليا متقاعد وقضى حياته عامل في سقي الاشجار والنباتات في المتنزهات التابعة للبلدية. وعندما سألته عن مواليده اجابني بانه من مواليد 1931 وقد افتهمت من كلامه انه مر في تجربة زواج ولكنها فشلت بسبب الظروف الاقتصادية.. سالته عن اولاده ومنزله وكان الجواب دموع من عيون عراقية شريفة كيف لي اتزوج وانا لا املك المال اوحتى دار سكنية وقد افنيت حياتي متنقلا بين هذا المكان وتلك الشقة السكنية…
كم جائر انت ايها الزمن مع قسم من ابناء البشرية وخاصة عندما تغيب فيها عدالة السماء وننتظر عدالة امثالنا بني البشر… عامل افنى زهرة شبابه في خدمة هذا الوطن ضمن امكانيته ومعرفته المحدودة وهاهو اليوم يعيش شبه متشردا في الشوارع…
اين انت ياعراق الحضارات واين العدالة في توزيع الاموال التي تأتي لخزائنك ثمنا لما تنتجه آبار البترول الموجودة على ارضك… واين الثمن لتعب سنون مرت واكلت ريعان الشباب لمثل هذا الختيار وانا على يقين تام ان هناك المئات من الآلاف امثاله من الذين قدموا خدماتهم حتى يستطيعوا الحصول على رغيف الخبز. وهاهم اليوم يعيشون بلا مأوى..
اسفي عليك ياعراق الخير وفيك يعيش ابناءك غرباء الوطن محرومين من ابسط حقوق المواطنة..
لماذا تقتلنا السياسة وتفرقنا المذاهب والقوميات ويحاول بعضنا سلب حقوق الاخرين والجميع خلقهم الله في بقعة واحدة في هذه الكرة الارضية..
كم اتعبتك السنين في مراحل حياتك ايها الختيار وكم مرة قضيت نهارك جائعاً بسبب قلة دخلك الشهري وكم مرة تمرضت ولاتستطيع شراء العلاج…
اننا بني البشر وسكان الارض ياصديقي نعيش فوقها مختلفين بالأسماء والمناصب والاعمار وندفن تحتها متساوون بكل شيء فالمَلك والسلطان وحاشيتهم يدخلون بنفس القبر ويكفنون بنفس الكفن الابيض ولا يأخذون من املاكهم شيء ويغطى فوقهم تراب واحد وينساهم الاحياء بسرعة …
ودعته بعد ان سألني هل انت من بغداد؟؟ فقلت له انا من مدينة الموصل فقال لي كنت اذهب كثيرا اليها وخاصة منطقة حمام العليل. فعرفته بنفسي وقلت له ان ناحية حمام العليل هي ضمن المنطقة التي كنت اسكنها ولي فيها ذكريات الطفولة الكثيرة. وان حماماتها المعدنية عادت افضل من السابق واتمنى ان تضيفنا يوما وتأتي لزيارتها…
نعم انها المصادفة التي تجمعنا بأصدقاء ومعارف نتمتع ونستفاد من معلوماتهم وتجاربهم التي مروا بها….