لا يختلف اثنان من عقلاء القوم على أن هذه الانتخابات هي الأسوء في تاريخ العراق على الاطلاق . ولا أعتقد أن هذا القول مجحفٌ أو باطل بسبب الأنتهاكات المقصودة وغير المقصودة التي رافقت سير العملية الانتخابية . وأرى من وجهة نظري أن هذه الانتخابات قد تحولت الى قنبلة موقوتة ربما ستنفجر في أي وقت لتدمر كل شيء . وقد يكون السكوت عن هذه المهزلة أسوء من الانتخابات نفسها لأن ذلك سيفسح المجال للأطراف التي تلاعبت بنتائجها أن تتمادى أكثر في التدخل بشؤون العراق . وأكرر قولي ليس المقصود في هذا المقال من هو فائز ومن هو خاسر ، فالجميع عراقييون ومن حقهم أن ينالوا شرف التمثيل تحت قبة البرلمان ، ولكن المعضلة تكمن في طريقة أداء الانتخابات وفي خروجها عن مسارها الوطني المحض لتكون لعبة رخيصة بأيدي المتربصين بالعراق سوءا وبأيدي الذين يسعون الى ربط هذا البلد بدول التطبيع مع الكيان الصهيوني . وأعود الى موضوع الانتهاكات لكي أضع النقاط على الحروف ولكي لا يكون الحديث مجرد شكوك عابرة أو اتهامات تحصل في كل الانتخابات . فالخروقات حصلت في العديد من المحطات من شمال العراق الى جنوبه ، وهي ليست بالخروقات البسيطة التي يمكن اهمالها ، وانما فاقت بحجومها حدود البطاقات الحمراء ، وهذا يؤكد أن التلاعب كان بارادة دولية خارجية لتغيير خارطة العراق السياسية وقلب موازين القوى لصالح أمريكا والكيان الصهيوني . وأرى أن تلك الخروقات وصلت الى الحد الذي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال ، وحتى المواطن البسيط استطاع أن يميزها ويدرك خطورتها . ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها الخبيثة اسرائيل لم تفهما لحد الآن طبيعة الانسان العراقي الذي لا يرضى بالظلم ولا ينام غيظه اطلاقا ، أو كما يقول الشاعر( هذا العراقي الذي لا يهتضم …. انْ نام غيظ الكلّ غيظهُ لمْ ينمْ ) .
وأرى أيضا أن الشيطان الأكبر أو أمريكا وقعت في خطأ فادح بتصورها القاصر أنه من الممكن تغيير الاستراتيجية العقائدية العراقية عن طريق دعم الكتلة الصدرية في هذه الانتخابات ، لأنها لا تعرف جيدا أن هذه الكتلة عراقية بامتياز ونشأت في أحضان المقاومة الشريفة ، ولها جذورها العقائدية الممتدة عبر آل الصدر الكرام على مدى سنوات طويلة ، وأن هذه الكتلة قدمت الكثير من الدماء الزكية للدفاع عن الوطن وعن شرفه وليس من المعقول أو المنطق أن يكون لها استراتيجية أخرى غير استراتيجية الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره الشريف ) . وأقول جازما أن الكتلة الصدرية مستعدة للتخلي عن مقاعدها البرلمانية بالكامل مقابل الحفاظ على هيبة العراق وشرفه واستقلاله ، ومقابل ثبات نصرتها للقضية الفلسطينية. ولكن الذي أخشى حدوثه أن يقع بعض ضعاف النفوس وأصحاب العقول الفارغة في الفخ وأن تتحول التحديات الى صراعات دموية لا سامح الله ، وهذا هو الذي تتمناه أمريكا وحلفاؤها العابثون بأمن العراق . وخلاصة المقال أن هذه الانتخابات تم التحضير لها من زمن بعيد وتمت تهيأة كل المستلزمات للتحكم بها والسيطرة عليها وتحويل مسارها من الاتجاه الوطني المحض الى الاتجاه الآخر المعادي . وكان الأجدر بحكومة الكاظمي باعتبارها السلطة التنفيذية أن يكون لها بصمة واضحة في ايقاف التدخلات الخارجية ومنع كل من هبّ ودب من التلاعب بنتائجها وسلب حقوق المواطنين .