لمعالجة اي مرض لابد اولا من تشخيص العلة واسبابها ومعرفة طرق التحصن منها وهكذا هي آفة الفساد التي نخرت جسد جميع السلطات ومؤسساتها ، ومن هنا فان اي حديث عن مكافحتها ومواجهتها يكون مجرد شعارات ليس الا ،ان لم نأت على جذورها والحاضنة التي فرختها وارضعتها وهي المحاصصة باسوأ اشكالها التي انتجت عملية سياسية ميتة سريريا !. ومن هنا كان شعار المتظاهرين المدنيين الاساس يدعو الى انشاء دولة مدنية تعتمد الكفاءة وليس الانتماء الطائفي او القومي في تولي المسؤولية وتكون المواطنة المعيار الرئيس في التعامل مع المواطنين .
فمنذ ان تولى الدكتور حيدر العبادي رئاسة مجلس الوزراء على كومة انقاض خلفتها ولايتين فاشلتين وهو يتوعد باصلاحات والتصدي لظاهرة الفساد ومحاربة حيتانه ، غير ان ايا من هذا لم يحصل ولم يخط العبادي اي خطوة فعلية بهذا الاتجاه .. قد تكون نية رئيس مجلس الوزراء العبادي سليمة وربما يتمنى ان يحد على الاقل من سطوة المفسدين ، وهو الذي استلم خزينة شبه خاويه ومشاكل وازمات متشعبة الرؤوس ، غير ان تجارب دول العالم علمتنا ان ادارة السلطة بنجاح لاتكفيها النيات بل تحتاج الى ارادة وتصميم واستعداد للتصدي لكل من يعرقل التغيير . وفي العراق ومنذ ما بعد الاحتلال في نيسان من عام 2003، فان المحاصصة قد منحت الفرص الذهبية للفاسدين ليهيمنوا على كل شيء السلطة والمال ولهم مخالب تنهش جسد الوطن والمواطن معا ..
ان المطلع على التقارير الرسمية لا يمكن الا ان يصاب بالخيبة وهو يرى ويسمع من خبراء اقتصاديين بان ( الخطط الاقتصادية مجرد كذبة ) كما ان نسبة البطالة وصلت الى اكثر من 40% ونسبة الفقر في تزايد حيث بلغت بحسب وزارة التخطيط 30% في حين ان اللجنة النيابية تقول انها 35% ناهيك عن ان العراق اصبح بلد مستهلك يستورد حنى البصل !اما القطاع الصناعي فهو معطل تماما حيث ان اكثر من 13 الف معمل وشركة اهلية متوقفة عن العمل والمصانع الحكومية متوقفة عن العمل منذ الاحتلال الى الان ..وفوق هذا وذاك فان مليارات الدولارات المنهوبة من خزينة الدولة تهرب الى الخارج ومافيات اجرامية ما زالت تسرق النفط الخام وتهربه لحسابها الخاص !
كيف يمكن ان نحارب الفساد وما زال العام يسرق في وضح النهار وبقوانين غريبة ليس لها مثيل ؟!و هل يعقل ان رواتب الافواج الخاصة بلغت 169 مليار وان مصروفات البنزين عليها فقط 420 مليار بحسب ما ذكرت النائبة حنان الفتلاوي ؟!ويكفي ان نعيد الى الاذهان ما يتقاضاه اعضاء مجلس الحكم وغيرهم من المسؤولين والمستشاريين واصحاب الدرجات الخاصة السابقين من رواتب تقاعدية بالملايين لخدمة لاتتجاوز الاربع سنين !!
من الوهم والسذاجة ان نتوقع تغييرا او اصلاحا اقتصاديا من دون اصلاح سياسي حقيقي يبدأ بوضع حد للمحاصصة ..ومن غير المنطق والمقبول ان نتوقع نجاح اي جهود لمحاربة الفساد ما دامت رموزه من الجهلة والسراق يتحكمون بمفاصل مؤسسات السلطة ويتحكمون بمصائر البلاد والعباد ! لذا لامناص من توحيد جهود القوى الوطنية احزاب وشخصيات على هدف اقامة دولة مدنية تعطي معنى حقيقي للديمقراطية والمواطنة التي غيبتهما وشوهتهما الطائفية ..فاول خطوة لمواجهة الفساد يبدأ بالمدنية والا فكل حديث او هدف غير ذلك محض هراء وخداع .