7 أبريل، 2024 4:45 ص
Search
Close this search box.

انقلاب سفينة العولمة

Facebook
Twitter
LinkedIn

لعبة المفاهيم والمصطلحات الغربية بدأت بعد الحرب العالمية الثانية او فترة ماكان يعرف بالحرب الباردة(ومنهم من يقول انها مفاهيم قديمة متجددة),واصبحت ثقافة ترويجية عالمية يراد منها استقطاب الشعوب والدولالمستعمرة لمصالح القوى الامبريالية او معسكرات الصراع الرأسمالي-الاشتراكي..

العولمة كمفهوم او مصطلح امريكي-غربي سار جنبا الى جنب مع النظرية او الايديولوجيا العلمانية لادارة الدولة والمجتمع,واعتبر احد اهم انجازات الحضارة الغربية الحديثة,التي قدمت بوفقية عنصرية متعالية كنموذج مثالي بعيد جداعن بقية العوالم المتأخرة عن الركب الحضاري,على اعتبارانها تعتمد في افكارها واطروحاتها العامة على التقدم والتفوق العلمي الهائل, وعلى المنطق التكنولوجي الدائم التطور,وهذه الحالة لاتختص بالمجالات التجارية او الاقتصادية فحسب,

انما تشمل كافة نواحي الحياة ومنها الثقافة وعموم مجالات الاداب والفنون والدراسات والبحوث وحتى الرياضة,وقد تعتبر مسألة تأسيس او تنظيم جمعيات ومنظمات ومراكز دولية لمنح الجوائز العالمية ,والمفتوحة للمتنافسين من شتى بقاع الارض ,احدى اهم وسائل التواصل الثقافي بين الامم والشعوب, العابر للحدود وللاعراق والاثنيات والانتماءات…الخ.

لقد تفاعلت شعوب الدول الفقيرة والنامية اوذات الاقتصاديات الناشئة وحتى الهامشية مع العولمة بقوة وبسذاجة مفرطة احيانا,وبدأت تحلم بدخول الماركات والعلامات التجارية العالمية الى اسواقها,وصارت علامة مطاعم الوجبات السريعة(مكدونالدز,وهنجري جاك,الخ.)دليل المدنية الغربية لهذه الدولة او تلك,واصبحت ثقافة الاجيال بعيدة نسبيا عن منظوماتها القيمية المحلية المتوارثة, وخارج سيطرة الاسرة اوالثقافة التربوية الرسمية والاجتماعية للدولة,

فالجميع او الاغلب يحلم بالوصول عبر قوارب او سفن العولمة الى اوربا او امريكا,لاعتقادهم ان هذه الدول استطعات ان تنتقل بفعل التجربة العلمانية الطويلة من الحضارة العلمية الى الانسانية,بمعنى انها اعطت لحياة الانسان اي انسان قيمة عليا ,لاثمن لها غير ان تعيش برفاهية وسلام وحرية مطلقة,بينما الحقيقة هي تكمن دائما في الصور المغيبة عن الواقع,فلكل الاشياء او الاطروحات او اي حالة معينة وجهان ظاهري وباطني ,ماكان يرى او يصدر هو الظاهر,والباطن اعمق واكبر من ان تستوعبه الشعوب المضطهدة او الفقيرة او ابناء الدول الهامشية,فهناك عالم مليء بالاجندات والغايات, والصراعات ,والتوجهات الامبريالية المحسوبة بدقة ,والمؤامرات,والاهداف غير المعلنة,والبحث للاستحواذ على مصادر الثرواتالخ.

متى بدء عصر انحطاط الحضارة الغربية-الامريكية,نعتقد ان بداية الانهيار كانت مع حرب الخليج الثانية او مع اطلاق مفهوم الحرب الاستباقية(اي مع اعلان نهاية الحرب الباردة ),حيث ظهرت ارادة دولية احادية(امريكا والاتحاد الاوربي)جديدة,لاتعبأ بقرارات او ميثاق الامم المتحدة,

ولاتكترث للسلم والامن العالمي اذا تعارض مع ماتعتقد انه يهدد مصالحها او امنها القومي كما تدعي,هذه الانحرافات الخطيرة سمحت لدول اخرى ان تستخدم نفس الحجة(حجة الدفاع عن امنها ولو كان خارج حدودها او بعيد عن محيطها الجغرافي والاقليمي)للاعتداء على دول مجاورة (اودول بينها وبينهم عداء تاريخي) وانتهاك سيادتها,

ثم تحولت الامور والاهتمامات الدولية بسرعة دراماتيكية الى منطقة الشرق الاوسط

وانطلقت فجأة شرارات الثورات الربيعية العربية (وحاليا انتقلت الى افريقيا لكن بطريقة مختلفة اي ثورات للتحرر من الهيمنة الامبريالية وعملاءها) ,

فتساقطت بعض الانظمة الدكتاتورية,وانهارت مؤسسات عدد من الانظمة العربية(فترة التحولات الدولية الكبرى بعد احداث 11 سبتمر-امريكا , وماجرى بعدها من احتلال لافغانستان والعراق),

لكن بقاء النظام السوري صامدا بوجه موجة الثورات الشعبية العربية, بدعم روسي ايراني مباشر,حول الاحداث العالمية وغير مجراها نحو صراع وجودي بين القوى العظمى,بين روسيا والصين وحلفائها من جهة,وبين امريكا والاتحاد الاوربي من جهة ثانية,

حتى جاءت لحظة اعلان بوتين الحرب الشاملة على اوكرانيا,فتغير مسار العلاقات والصراعات الدولية(التي كانت جيدة بين ميركل وبوتين),وتصاعدت حدة التوترات والتلميحات باحتمالية اتساع رقعة الحرب,وتصدرالمشهد السياسي الدولي لغة التهديد والوعيد, واصدار الانذارات والتحذيرات من الصدام النووي بينها وبين دول الناتو الخ.

هذا الانحدار المتسارع نحو الهاوية بعد ان كان باردا هو بالفعل يشرح طريقة الانحطاط وسلسلة التراكم الفوضوي لدول الاتحاد الاوربي بعد خروج بريطانيا منه,ومعاناة شعوب بعض الدول الاوربية المحدودة الموارد(دول المعسكر الاشتراكي السابق),

كأن مقولة عالم مابعد كورونا ليس كما قبله,هي ساعة اعلان الحرب الساخنة بين من يريد عالم متعدد الاقطاب ,وبين من يصر على بقاء القرن الامريكي هو السائد في العالم..

لماذا انقلبت سفينة العولمة؟

انقلبت بعد ان بدأت المعلومات والملفات السرية الامريكية-الاوربية بالتسرب الى الاعلام ,وشبكات التواصل الاجتماعي(ويكيليكس-وبعض ملفات البنتاغون التي سربها جنود او ضباط سابقين),

ولان ابسط مقومات انتشار العولمة للقرية الكونية هي شبكات التواصل الاجتماعي والثقافي والاعلامي العالمي وبقية المجالات,تعرضت هذه المنصات الالكترونية لحملات وضغوط دولية للابتعادعن موقفها الحيادي من بعض القضايا الخاصة والعامة,واخضعت للمراقبة والتهديد بالمحاكمة اوالحجب والمنع,وحثها او امرها على وضع شروط وقيود رقابية جديدة للنشر او الاشتراك,تحولت المطالب بعد ذلك الى قرارات سحب اجازات العمل الاعلامي (كاغلاق بعض القنوات الفضائية),ورفض طرح او مناقشة وجهات النظر المختلفة,بل ان العديد من القنوات الفضائية (ووسائل اعلامية غربية معروفة) انهت مقابلات مع الضيوف ,لمجرد انها شعرت بان مسار الحوار ووجهات النظرخرجت عن السياق المعد له مسبقا…

في الضفة الثانية للعولمة هناك تواصل اجتماعي ثقافي عالمي, فضح زيف بعض  الانظمة الرأسمالية الجشعة,وكشف اساليب ادلجة التعمية الاعلامية الممنهجة والمقولبة على مقاسات اصحاب الثروات الطائلة ,وتجار الازمات والحروب,الذين يديرون مهازل الديمقراطية الاستعراضية في القرن الحالي,

فمن ينظر الى الامبراطورية العجوز, ولايرى بين نخبها السياسية غير بايدن وترامب ,

ومن قبل بين بوش الاب والابن,يستنتج ان هذه القوى بدأت بالتراجع وعليها القبول بعالم متعدد الاقطاب لتجنب اندلاع الحرب العالمية الثالثة, والتي قد تكون بالفعل نووية…

هذه السفينة التي كان من المفترض ان يصعد على متنها,الدول المتحالفة مع الغرب الامريكي,عادت تفكر بالقفز منها الى اليابسة,لترجع الى حضارتها وثقافتها الشعبية واصالة تراثها,والى الفطرة والطبيعة الاجتماعية السليمة,التي لايعنيها مفهوم الجندرة,ولاتفكر بادخال قيم شاذة الى منطومتها القيمية المتوارثة(التي قد تنهار او تهمل او تعطل لكنها لاتموت لانها متجذرة في الارض منذ القدم),

ولم تعد معنية بالاستمرار بشروط التحالفات التقليدية السابقة(اصبحت لها رؤية متوازنة في بناء العلاقات والتحالفات الاقليمية والدولية, وهي ترغب بعودة العالم الى طاولة الاقطاب العظمى المتعددة,لقد فككته اي التحالف التقليدي روسيا والصين),

فقد افرغ الامبراطور العجوز كل مافي جعبته في المنطقة,وهرب من افغانستان بطريقة مخزية,ولم يبقى له في مناطق النفوذ غير مدلل او اثنين,وهؤلاء بدأت الصراعات والمناوشات وحتى الحروب تحيط بهم من كل جانب,ولن يعود الدولار الى سطوته وقوة حركته السابقة ,مع وجود ارادة قوية لبعض الدول الاقتصادية المهمة, بطرح  الخيارات البديلة المعروضة للدراسة والنقاش بغية التنفيذ والتداول… الخ

العولمة متواجدة في الشوارع والساحات وشبكات التواصل الاجتماعي,في السينما(على الرغم من انها منحازة احيانا الى الغرب,لكن يخرج للعالم منها بعض النتاجات الفكرية والعلمية المتوازنة) والمسرح, والفعاليات الفنية والنشاطات الرياضية الاحترافية العالمية,وفي حركة التجارة والاقتصاد والسياحة والملاحة الدولية,لكنها وقعت في فخ الافكار المسمومة التي طرحت قبل عقود عن حتمية الوصول الى مرحلة صدام الحضارات!

انقلبت سفينة العولمة؟

مع بقاء نهج ازدواجية المعاييرفي التعامل مع الكثير من القضايا والازمات, وعجز الادارة الامريكية عن تقديم نفسها كقوى عظمى ذات مبادئ وقيم اخلاقية تحكم حركتها وعلاقاتها الخارجية,وتمثل النموذج الديمقراطي الانساني الناجح,فهي من كان يروج لفكرة تصدير الديمقراطية وانهاء حقبة الانظمة الشمولية المستبدة,بينما ظهرت افكار مختلفة ومنها صناعة الفوضى الخلاقة, واتجهت لدعم  الجماعات الانفصالية ويقال حتى بعض الارهابية…

وهي تعاني من فشلها الكبير في العمل على ايقاف وانهاء الاحداث المؤلمة المستمرة في فلسطين,او تقديم تبريرات منطقية للفيتو الذي اوقف عدة مشاريع قرارات للامم المتحدة لفرض وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس,

او على الاقل ايجاد حلول عقلانية منطقية لانهاء النزاع الروسي الاوكراني…

مع هذا الشلل التام الذي اصاب المجتمع الدولي وعطل عمل الامم المتحدة في الوقت الحالي,

تشعر الكثير من شعوب العالم انها في حالة من التيه والفوضى تسود كل الساحات ,

الدولية والاقليمية والمحلية للدول العظمى وحلفائها,والحيرة والقلق تظهر في الركود والتضخم الاقتصادي والمالي الدولي, وغلاء المعيشة ,وبقاء اسعار الطاقة مرتفعة,وكذلك بالتثقيف الغربي على ان عصر الرفاهية الاوربية انتهى

هل العالم فعلا بحاجة الى منظمة امم متحدة جديدة ,لاتستحوذ عليها دول الفيتو فقط, تمثل فيها القارات والدول الكبرى بطريقة عادلة,

وان تترك المجتمعات مع الفطرة الانسانية السليمة دون مساس او اجبار على التغيير,وتتوقف لعبة برمجة عقول الناس او التفكير الخبيث بزرع رقائق الكترونية في ادمغتهم لتحويلهم الى الات وادوات طيعة لقادة الرأسماليةوالمنظمات الشيطانية او العبثية…

ان تهرب عدة عوائل من امريكا وكندا ودول غربية اخرى وتلجأ الى روسيا خوفا على اطفالهم من التحولات الاصطناعية لنوع الجنس,فهذا يعني ان سفينة العولمة بدأت اولا بالغرق من جهتها الغربية قبل ان تنقلب وتغرق بالكامل

مشوار الوصول الى الحضارة الانسانية طويل…وتعمد نشر مشاهد العنف واثار الحروب,وفشل النظام الرأسمالي في المحافظة على الاستقرار المعاشي للطبقة الوسطى,وصولا الى مرحلة تقليل الانفاق المالي للخدمات الصحية المجانية,كلها عوامل اساسية لاشاعة ثقافة ان الانسان وصل الى مرحلة التقييم الجديد له,قيمة متدرجة,تبدأ من الاعلى لاصحاب الثروات المتحكمين بالعالم,مرورا بمجتمعات القطيع المختلفة,نزولا الى وقود الحروب ومصانع الازمات…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب