23 ديسمبر، 2024 9:37 ص

انقلاب – ثورة 14 تموز 1958 !!

انقلاب – ثورة 14 تموز 1958 !!

على الرغم من مرور نحو ستّين عاماً على تغيير العهد الملكي في العراق الى نظامٍ جمهوري , فحركة التغيير هذه وبالرغم من الكتب والبحوث والمقالات اللائي جرى نشرها بهذا الشأن , فأنّ النتائج التقييميّة لتلكم الكتابات والدراسات لم تصل بعد الى حدّ الحسم والجزم في تقييمٍ مطلق نحو ذلك التغيير الى النظام الجمهوري وما رافقه وافرازات ذلك على المجتمع .

ليس مناسباً تسديد بعض السهام النقدية لحركة 14 في ذكراها السنوية والأحتفاء بها , لكنّ تلكُنّ السهام هي كقذائف تنوير على بعض ثنايا و خفايا مجريات ما حدث في ذلك اليوم الموعود او المشؤوم او المفرح بأنتشار ثقافة العنف وسفك الدماء وسحل الجثث في الشوارع .. , والى ذلك فلا شكّ أنّ اولى متطلبات القيام بثورة او انقلاب هي الحفاظ على الكتمان والسرية لضمان المباغتة في الهجوم , لكنّ تحرّكات واجتماعات الضباط الأحرار كانت مكشوفة ! وكانا جهازي الأستخبارات العسكرية والأمن العامة واستخبارات لواء الحرس الملكي على درجةٍ عالية من النشاط ويقدّمون معلوماتٍ تفصيلية الى الوصي عبد الأله ورئيس الوزراء نوري السعيد عن لقاءات هؤلاء الضباط وبأسمائهم ورتبهم العسكرية , وانتشرت اخبار التحرك للقيام بأنقلاب عسكري وعبرت الحدود ! وكما معروف فقد اتصل الملك حسين هاتفياً بالعائلة المالكة في بغداد حول هذا الشأن , فجرى ارسال رئيس اركان الجيش الفريق رفيق عارف الى عمان واستمع الى تقارير المخابرات الأردنية حول حركة الجيش المقبلة في العراق , لكنّ الفريق عارف نفى ذلك تفصيلياً , وعاد الى بغداد ليؤكد للوصي والملك سيطرة وزارة الدفاع على الوضع بالكامل ! وكانت المخابرات الأيرانية ” السافاك ” على دراية اكثر بالوضع المتأزم في بغداد , حيث بادر رئيس السافاك < وبتصرف شخصي ! > بأرسال مبعوث الى الوصي عبد الآله الذي كان بجولة بحرية في مضيق البوسفور بتركيا , وطلب منه إخراج الملك فيصل من العراق وعلى الفور ! لكنّ عبدالأله لم يأخذ الأمر على محمل الجدّ , < وهنا ينبغي التفكّر والتأمل بتصرّف رئيس المخابرات الأيرانية من دون علم حكومته .! > .ومن خلال المعلومات التي توفّرت لمخابرات تلك الدولتين فكان لابدّ أنّ بريطانيا , والسفارة البريطانية على علم بتلك التحركات والتفاصيل وبصورةٍ اكثر , وهذا ما يرسم علامة استفهام على الدور البريطاني وبما لا يمكن تفكيك رموزه وربما بعد الف سنةٍ هجرية.!

وكان ملفتاً للأنظار وبدرجةٍ حادّة لكبار ضباط الركن في وزارة الدفاع العراقية الأجتماعات واللقاءات المتكررة للعقيد عبد السلام عارف ” رئيس الجمهورية لاحقا ” مع الفريق الركن رفيق عارف – رئيس اركان الجيش , وهنالك فرق كبير بين الرتب العسكرية بين الأثنين , وفرق بين آمر فوج ورئيس اركان , فماذا يعني ذلك .! , وقد سمح الفريق رفيق عارف للّواء العشرين بالمرور في بغداد بكامل افواجه وليس على دفعات لأعتباراتٍ أمنيّة حسب تقاليد الجيش والاستخبارات , حيث كان عبد السلام آمر احدى افواجه التي نفّذت الخطة واطاحت بالنظام الملكي , ومن المفارقات أن العقيد عبد السلام اقنع آمر اللواء العشرين أن يسبقهم الى الفلوجة وبالتالي فأنه سيكمل عبور قطعات اللواء لبغداد ويلحق به .! , فماذا لو رفض آمر اللواء العشرين ذلك وبقي يشرف على مرور وحركة قطعاته في بغداد .! فكيف كانت ستنجح الثورة المفترضة !

لانودّ الإسترسال اكثر كي لا ننجرّ الى ما سبق نشره سابقاً ” ومن دون انتباهنا ” .. وقد يغدو ممتعاً النظر عبر زواياً غير تقليدية عن عمّا بين سياسة العهد الملكي وحركة تمّوز , فقد تفاخر الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم بأنه اخرج العراق وحرّره من ” حلف بغداد ” في العهد الملكي , بينما ” ذات مرّة ” طلب نوري السعيد اللقاء بقادة التظاهرات المنددة بأنضمام العراق لحلف بغداد وقال لهم : < إذ حلف بغداد يتكوّن من تركيا وايران وباكستان والعراق وبريطانيا التي كانت تسيطر على عموم المنطقة , فأنّ تركيا بوسعها أن تقطع مياه دجلة والفرات عن العراق في ايّ وقت , وأنّ الجيش الأيراني يتفوّق على الجيش العراقي بعشرات المرّات في العدد والتسليح , فكيف لي أن اقوم بتحييد تلك الدولتين من الإضرار بالعراق في ايّ وقت من دون الأنضمام الى هذا الحلف الذي ترأسه بريطانيا > .! , فأيهما منطق العقل والفكر في رؤى عبد الكريم قاسم ورئيس الوزراء الراحل نوري السعيد , والإجابة متروكة للقرّاء .

ثُمّ اذا كان النظام الملكي متّهماً بالوقوف ضدّ المدّ القومي ” وسيما في العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1056 بفرضٍ من بريطانيا مما لايمكن مقاومته , فالعميد الركن عبد الكريم قاسم – رئيس وزراء النظام الجمهوري الأول قد وقف بالضّد من التوجهات القومية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان يتزعّم حركة القومية العربية بأبهى صورها , وكان بالفعل الناطق الرسمي والحيوي بأسم العروبة وبأعتراف كلّ حكومات الغرب والشرق .

وبأختزالٍ واختصارٍ آخَرَين , وبمقارنةٍ < ولعلّها ليست مقارنةً اكاديميةً تجريديّة > , فلو استمرّ النظام او العهد الملكي لغاية الآن , فمن المؤكد أن ارتفعت وازدادت عائدات النفط عمّا كانت عليه في السابق , ولتحرّر العراق من قيود السياسة البريطانية بعد دخول امريكا في الشرق الأوسط , كما يتوجّب الأعتراف أنّ الملك فيصل الأوّل والملك غازي هما مؤسّسي الدولة العراقية ومقوّماتها , ولم يجرِ ولم يحصل اتهام ايّ من اعضاء العائلة الحاكمة بالفساد .وكان يمكن للعميد قاسم والعقيد عارف تسفير العائلة الملكية للخارج وخصوصاً < النساء بدل قتلهم واعدامهم من دون تخطيطٍ مسبق لمصيرهم , وفي ذلك اهانة للعسكرية والجندية العراقية > , كما كان ممكناً جداً لعبد الكريم قاسم عدم إعدام قادة حركة الضباط الأحرار التي جلبوه وعيّنوه رئيساً عليهم ” بفارق رتبة عسكرية واحدة ” وزجّهم في غياهب السجون لأعتراضهم على سياسته الهوجاء التي كانت المقدّمة التمهيدية لما يشهده العراق من ثقافة سفك الدماء والأغتيالات الحاصلة الآن سواءً بمفخخاتٍ او بعبوات او سواها مما لم يشهده العراق في العهد الملكي , ومع تحفّظاتنا الصحفية والمهنية لكلا سياسات العهدين الملكي والجمهوري وما افرزتا من افرازاتٍ .!