لأول مرّة منذ انطلاق العملية السياسية بعد التغيير عام 2003 نشهد كتلة برلمانية واضحة المعالم في تبنيها خيار الهوية العراقية على الهويات الثانوية ، فالكتلة الأكبر عدداً اليوم ، التي اعلن عنها تحت عنوان ” انقاذ وطن”، ليست شيعية قح كما يطالب بها الاطار التنسيقي كشرط للانخراط بتحالف مع التيار الصدري ، بداعي الخوف من تحوّل الوجود الشيعي في مجلس النواب الى وجود اقلية ، هي كتلة متنوعة المكونات والاتجاهات السياسية جمعتهم الرغبة والارادة في الخروج من مستنقع التفضيل الطائفي والقومي والمحاصصة والفساد على مغانم السلطة ، والاتجاه صوب طريق ابراز الهوية الوطنية على قاعدة بناء دول عصرية تتبنى مفاهيم واستراتيجيات التنمية وبناء الانسان كما جاء في مقال لمرشح التحالف لرئاسة الجمهورية السيد ريبير أحمد ؟
لا أوهام لدينا حول نجاح مشروع انقاذ وطن ، فقد فشلت القائمة العراقية وتفتت عام 2010 بمجرد فشلها في الحصول على السلطة بفتوى المحكمة الاتحادية ، كما فشل تحالف الصدريين مع الحزب الشيوعي ، ايضا تحت شعارات الهوية الوطنية ، لكن قراءة منطقية ومنصفة وواقعية لنوع وطبيعة تحالف ” انقاذ وطن ” تقودنا الى افتراض مختلف باحتمالية كبيرة بنجاح هذا التحالف بتهشيمه لثيمة من ثيمات بدعة العرف السياسي والانتقال الجريء والشجاع الى مفاهيم الدستور وليس الى مفاهيم التوافقات التي تقوم على مبادىء المصالح الحزبية والشخصية لما يفترض ممثلين عن المكونات العراقية !
الاختلاف بين التيار الصدري والقوى الاخرى الكبرى الممئلة لهذا التحالف العابر ، هو اختلاف آيديولوجي حتى ربما من داخل الايديولوجية الاسلامية نفسها في تبنيات مختلفة ، والا ما الذي يجمع الخنجر او الحلبوسي او البارزاني مع الفكر الصدري ورؤيته الايديولوجية ، لكن المشتركات أكبر بكثير ، مشتركات استطاعت ان تطمس مستوى الخلاف لصالح مشروع وطني لاتتقاطع فيه الايديولوجيا مع المشروع المطروح القائم على محاربة الفساد والمفسدين وبناء هيبة الدولة بسطوة وقوة القانون وغلق الابواب امام أي تدخلات غربية او شرقية والعمل على حصر السلاح بيد الدولة وبناء جيش عصري ومهني موحد وبناء الانسان بروح المواطنة والهوية الوطنية وتقديم الخدمات التي تتيح للانسان العراقي ان يعيش بكرامة وتصفير المشكلات الازلية مع اقليم كردستان وفق مبادىء الدستور ، وهي مشتركات وطنية واقعية خارج فضاء الاختلافات الايديولوجية، كل هذا المشروع تحت رعاية العدالة الاجتماعية وسطوة القانون على الجميع دون تمييز .
” انقاذ وطن ” في حالة انعقاد جلسة النصاب يوم السبت واختيار مرشّحي التحالف لرئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء أمام تحديات كبرى تحتاج الى عقلية سياسية جديدة تتجاوز ، بل تلغي ، مفهوم تقاسم الكعكة السيء الصيت والسمعة ، تحديات تحتاج الى روح عمل وطني حقيقي تتجاوز السياقات الانانية في النظر الى السلطة ومغانمها وامتيازاتها ، روح عمل تتبنى معايير الوطنية والكفاءة والنزاهة .
الفرصة مواتية ، وهي فرصة تأريخية للنهوض بطائر العنقاء العراقي الذي ينبثق من تحت الرماد ليحق في فضاءات البناء والاعماء واحترام حقوق الانسان ، وبناء دولة حقيقية راعية للجميع .
تحديات ” انقاذ وطن ” تمنح الفرصة للجميع لتعديل وتصويب المسار الخاطىء الذي قاد البلاد الى كل الكوارث التي عانى ويعاني منها حتى الآن .
تحديات صعبة وشاقة طريقها ” معبد ” بالألغام التي يزرعها اعداء العراق وربما بعض المختلفين مع هذا المشروع الوطني ستجعل من مهمة المتصدين للمشروع مهمة صعبة للغاية ، لكن الارادة الحقيقية وقراءة الواقع بتشعباته قراءة واعية ، ستجعل من برنامج المشروع ممكن التطبيق ، بدعم شعبي ، اذا تلمس المواطن الفرق بين ما مضى وبين ما سيأتي !
ها سيحصل ذلك ؟
لننتظر ونرى …