أوغل النظام البعثي الصدامي في دماء العراقيين وقتل الملايين من ابناء الشعب في حملات الاعدام والعنف الوحشي والمقابر الجماعية والحروب الظالمة العبثية ، وأعدم خيرة العلماء والكفاءات والطاقات العلمية والشبابية الفاعلة ، كما تسبب بتدمير الاقتصاد العراقي واضعف قيمة الدينار العراقي الذي كان يعادل ثلاثة دولارات في اواخر السبعينيات واصبح الدولار الذي كان يعادل ربع دينار يساوي ثلاثة الاف دينار اي انه انخفض بمقدار 12 ألف مرة واصبحت لقمة الخبز صعبة على المواطن العراقي ولم يكن راتب الموظف الشهري يكفي لشراء طبقة بيض ، ونهب ثروات الشعب الجائع ليبني مجده الشخصي وقصوره الفخمة وتشرد الملايين في ارجاء المعمورة واصبحت العوائل العراقية تتسول حتى في افقر البلدان كالأردن وسوريا وغيرها ، وتحول العراق الى سجن كبير تتحكم بمصيره طغمة دكتاتورية متوحشة أغلقت ابواب العالم بوجه العراقيين وجعلتهم يعيشون في قاع مستويات البؤس والحرمان والتخلف ، وقد بدا واضحا أن العراق الممزق داخليا والمحطم عسكريا خصوصا بعد الخروج من الكويت قد فقد تماما موقعه الخارجي ومكانته الدولية ، وتحول الى فريسة سهلة لاطماع المشروع الامريكي الستراتيجي الرامي للسيطرة على العالم عموما والشرق الاوسط خصوصا والذي يمثل فيه العراق موقع ستراتيجيا مهما وكبيرا .
ومع اندلاع الانتفاضة الشعبانية في اذار 1991 والتي واجهها النظام المقبور بوحشية وقسوة فظيعة أسفرت عن حملات اعدام جماعية وحالات نزوح كبيرة عبر الحدود واعتقال الاف الثوار والمنتفضين أعقبها خضوع العراق لعقوبة أممية دفعت بها الادارة الامريكية لتنتج حصارا خانقا ضيق على الشعب كل سبل العيش وحرم على العراقيين الغذاء والدواء والحاجات الاساسية للحياة ، وقد برز في هذه المرحلة الدور الامريكي في العراق الذي فتح للطاغية المقبور سبل القضاء على الثورة في وسط وجنوب العراق وتكفل بحماية الاكراد في شمال العراق بعد ان منحهم الحماية من الاجرام الصدامي ، وقد اندفع الكرد لتحصين انفسهم ومواطنيهم عبر انشاء شبه دولة مستقلة في ثلاث محافظات عراقية هي اربيل والسليمانية ودهوك ، بينما استمرت جرائم الطاغية حتى سقوطه في 2003 بعد ان ارتكب اكبر وابشع جرائمه بتسليم العراق الى الاحتلال الامريكي والاختباء في حفرة قذرة كجرذ قميء.
لم يكن صدام ونظامه مجرد عصابة قمعية تسلطت على رقاب الشعب العراقي بل كان جزءا من مخطط كبير استهدف اسقاط العراق في مستنقع المشروع الامريكي الذي تنوعت أساليبه وتكتيكاته في ذات الستراتيجية (الهيمنة) ، ولم يكن الاحتلال الامريكي العسكري في 2003 الا وسيلة هادفة لتحقيق اهداف هذا المشروع الخطير الذي يرمي لتحقيق السيطرة المباشرة على مقدرات العراق .
والمتابع لاحداث مرحلة الاحتلال المباشر بموضوعية يكتشف ان الخراب والدمار والفساد الذي غرقت فيه البلاد تحت لم يكن الا نتاجا معدا ومخططا له لضمان خضوع العراق لاجندة هذا المشروع الكبير ، فمن الحكم العسكري المباشر الى ادارة الحاكم المدني الى مجلس الحكم الى الحكومة المؤقتة في 2004 لم تكن سوى مراحل وخطوات لايجاد عراق جديد وفق الارادة الامريكية ، التي استثمرت طغيان النظام المقبور من اجل تحقيق ما تريد من خلال الطبقة السياسية التي نصبتها واشنطن لإدارة العراق بحجة تمثيلها للعراقيين ، ومع الاضطرار الذي دفع الولايات المتحدة للقبول بايجاد دستور جديد واجراء انتخابات لحكم البلاد تحت ضغط المرجعية الدينية والرفض الشعبي للوجود العسكري الامريكي الذي تحول الى مقاومة عسكرية حملت لوائها حركات المقاومة الرافضة للهيمنة الامريكية والاحتلال العسكري الاجنبي للعراق فان الادارة الامريكية لم تقف مكتوفة الايدي بل عمدت الى ايجاد الغام وثغرات كبيرة سواء في الدستور او في اليات الانتخاب وتشكيل الحكومة العراقية والحكومات المحلية وفق منهج يضمن لها القدرة على ابقاء البلاد تحت السيطرة بشكل أو بآخر ، وهو ما يستدعي المراجعة الجادة والبحث العميق من اجل إنقاذ العراق ، فالفساد المالي والاداري والاخلاقي ماهو الا نتيجة حتمية لطبيعة النظام السياسي المبني على الديمقراطية التوافقية التي تحولت بشكل اوتوماتيكي الى محاصصة طائفية بحجة مراعاة المكونات وفق المادة تاسعا من الدستور والتي انتجت محاصصة حزبية أنشأت مصالح ضيقة وصراعات شخصية قاتلة بين الشخصيات والاحزاب التي تسيدت المشهد السياسي وتحكمت بمصير العراقيين بعد 2003 حتى أصبح بناء الانسان وإعمار البلاد والتوزيع العادل للثروة في أخر سلم أولوياتها لتجد نفسها بعد سنوات موضع نقمة الشعب المظلوم والمرجعيةالدينية التي أغلقت بابها وبح صوتها ولم تجد من هذه الشخصيات أذنا صاغية . وتحولت النقمة الى سلسة من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحقوق والتي أصبحت وسيلة من وسائل التعبير التي يمكن ان تكون سلاحا ذو حدين قهي السبيل الامثل للضغط الجماهيري لتحصيل الحقوق من جهة ، وهي بيئة مناسبة لمن يريد ركوب الموجات لتحقيق مصالحه الضيقة من جهة اخرى كما أنها وكما حدث في بلدان كثيرة من بيئة مناسبة لهدم الدولة بشكل كامل من خلال استثمار حاجات الناس ومطالبهم الحقة من قبل المخابرات الامريكية والفرق الامنية الخاصة المرتبطة بها لتنفيذ الاجندات التخريبية التي تزيد الاحوال سوءا وتزيد من حجم الهوة بين الشعب والحكومة غير الفاعلة والتي لاتمتلك مشروعا حقيقا قادرا على تحقيق احلام الشباب لفقراء الحالمين بسكن صغير وراتب قليل وفرصة عمل شريفة ، وفي هذا كله تحضر الاسئلة الكبيرة التي تبحث عن اجوبة شافية ، ماذا علينا أن نفعل ؟ هل نترك وطننا الحبيب يضيع ؟ هل نترك شبابنا وأهلنا عرضة للدمار والقتل والحرمان ؟ كيف نتصرف ؟ ماذا على المثقفين ان يفعلوا بالضبط ؟ قطعا الاجوبة حاضرة لكنها مبعثرة وغير كافية ، علينا ان نبذل جهودا كبيرة وحقيقية لأحداث نقلة نوعية في الاداء الحكومي وان نجبر الرئاسات الثلاث على التخلي عن الرواتب الضخمة والامتيازات الطبقية لكل موظفيها وان يكونوا مثل باقي الناس ، علينا أن نضغط على البرلمان لكي يمارس مهمامه في الرقابة والتشريع وأن يخفض رواتبه وامتيازاته واجازاته وعطله وايفاداته بنسبة لاتقل عن النصف وأن يخفض اعداد حماياته ، علينا أن نضع اصابعنا على الجرح ونطالب السلطة القضائية بفتح ملفات الفساد أمام المواطنين وعبر وسائل الاعلام وان تحكم بما بين ادراجها من قضايا وان تعمل على استعادة كل الاموال المسروقة والمنهوبة ، وعلينا ان نتوجه للشباب لممارسة الدور التوعوي المطلوب لحفظ الوطن والقيم الاصيلة ، علينا أن نعمل جميعا بكل ما أوتينا لإنقاذ العراق فالسكوت والانزواء والانعزال جريمة بحق انفسنا وبلدناومستقبل اجيالنا .
وللحديث تتمة .