باتت الانتكاسات والخروقات الامنية امرا شبه يومي في حياة العراقيين منذ عام 2003 حيث تعرضت الدولة العراقية الجديدة لعدة هزات ومنعطفات خطيرة سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية لكن زحف المجموعات المسلحة نحو العاصمة بغداد بعد سيطرتهم على اجزاء واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى يعتبر هو التحدي الامني الاخطر على الحكومة العراقية ورئيس الوزراء نوري المالكي الساعي لولاية ثالثة عقب فوزه بالانتخابات وسط جدل سياسي حاد بشانها كما ان مايجعل هذه الازمة هي الاخطر على الاطلاق هو انهيار قطعات الجيش العراقي وانسحابها من المدن والمواقع الواحدة تلو الاخرى دون قتال ولقراءة متانية وسليمة لتعقيدات المشهد العراقي وتداعيات هذه الازمة التي قد يؤدي عدم التعامل معها بحكمة وعقل ليس الى انتهاء العملية السياسية فحسب بل الى حرب اهلية بصبغة طائفية وبالتالي تقسيم العراق ينبغي توضيح عدة نقاط :-/
1- العراق نهاية الحلم الامريكي بهذا عنونت صحيفة الاندبندت البريطانية صفحتها وهي تغطي الاخبار الواردة من العراق فلا شك بان الولايات المتحدة تتحمل المسئولية السياسية والاخلاقية عن مايحصل في العراق اليوم فالقرارات الخاطئة للحاكم المدني الامريكي بول بريمر من حل الجيش السابق وماصاحبه من تاسيس عملية سياسية وبناء الدولة وتاسيس الجيش الجديد على اساس المحاصصة الطائفية وما تلا ذلك وتمثل في كتابة الدستور بطريقة معيبة وتضمينه مواد قابلة للانفجار باي وقت كل هذه الاسباب ادت الى وقوع العراق في ازمته الحالية والتي كان الحس الطائفي حاضرا بها بقوة .
2- سياسات رئيس الوزراء المالكي الطائفية والقائمة على اقصاء وتهميش الطائفة السنية والتي عانت بعد عام 2003 من الظلم والاقصاء والتهميش والاعتقالات واهانة رموزها الدينية وتحميلهم اوزار جرائم
النظام السابق بحيث باتت الطائفة هي الحلقة الاضعف في العملية السياسية دون ان ننسى انتهازية السياسيون السنة وفتاوي رجال الدين التي حرمت على الطائفة المشاركة في الانتخابات والجيش والشرطة وتولي العمل الحكومي وقد صاحب ذلك اصرار السيد المالكي على استعداء الطائفة واستهداف قياداتهم السياسية ماادي الى اندلاع الاحتجاجات والاعتصامات ضد حكومته للمطالبة بالحقوق المشروعة التي اقر بها بنفسه لكنها قابلها مع ذلك بالتجاهل والمماطلة واخيرا القوة لتندلع المواجهة المسلحة بين الطرفين.
3- ان مايحصل اليوم في العراق لايمكن فصله باي حال من الاحوال عن الاوضاع في سوريا فالسيناريو مشابه تقريبا وهو مايشير الى ان للموضوع ابعاد اكثر مماهي معلنة وهو بداية مرحلة الشرق الاوسط الجديد وتقسيم دول المنطقة على اسس مذهبية وعرقية فقد كنا نظن بان ذاك المشروع الذي يقف خلفه اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة والمحافظين الجدد قد تم واده بعد الفشل الذريع للاحتلال الامريكي في العراق وصمود المقاومة في كلا من فلسطين ولبنان في وجه الالة العسكرية الاسرائيلية لكن يبدو بان رياح الربيع العربي قد اتت على هوى هذه القوى لتعيد احياء هذا المشروع مستغلة احلام الشعوب العربية بالحرية وطموحها بالديمقراطية بعد عقود من الحكم الشمولي الديكتاتوري وتم نشر خرائط بهذا الخصوص في الصحافة الامريكية وقد بدت معالم هذه المشروع واضحة بعد قيام تنظيم داعش بازالة الحدود بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية ممايوحي بتوحيد المناطق السنية في العراق وسوريا وربما انضمام شمال لبنان فيما بعد في المقابل بات الجنوب اللبناني الشيعي مرتبطا ارتباطا وثيقا بمنطقة الساحل السوري ذات الاغلبية العلوية فيما توثقت الاواصر بين اقليم كردستان العراق والمناطق الكردية السورية وتبقى جنوب العراق الشيعي الذي اما ان يتم الحاقه بايران او يتم دمجه مع المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ذات الغالبية الشيعية الفقيرة والمناهضة للحكم في الرياض لتكوين دويلة شيعية لذلك وصفت صحيفة الاندبندت البريطانية سقوط الموصل بيد مقاتلي داعش على انه نهاية الشرق الاوسط القديم.
ان طبيعة النظام السياسي وسياسات الحكومة العراقية كانت كفيلة بحدوث الازمة الحالية فانهاء فكرة المواطنة وتقسيم الشعب الى مكونات بزعم نيل الحقوق عاد وبالا على كافة فئات الشعب العراقي ولم يستفد منه سوى امراء الطوائف والحرب والاحزاب والميليشيات والجماعات الراديكالية فالمحاصصة الطائفية كانت ولاتزال وصفة سحرية لتدمير الاوطان تمهيدا لتمزيقها كما ساهمت سياسات الحكومة التصعيدية تجاه السنة (بحيث باتوا كانهم مواطنين من درجة ثانية) في تاجيج نار الفتنة الطائفية واستمرار معاناة المواطن العراقي ومن هنا فان مايحصل اليوم ليس غزوا خارجيا لتنظيم ارهابي دولي مثل داعش فحسب بل هو انتفاضة سنية ضد الحكم الشيعي للعراق استخدمت داعش كواجهة له فقط ويقف خلفه مسلحوا العشائر ومقاتلي تنظيمات النقشبندية والجيش الاسلامي وجيش المجاهدين وكتائب ثورة العشرين
فهو خليط عشائري بعثي صوفي اخواني سلفي متحالفا مع داعش لاسقاط العملية السياسية وهيمنة الاسلام السياسي الشيعي على مقاليد الامور وهو مايعقد الامر ويجعلها تتجه نحو المنحنى الطائفي خصوصا بعد فتوى المرجعية الدينية في النجف الاشرف بالجهاد الكفائي وانضمام مئات بل الالاف الشباب الشيعة من ابناء العشائر ومقاتلي الميليشيات ومنتسبي الجيش والشرطة لساحة القتال مما ينذر بصدام طائفي مريع لارابح فيه الا من راهن على تقسيم البلاد واستنساخ التجربة السورية المريرة .
ان الحرب الاهلية ان حصلت لاسامح الله فلا منتصر بها فلا الحكومة بقادرة على استعادة كامل الاراضي التي خسرها الجيش ولا المسلحون قادرون على دخول بغداد ومواصلة الزحف نحو مدن الجنوب العراقي لعدة عوامل اهمها العامل الطائفي كما ان الحديث عن تدخل ايراني لمصلحة المالكي يفاقم الامور وهو تدخلا ان حصل سيجذب بلا شك خصوم ايران مثل تركيا وبعض دول الخليج للساحة العراقية مما يعني حربا اقليمية بالوكالة تدمر ماتبقى من العراق وتقسمه وتفتك بالعراقيين على غرار ماحصل ويحصل في سوريا .
ان انقاذ العراق من خطر الطائفية والحرب الاهلية وشرور التقسيم امرا مقدس وهو يحتاج لقدر كبير من الحكمة ونفاذ البصيرة لدى السياسيين ورجال الدين وشيوخ العشائر والعمل باسرع وقت لتشكيل حكومة انقاذ وطني تستثني السيد المالكي تعمل على تهدئة الاوضاع وتوحيد الصف والاشراف على مرحلة انتقالية تمهيدا لبناء نظام سياسي جديد واعادة كتابة الدستور حيث بات واضحا بان العمليى السياسية قد وصلت الى طريق مسدود وانها قد بنيت على اسس غير سليمة وقد اعترف السيد المالكي بطريقة غير مباشرة على ان شوائب عديدة شابت بناء الجيش العراقي اثناء الاحتلال وان العراق بحاجة لجيش جديد بعقيدة جديدة !!! وهو ماينطبق بالضرورة على النظام السياسي في البلاد .كما ان على الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة والوجهاء وشيوخ العشائر ورجال الدين والضباط السابقين في المناطق السنية التبرا علنا والوقوف في وجه تنظيم اصولي متطرف مثل داعش اذا ماارادوا ان يكسبوا ثقة باقي فئات الشعب العراقي ويسبغوا الصفة الوطنية على حراكهم فالطائفية لاتواجه بالطائفية المضادة حينها نستطيع ان نقول باننا انقذنا العراق .