23 ديسمبر، 2024 11:29 م

انفصام الرؤية صورة العرب في وسائل الاعلام الامريكية

انفصام الرؤية صورة العرب في وسائل الاعلام الامريكية

محور هذا الكتاب تحليل وتفسير المواقف التي تتخذها وسائل الاعلام الامريكية المقروءة والمسموعة والمرئية من القضايا العربية خاصة قضية الصراع العربي الصهيوني وكذلك صورة العربي في هذه الوسائل . ولتحليل وتفسير ذلك يقدم لنا الكتاب عددا كبيرا من اللقاءات الصحفية مع كبار المراسلين والصحفيين الامريكان الذين عملوا في الاقطار العربية وغطوا قضاياها لكبريات الصحف الامريكية ولمحطات التلفزيون الرئيسية في امريكا . واللقاءات جرت في الفترة من 1975 ــ 1982 اي الى ما بعد غزو الكيان الصهيوني للبنان ، وذلك لرصد اي تغيرات في موقف الاعلام الامريكي طوال هذه الفترة . وطرح الكتاب اسئلة اساسية من حيث الجوهر على هؤلاء الصحفيين ، وكلها تتعلق بالبحث عن اسباب الانحياز ضد العرب في تغطية قضاياهم وهو يكاد يكون صارخا تماما حين يكون الكيان الصهيوني الطرف الثاني في القضية المطروحة .

يضم الكتاب اضافة الى تلك اللقاءات.. عدداً من المقالات السياسية لكتاب عرب يعملون في هذا المجال ويقيمون في امريكا منذ فترة طويلة. فهناك مقال طويل للدكتور ادمون غريب الذي يعمل في مجال الاعلام السياسي في امريكا، وكذلك الدكتور ميشيل سليمان استاذ العلوم السياسية في جامعة كنساس الذي سبق ان نشر العديد من الدراسات حول موقف الاعلام الامريكي من القضايا العربية، والدكتور اياد القزاز استاذ علم الاجماع في كاليفورنيا الذي بحث في دراسات جادة عن الاسباب غير المباشرة والتاريخية التي كونت صورة مشوهة للعربي لدى المواطن الامريكي.

ومن خلال قراءتنا المتعمقة لما جاء في الكتاب بأصله الانكليزي من لقاءات ومقالات، فان عدداً من النقاط الاساسية التي وردت فيه يمكن عرضها:

يؤكد الكتاب ان هناك انحيازا في الصحف الامريكية الاساسية النيويورك تايمز والواشنطن بوست وغيرها، ومحطات التلفزيون ABC. NBC. CBS وهذا الانحياز يأخذ اشكالا متعددة.. فالكيان الصهيوني يعتبر في هذه الوسائل واحة الديمقراطية وامتدادا للعالم الغربي في الوطن العربي، وحين سئل المحرر هودنغ كارتر الناطق الرسمي في عهد كارتر عن هذا الانحياز فانه كان واضحا في تأكيده. ففي اللقاء المنشور معه في الكتاب قال: ان صورة الاسرائيليين في بلادنا انهم جزء من العالم الديمقراطي ويمثلون الاسلوب الغربي في الحياة وسط الشرق الاوسط وصورة العرب باعتبارهم جزءاً من العالم الثالث صورة مشوهة لدى الامريكي العادي هذه الحقيقة كما يقول رغم ان كثيرين يترددون في الاعتراف العلني بها.

وقد لعب رسامو الكاريكاتير وهم شديدو التأثير على القراء وخاصة في مجتمع لا وقت لدى افراده للبحث العميق في القضايا الخارجية، دوراً سيئاً في رسم صورة العربي. فهو كذا – بعد حرب حزيران، وارهابي مع ظهور حركة المقاومة الفلسطينية، وعطشان للمال والسلطة وتخريب اقتصاديات العالم مع ارتفاع اسعار النفط.

وقد ظهر هذا الانحياز على اشده في مرحلة حرب حزيران، حيث تقول دراسة – المعهد الامريكي للاتصالات السياسية – انه من بين عدد كبير من المعلقين الذين تنشر تعليقاتهم مئات الصحف في وقت واحد، فان واحدا فقط قد كتب بموضوعية لتغطية حرب حزيران 1967.

ويأخذ هذا الانحياز اشكالاً متعددة منها التركيز الشديد وفي صدد الصفحات الاولى على كل ما يهم الكيان الصهيوني.

وحين سئل المحرر جويترزمان العامل في النيويورك تايمز عن سبب نشره كل ما يتعلق بالكيان الصهيوني الى درجة ان مجلة هاعولام هازيه- الصهيونية تقول: “ان مجرد همس اي مسؤول اسرائيلي يتحول الى خبر في النيويورك تايمز” قال:.. “ان سبب ذلك ان مدينة نيويورك بها اغلبية هائلة من القراء اليهود واهمال الاخبار العربية او المواقف المؤيدة للعرب وسيلة من وسائل الانحياز للموقف الاسرائيلي. بعد فصل القوات في سيناء، الكلام مازال له، تحدث وليام فولبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في مركز دراسات الشرق الاوسط- في واشنطن حديثا هاما عن الوضع في المنطقة واحتمالاته، ولانه حديث متوازن فقد تجاهلته الصحف الاساسية تماما باستثناء صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور. وحين ناقشت نفس اللجنة في وقت اخر ضرورة بيع السلاح للاردن فقد تجاهلت الواشنطن بوست على سبيل المثال اراء اولئك الذين ايدوا بيع السلاح للاردن”.

ان هذه التغطية المشوهة للمواقف العربية والمنحازة للكيان الصهيوني قد تغيرت تغيرا محدوداً بعد حرب تشرين 1973. وشهدت تغيرا واسعا ولكن لفترة محدودة ولا سيما بعد غزو الكيان الصهيوني للبنان وتطويق بيروت العاصمة.

الصحفي جينينجز مراسل شبكة الـ اي بي سي غطى اخبار القضايا العربية لمدة خمس سنوات، تحدث في لقائه المنشور في الكتاب عن تغيير محدود منذ حرب تشرين في تغطية القضايا العربية في الصحافة الامريكية.

فقد نشر د. ميشيل سليمان دراسة- تحليل مضمون للصحافة الامريكية- فلاحظ انه منذ 1956 ولغاية 1967 لم يحدث تغيير في الانحياز الامريكي سوى في مجلة (ذ نيشن) بينما لاحظ حدوث تغيير محدود لصالح التوازن في الموضوع الفلسطيني بعد حرب تشرين. غير ان غزو لبنان وتطويق بيروت قد اطلق العنان لحملة من التغيير في تغطية وسائل الاعلام الامريكية ما لبثت ان هدأت بعد ذلك.

مراسل النيويورك تايمز في بيروت – توماس فريدمان- اثناء الحصار بعث برسالة بالتلكس لصحيفته يوم 15/ اب تحدث فيها عن قصف صهيوني “دون تمييز” وهذه العبارة تغير الشيء الكثير للقراء الذين تعودوا على سماع وقراءة اخبار الصهاينة الذين يبتعدون عن اصابة الاهداف المدنية مهما كلفهم ذلك من تضحيات، وقد حدثت مشكلة بين فريدمان وصحيفته التي حاولت حذف هذه العبارة.

وفي الواشنطن بوست، ادان ريتشارد كوهين المتعاطف تاريخيا مع الكيان الصهيوني اعماله الوحشية في لبنان.

والمعلقة الامريكية ماري ماكروري التي كتبت عام 1967 تقول : كلنا اسرائيليون، عادت لتكتب في حزيران 1982 تقول لمناجيم بيغن: “عد لبلادك فيداك ملطختان بالدماء”.

لابد من تركيز الاضواء على الجذور والاسباب التاريخية العميقة التي تجعل صورة العربي مشوهة لدى المواطن الامريكي.

لقد ذكر هؤلاء الصحفيون في لقاءاتهم المنشورة في الكتاب بعض الاسباب التي قد تطفو على السطح لهذا الانجاز، وهي اسباب صحيحة لكنها ليست جوهر الموضوع.

قالوا على سبيل المثال: ان بعض العرب لا يمتلكون في هذه البلاد – اي امريكا – متحدثين يفهمون التفكير الامريكي ويكونون مقنعين كما يفعل اليهود الصهاينة. وقال مراسل الـ ان بي سي انه ذهب مع كيسنجر في زيارة لبعض الاقطار العربية مرات عديدة ولم يتمكن من الحديث مع مسؤول عربي كبير، بينما يفتحون الابواب في الكيان الصهيوني للصحفي الذي يبحث عن المعلومات، وقالوا مثلا – ان بعض الدبلوماسيين العرب في واشنطن لا يملكون المعلومات الطازجة التي يحتاجها الصحفي الامريكي للتغطية الاخبارية السريعة.

وقد اصاب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، يعلق ادمون غريب، حين تحدث في ندوة في لندن عام 1979 والتي بحثت في وسائل الاتصال بين العرب والغرب وحضرها عشرات الصحفيين الذين غطوا الاخبار العربية، اصاب حين قال “ان الامر لا يتعلق فقط بتدفق المعلومات ولا بصرف الاموال والاعلانات مدفوعة الاجر في وسائل الاعلام الامريكية والغربية عموماً. ان ذلك لن يغير اكثر من 10% من الصورة. المسألة تتعلق بخلق العرب للحقائق في اقطارهم فذلك يغير من نظرة الاخرين لهم كما حدث في حرب تشرين وما بعدها لبعض الوقت”.

المسألة تتعلق ايضا.. يؤكد الكتاب، بالفجوة الثقافية بين العرب والامريكان وباسباب تاريخية ودينية عميقة الجذور شكلت مجتمعة صورة للعربي في الذهن الامريكي بالدراسات الاجتماعية تؤكد ان المعلومات التي تعطى للاطفال الامريكان في المدارس ذات تأثير قوي ويستمر طويلا.

ويشرح الدكتور اياد القزاز في مقاله الملخصات التي تدرس في الجامعات والمدارس الثانوية والمتوسطة عن العرب والاسلام، وكيف انها محدودة وبائسة وتعطي صورا مشوهة تماما عنا نحن العرب.

ويقول الدكتور غريب: ان تاريخ العرب لا يجري تدريسه ضمن التاريخ العام في المدارس مما يعطي انطباعاً بان العرب خارج التاريخ… ويرى ان مجموع حصص التدريس عن العرب في المعاهد والكليات الامريكية هو هو 5% من منهاج السنوات الاربع الدراسية. وقد خلق ذلك الكلام، ما زال لغريب، اضافة للتشويه، جهلا مطبقا بتاريخ المنطقة.

ويذكر الدكتور القزاز في مقاله المنشور في هذا الكتاب، ان عدداً من الشباب الامريكي قد اخذ دورة عن العرب واقطارهم قبل الذهاب للعمل في الشركات الامريكية العاملة في الاقطار العربية. وفي البداية سئل هؤلاء الشباب: ما الاسلام؟. فقدموا اجابات ليس من اللائق ذكرها هنا…

يبقى الامر الهام جدا من وجهة نظرنا الخاصة والذي اغفله هذا الكتاب والباحثون الذين نشروا مقالاتهم هو الجذور التاريخية في البيئة الامريكية والغربية المؤيدة للافكار الصهيونية منذ القرن السادس عشر وبدء حركة الاصلاح الديني حيث تغلغلت الافكار العريضة للصهيونية في التفكير الامريكي منذ قرون طويلة.

ان حركة الاصلاح الديني اعادت الازدهار لاساطير ما يسمى بشعب الله المختار والميثاق وعودة المسيح المنتظر. وهي في النهاية المنطق الروحي للصهيونية السياسية التي انطلقت مع نهايات القرن التاسع عشر.

لقد اصبحت التوراة مصدراً لاسمائهم ودليلاً لتشريعاتهم واصبحت المدن الامريكية تحمل اسماء بيت لحم والجليل ويهودا صهيون. واخذت فلسطين منذ القرن السابع عشر تحتل مكانة خاصة في الثقافة الامريكية كوطن لليهود. ومع نهاية القرن الثامن عشر اصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي يشكل جانباً مهما من اللاهوت البروتستانتي الامريكي. على سبيل المثال: ان احد اسباب تأييد الرئيس ترومان للصهيونية بجانب الاسباب السياسية هو ايمانه العميق بفكرة البعث اليهودي. لقد كان معروفا عنه حبه للفقرة التوراتية الواردة في المزمار 137 والتي تبدأ. لقد جلسنا على انهار بابل واخذنا نبكي حين تذكرنا صهيون”.

* Split vision, the portrayal of Arabs in the American media, edited by- Edmund Ghareeb, middle east policy council, 1983.

[email protected]