23 ديسمبر، 2024 1:18 م

انعاش الديمقراطية المحتضرة في العراق

انعاش الديمقراطية المحتضرة في العراق

تخترق مسامعنا كثيرا كلمة حملها التأريخ منطلقا راسخا للتربية والعلم والوعي, ترتقي به المجتمعات الواعية والمدركة لمفهومها والذي يحمل بين طياته اسمى معاني الحرية والعدل والمساواة واحساس الفرد بأهميته السياسية والاقتصادية والاجتماعية دورا وشكلا ومضمونا.

تلك هي الديمقراطية…المنقذ الوحيد والمخلص الفعال للبلدان التي عانت من الحكم الاستبدادي على مر الازمان وانهيار وضعها الاقتصادي والصناعي والعمراني والسياسي، والادهى من ذلك كله انهيار اساسها الاجتماعي بين مكونات المجتمع الواحد.

وبما ان  الديموقراطية  تمثل حكم الشعب لنفسه بطريقة مباشرة او غير مباشرة كونه اساس الحكم ومصدر السلطات والقانون الذي تخضع له الدولة، لذلك فقد نادت الشعوب التي افتقرت للديمقراطية  بتفعيل مفهومها وضبطه من اجل تقرير المصير، وبالتالي الى تغير السياسات العامة وتداول السلطة سلميا.

 

فالعراق كان وما يزال اسير السياط , محكوم بالحديد والنار,  احتقنت جراحاته بقيح الظلم والاستبداد والجوع وظلم ابناءه وانتهاك حقوقهم, فلا بد من رؤية حقيقية واسعة المدى تضع العراق نصب عينيها فتغدق عليه من بحر العدالة والحق ما يطفئ  نيران اغلاله، ويمسد جراحاته التي لم تكتب لها يوما ان تبرأ او تسكن.

 

وتلك الرؤية لا يمكن تحقيقها الا من خلال تفعيل دور الديمقراطية الذي  يكاد تطبيقها مفقودا في الدول العربية وخاصة العراق، ولاسيما ابان فترة الاحتلال الامريكي، وسقوطه فريسة التعددية والطائفية والتحزب مما قاده الى تذويب وحدة الكلمة وانشقاق الصف  وانصهار الاشتراكية والوطنية، التي طالما نادى بها في حقب حياته الأليمة, لذلك تعتبر الديمقراطية نظام قابل للمناقشة والاصلاح يشير الى مبدأ سياسي يستمد شرعيته من غالبية اعضاء المجتمع والمكونين للسلطة من خلال حكم الفرد لنفسه بصورة مباشرة او غير مباشرة, وهي ايضا الاكثر امنية واستقرارا بمفهومها النفسي، حيث لا يمكن تحقيق الطمأنينة والحرية الا من خلال الدخول الى مكنونات ودواخل الافراد وتلبية مطالبهم المشروعة بالطريقة التي لا تخالف التقاليد والقيم النبيلة لهذا المجتمع مهما اختلفت الثقافات وتطورت المجتمعات.

 

ولما للتأريخ العراقي من آثار بالغة خلفتها سنوات التصحر الديمقراطي، مما ادى الى تدهور المجتمع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، ووفقا للوضع الراهن الذي يعج بالمذهبية والطائفية والذي امتص ما تبقى من قطرات تبتل منها شفاه اللحمة الوطنية, فلابد من واقع ينهض به يجسد العدالة والمساواة في بلد غصت ارضه بفيض الاصالة والعروبة, لتكون نقطة البداية والانطلاقة الغزيرة لمفهوم الديمقراطية، وتفعيل دورها من خلال عدة مقتضيات واساسيات يجب اعتمادها والاخذ بفعاليتها واهميتها منها، وبالدرجة الاساس ممارسة السلطة والسيادة بالشكل الذي يعنيه مفهوم الديمقراطية بحكم الشعب لنفسه, كونها من الثوابت البحتة التي لا يمكن تجاوزها او الاخلال بها عن طريق ممثلين ونواب منتخبين  لسيادة القانون وتوفير العدالة والمساواة, كذلك دعم الوحدة الوطنية وتعزيزها وتوحيد الصفوف والابتعاد عن كل ما يثير الانقسام الاجتماعي ويأجج النعرة الطائفية والعرقية والعنف  من قبل الاطراف السياسية  ورجال الدين، والاستعاضة عنها بالتعاون المتبادل وفقا لمبادئ المواطنة والتعددية , واعادة النظر بالقوانين المغلقة الصدأة, اضافة الى ذلك اقامة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لنشر الوعي القومي والقضاء على شتى مظاهر التخلف العقائدي بين مكونات الشعب، والبدء بحملات توعية جماهيرية شاملة لمواجهة الفساد الاداري والمالي، لتحقيق  الاهداف المنشودة والمعلقة بخيوط الوهم الذي حاكته عناكب الاستبداد والطمع.

 

دعوة لمن انتقاهم الشعب صوتا وروحا وجسدا ليكونوا واقع الحلم الذي غفت عليه عيون اجيال واجيال, ولم تسأم الامل في تحقيقه ..بان يكونوا محط الاهلية والثقة لهذا الشعب البائس, وان يوحدوا الكلمة والصف العراقي الرصين وانقاذ الديمقراطية المحتضرة، وانعاش الحياة فيها؛ سعيا لانجلاء ليل الاستبداد واشراقة شمس الحرية, لأنكم مسؤولون امام الله عن رعيتكم ..