— ((انضمت قوات الجيش الفرنسي إلى الشرطة في باريس يوم السبت للتعامل مع احتجاجات “السترات الصفراء” المستمرة للأسبوع التاسع عشر على التوالي ضد حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون.
ومُنع المحتجون من التجمع في الشانزليزيه بعد نهب متاجر ومؤسسات وعمليات تخريب في مطلع الأسبوع الماضي مما دفع الحكومة إلى استدعاء وحدات من الجيش فيما أطلق عليها اسم “عملية سنتنيال”.
وبدأت مجموعات صغيرة من المتظاهرين تتجمع في مناطق أخرى من باريس وغيرها من المدن الفرنسية في أحدث موجة من الاحتجاجات التي بدأت في نوفمبر تشرين الثاني بعد غضب عام من زيادة الضرائب على الوقود.
وتحولت الحركة إلى رد فعل عنيف وأوسع نطاقا ضد حكومة ماكرون رغم إلغاء الحكومة ضرائب الوقود/ ((Euronews.
مقارنة منطقية بين ما حدث من احتجاجات للشعب الفرنسي وبين ما تحلى به المواطن العراقي في التظاهرات المتكررة والمستمرة ولك ان تقارن بين الأحداث وحالة الشعور بالظلم والحيف وكيف تتعامل الشعوب مع المواقف, وقارن بين الشعب العراقي “المبتلى أصلا” وكيف يتعامل بالمطالبة بحقوقه؟ ان شئت المقارنة, وانظر حجم الانضباط والتضحيات والالتزام الذي يقدمه هذا الشعب على الرغم من اختلاف الواقع الجذري بالحياة بين الشعبيين.
الصدر وأنصاره:
المشهد الأخير الذي قام به السيد الصدر لم يكن مشهدا معتادا بل هو مختلف على صعيد الساحة العراقية وفقا لظروف المرحلة, بل هو استثنائي, وانا ذكرت في مقال سابق ان سائرون بشكلها العام والتيار الصدري بشكله الخاص سيكون مختلفا عما سبق وهذا مالم يتقبله الأخرون فالاختلاف سمة دائما تكون غريبة في أول انبعاثها لكنها وبعد مرور زمن ستكون حالة طبيعية يسير على خطاها الأخرون.
وفقا للمواقف الكثيرة والكبيرة التي تبناها السيد الصدر في مسيرته الإصلاحية والتي انتتجت سائرون وهي لغاية اللحظة امل منشود للكثيرين. فأن خطواته الأخيرة بمحاسبة وطرد الفاسدين من تياره “حصرا” وكشفهم أمام الراي العام وتنظيف جسد التيار هي خطوة عميقة ورائدة في التغيير والتعديل ومنطلق أساسي لخطوات اكبر.
هل هناك اختلاف على أساس المصالح الشخصية كانت وراء هذه الحملة؟
هذا ما يروج له البعض لكن من المؤكد أن الأيام حبلى بالمفاجئات والتصفيات للمسيئين ومن مختلف الأماكن (مقربين وغير مقربين) وهذا السؤال سيكون الزمن كفيل بالإجابة عليه من خلال الخطوات الأخرى التي سيقوم بها سماحة السيد الصدر, وليس بالأمر الجديد ان يكون الصدر محاسبا ومعاقبا لبعض قياداته, لكن المرحلة الأن تختلف بالنسبة للتيار الصدري وفاعليته الحركية ونظرة الخصوم له, وبالمجمل ان عملية من هذا النوع تطال المقربين من التيار وبهذه الحملة الإعلامية الواسعة لو كانت الأمور على أساس المصالح الشخصية كما يدعون, لرأينا ردود أفعال واسعة من قبل الأطراف المتضررة وأصبحت الإشاعات والأقاويل والدعايات الفيس بوكية حدث ولا حرج..! بينما الرجل واضح في مبتغاه وحملته ضد المستفيدين باسم التيار, وبلا وجه حق, والحملة لم تطل المقربين فحسب بل هي عامة حسب فهمي, تنظيف لجسد التيار الصدري من ((الموالين في اللسان والمستفيدين بغير وجه حق بالميدان)), الرجل أراد ان يوقف تجارة غير مباركة طالما تاجر بها البعض باسم الصدر والتيار. وهذا موقف جريء وعظيم ويمهد في خباياه لخطوات أوسع ستطال المفسدين.
انصار الصدر مضحون لا ننسى الشهداء الذين سقطوا على محراب هذا الوطن من اجل الحرية والكرامة ومحاربة الإرهاب, }كما لا أود ان ابخس حق الأخرين بالتضحية أيضا والفداء{, لكني أتكلم ضمن سياق الموضوع المخصص. أبناء الخط الصدري الشريف طيبين القلب, مطيعون لقائدهم ومخلصين في نواياهم لانهم يعتبرونه قائد روحي عقائدي قبل ان يكون ذو صفة سياسية, لذلك هم يلتزمون بالسلمية والتظاهر الإيجابي والاحتجاج الهادف…. فان أعمال التخريب والحرق هي ليست سمة من سماتهم في الحادثة الأخيرة لحرق الأبنية (المولات), لان التكليف كان واضحا وصريحا بالالتزام بالسلمية أمام ( المولات) فبالتأكيد ليس لهم يد بذلك بينما سقط منهم شهداء وجرحى في تلك الحادثة وعلى العموم, هذا الأمر يترك للجهات المعنية والتحقيق, ليبين كشف الدلالة في الموضوع ويحاسب المسيء وفقا للقانون.
الصدر الأن أمام تحديات كبيرة فبعد تحقيقه على نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات الأخيرة فالأمل منوط بكتلته على التصحيح وسن القوانين والمراقبة كونه الراعي الرسمي للإصلاح, بينما هو يواجه الخصوم من الخارج, اذ تراه يحارب في ذات الوقت ضمن جبهة داخلية تتمثل في تنقية رئة التيار وتشذيب أطرافه من الذين تثبت أدانتهم, التكليف صعب على زعيم التيار الصدري ومرهق ولعله يحتاج إلى وقت طويل مع تزايد حاد بالمعارضة التي ستواجه من الداخل أو الخارج, فضلا عن التدخلات الإقليمية في المنطقة والتي هي ذاتها عنصر مقلق أيضا ويحتاج إلى رعاية واهتمام كبير, فضلا عن الخصوم التقليدين.
التيار الصدري أول المبادرين بالمحاسبة هكذا وبتلك الطريقة الاستثنائية لفضح كل من تثبت أدانته أمام الشعب بينما نجد الكثير من الجهات السياسية تتستر على الفاسدين وتمنحهم الحصانة والحماية.
الغرابة ان هذه النقطة يتم حسابها على زعيم التيار الصدري وليست له..! فلا عجب من ذلك فان الأنصاف مكلف وقول الحق اصبح خسارة وضعف اكثر مما هو ربح وقوة.
هناك مجموعة من الظروف الخطرة والحساسة على صعيد بنية التيار الصدري العقائدي, وعلى صعيد البلد ومشاكله, وهذا ما أشار اليه السيد الصدر من خلال حديثه ضمن صفحة إعلامية خاصة بالتيار الصدري ” صالح محمد العراقي” حينما أشار إلى حجم الإساءة إلى والده المقدس وتاريخه والى الخط الصدري الشريف نتيجة للأفعال التي يقوم بها ممن هم محسوبين على هذا الخط الشريف هذا ضمن التيار نفسه, أما على مستوى البلد والظروف السياسية فان أي متتبع سوف لن يجهد نفسه بالكشف عن تلك المشاكل.
الأجراء المهم الذي يتم اقتراحه:
أولا: المصارحة مع الذات على خلفية الأحداث الأخيرة والمكاشفة حول كل شيء بوضوح ومن الجميع داخل التيار وبلا تردد لوضع التشخيص الدقيق للحالات ومعالجتها جذريا.
وثنايا: الاهتمام بالكسب لعناصر جديدة تهتم بمشروع الإصلاح تحت مسمى “انصار الإصلاح السياسي” و بغض النظر عن طبيعة الولاءات والتوجهات كون مشروع الإصلاح يمثل خيمة وطنية كبرى تلتقي بها الأطراف المتباينة أو المختلفة في التوجهات, كما ان الشعب متعطش لإحداث ثورة وطنية سياسية مستقلة تهدف إلى تغيير الواقع وإحلال بدائل مناسبة غير خاضعة لسلبيات المرحلة السابقة, فوضعهم وإشراكهم تحت فرضية “الإصلاح السياسي” كسب جماهيري واسع ونافع.
ان تعزيز التيار الصدري على المستوى السياسي بمستقلين يؤمنون بالقضية الوطنية يتم كسبهم وفقا لشروط بالغة الدقة, سوف لن يسبب أرباك في العمل العقائدي والإرث التاريخي لسماحة السيد الصدر كما انه لن يتم استغلال الولاءات بحجة هذا الاسم وهذا الخط المبارك كونهم ليسوا محسوبين ايدلوجيا على اسم التيار الصدري وبنفس الوقت محاسبون مهنيا ضمن واجبهم السياسي.
فك الاختناق هذا سيأتي بانفتاح اكبر للتيار الصدري, وسيحقق نشاط سياسي جديد غير تقليدي لكسب قواعد جماهيرية شابة أوسع واكبر تنخرط ضمن مشروع “الإصلاح السياسي” تحت رعاية الصدر وتواجه الواقع بخطى ((مسنودة من زعيم الإصلاح)) وبالإضافة إلى النتيجة السابقة فان هناك نتيجة تكون تحصيل حاصل ضمن هذا المسار وهي ديمومة الوجود السياسي والحضور الفعال لتغطية أحداث الواقع السياسي ورسم صورة لدى الوعي الجمعي بوجود وجوه من المستقلين كعناصر واسعة وفعالة على الساحة السياسية, ((بالإضافة بكل تأكيد إلى الأخوة الوطنيين الأكارم من التيار الصدري)), فليس في الأمر استبدال بل هو استحداث قواعد جماهيرية سياسية تكون ظهير فعلي للقاعدة الأم وهي القاعدة الجوهرية في بنية التيار الصدري. أظن ان هذه الفرضية “فرضية انصار الإصلاح السياسي” ستكون تجربة مهمة وسباقة للعمل السياسي لان مصدرها سيكون على يد راعي الإصلاح وهذه الركيزة حصرية لغاية الأن بيد الصدر.
من المتوقع أيضا ان المرجعية الرشيدة ستعزز هذه الفرضية وتسندها لما لها من احتواء تحت رعاية المصلحين ولما فيها من خير يعم البلد للمستقبل وللانتخابات القادمة اذ سيحدث تغيير موضوعي وهادف في العملية السياسية التي نسعى لأجل التصحيح في مجمل مسارتها وخلق بيئة ملائمة للعيش المحترم في بلد مزدهر و متطور.