23 ديسمبر، 2024 1:54 م

انشطار الذات في ديوان (تأبط منفى) لعدنان الصائغ جَدَل الرؤية وآلياتُ التشكيل

انشطار الذات في ديوان (تأبط منفى) لعدنان الصائغ جَدَل الرؤية وآلياتُ التشكيل

 النـِّفـَّري
 الموقف الثامن والعشرون من كتاب المواقف – طبعة أرثر يوحنا أربري مكتبة المتنبي – القاهرة – بدون – ص 51.                                         
 
مقدمة
        شهد الشعرُ العربي المعاصر التفاتةً من الشعراء لذواتهم؛ استجابةً للجدل الناشئ داخلَ الذات من جهةٍ، وبين الذاتِ وعوالمها الخارجيةِ المتباينة من جهةٍ أخرى. فكأن الذاتَ الشعرية لم تعُدْ ذاتاً واحدة، بل انشطرت ذاتَين، أو توزعت ذواتاً كثيرة؛ نتيجةً للتغيرات الكثيرة المتلاحقةِ على مستوى العالَم، التي تنعكسُ في الوقت ذاتِه على بيئتي الشاعر: الخاصةِ والعامة.
     لقد أدى ذلك إلى نشوءِ جَدَلين شعريين على مستوى القصيدة العربية المعاصرة:
       – الجدل الذاتي، الذي تصطرع فيه الذات، ويتمخض عنه دفقةٌ من المشاعر المَوّارة مثل: القلق، والتمرد، والتشتت، والخوف، والانكسار، وغيرها.
      – الجدل الجمعي، الذي تتصارع فيه الذات مع بيئاتها المختلفة على مستوى: الجماعة،       والعالم. وهذا الجدل ينشأ معه: تصارع، ودونية، وإحباط، واكتئاب، وغيرها. ويمثل هذان النوعان من الجدل المحورَ الأول، وهو رؤيةُ الشاعر لذاته ولعالمه، وسوف يُجرى البحث حول الجدل الذاتي فقط؛ اتساقاً مع العنوان – في ديوان (تأبط منفى ) للشاعر العراقي عدنان الصائغ.
        أما المحورُ الآخر فيتمثل في آلياتِ التشكيل، وهي الإطار الشعري الذي يكتنز داخله جدلُ الرؤيةِ، حيث يعتمد الشاعر في إبراز هذا الجدل على طاقات اللغة التعبيرية المتمثلة في: ضمائرها، و أفعالها، وتراكيبها، وأساليبها. كما يعتمد على الإشعاعاتِ الإيحائية غيرِ المسبوقة للتراكيب اللغوية حسبَ سياقها. 
       والصائغُ صاحب تجربةٍ شعرية تفي بفكرة البحث؛ حيث خاض صراعاً مع السلطة أدى إلى هروبه من العراق عام 1993، ومصاحبتِه حياة َالمنفى في بلاد كثيرة حتى استقر به المقام في لندن*.
    ويتناول البحثُ آلياتِ التشكيلِ عَقبَ طرحِ الرؤية في موضعها؛ لكونِها لا تنفصل عن أسلوبها، ولعرضِ وجهةِ النظر الشعرية كاملةً – بمظهرِها  وجوهرها -؛ عملا على عدم تفتيتها، ومحاولةً لاستقصاءِ جوانبها، وإبرازاً لوحدةِ الرؤية – جدلاً و تشكيلاً – في موضعٍ واحد.
    و لمّا لم يكن الغوصُ في علم النفس، أو الفلسفة – مقصوداً لذاته، كذلك لا يجب إهمالُه؛ فقد عالج البحثُ المفاهيمَ النفسية والفلسفية في موضعِها؛ عملا على ربطِ النص الشعري بخلفيته المؤسِّسةِ له.
   والديوان – في معظمه – نصوصٌ قصيرة ذاتُ رؤية عميقة، إضافة إلى بعض النصوص الطويلة، والمطولة “أوراق من سيرة تابط منفى” التي جاء منها عنوان الديوان، وسوف يجرى البحث على النصوص القصيرة، لما فيها من تكثيف للرؤية، وتصوير للمعاناة؛ انطلاقا مما قاله الصائغ عن إبداعه “أنا الميال غالباً إلى قصر القصيدة، و تكثيفها إلى أقصى حد”**
    وقد أُجريت دراسةٌ أكاديمية حول شعر الصائغ بعنوان (شعر عدنان الصائغ، دراسة فنية. قدمها الشاعر العراقي عارف الساعدي لقسم اللغة العربية في كلية التربية بالجامعة المستنصرية في بغداد 2006م، ثم صدرت بعد ذلك كتابا تحت عنوان: (شعرية اليومي، دراسة فنية في شعر عدنان الصائغ) – منشورات تموز 2007م. إضافة إلى حوارات ومقالات صحفية تناولت حياته وإبداعه –  سيَردُ ذكرُها في ثـَبت المصادر والمراجع إن شاء الله. 
 و جاء البحثُ في ثلاثِ نقاطٍ بحثية هي:
  أولاً:  مصطلحات مؤسِّسة.
 ثانيا: العنوانُ بنية ُالذات.
ثالثا: جدلُ الذات، رؤية ًوتشكيلاً.
أخيراً: خاتمة.
   ثم ثبت المصادر و المراجع.
                                   والله الموفق إلى سواء السبيل..

أولاً: مصطلحات مؤسِّسة
1- الانشطار 
            جرى العرفُ اللغوي على أن الدالَّ (الانشطار) محددُ المدلول في الانقسام إلى شطرين (نصفين)، إلا أنه يزخر بحمولاتٍ دلالية تربو على ذلك، فلا يقتصر معناه على التناصف، بل يتعداه؛ حيث يقول ابنُ فارس في مقاييس اللغة: (الشين والطاء والراء أصلان يدل أحدُهما على نصف الشئ، و الآخر على البعد  والمواجهة)(1)
      إن الذاتَ في انشطارها ذاتين لا تعدَم أن يواجـِه بعضُها البعض الآخر. والمواجهة إن كانت تحمل قـُرباً مادياً ناتجاً عن التلاحم، فإنها تحمل بُعداً نفسياً، يتمثل في ابتعاد شطريها عن بعضهما؛ ما يؤدي إلى هوةٍ نفسية، يتمخضُ عنها قدرٌ من تنافرٍ، يؤدي إلى غربةِ الذات عن نفسها وعن المجتمعِ؛ فتؤْثِرَ الابتعادَ (الشَّطر يعني البُعْد)(2) كذلك فإن الذاتَ في مواجهتها الآخر، ربما تكون بعيدة ًعنه نفسيا  وفكرياً؛ ما يؤدي إلى حراكٍ جدلي صراعي بين الذات والآخر، حيث ينظرُ كلاهما إلى غيره، على أنه غريبٌ عنه؛ بحكم اختلافِ الذوات عن بعضها أكثرَ من اتفاقِها؛ فيصبحَ الآخرُ بالنسبة للذات (شَطِيراً)، أي غريباً – كما قال اللسان والقاموس والصحاح (الشطير: الغريب)(3).
    والذاتُ في تعاملها مع الآخر، تتلاحم مع أكثرَ من شطير، الأمرَ الذي يؤدي إلى إعادة النظر في مدلول الانشطار، من حيث كونِه لا يدل على النصف فقط، ولكنه يدل على البعض أيضاً؛ حيث قال القاموس (الشَّطر: نصفُ الشئ و جزؤه)(4)، ولعلنا إن تجاوزنا الأدبَ والنقدَ إلى مجالِ العلم التجريبي، وتحدثنا عن الانشطار الذري مثلاً، فكلنا نعرفُ أنه يحمل معنى التفتت الضئيل جداً الناجمِ عن شدة الانفجار، هكذا الذاتُ تعيشُ مرحلةً من الانفجار قبل الانشطار، وإذا انشطرت تفتت ذاتياً، وتوزّعت في علاقتها مع نفسها ومع الآخرين.

2- الجَــدَل
        يُعرفُ الجدلُ في معناه العام بأنه “عملية ُصراعٍ يتبادل طرفاها المتضادان التأثرَ والتأثيرَ، على نحوٍ يُغيِّر من كليهما على السواء، ويُفضي إلى مُرَكب ثالث يصبح – بدوره – طرفاً في عمليةِ صراعٍ جديدة مع طرف يقابلُه على المستوى الفكري والاجتماعي… الخ، ومن منظورٍ يغدو معه التناقضُ بمثابة المبدأ الرئيسي للجدل”(5)
                 الجدلُ إذن حوارٌ قائم بين طرفين: شطرى الذات، أو الذات وغيرها. وقد لا يهدُفُ إلى نتيجةٍ، بقدر ما يهدفُ إلى إثباتِ الذات، أو تسجيلِ موقفٍ؛ لأن التناقضَ أو الاختلاف هو عمادُ الجدل. وليس المركبُ الثالث الناشئ عن عملية الصراع إلا مركبٌ متجدد، و تجددُه هو الذي يمثل الثباتَ على الموقف، والتناقضَ القائم بين الطرفين.
    ومن شأنِ هذا الجدل أن يقيمَ حواراً يتسمُ بالاختلاف في  الرؤية، أكثرَ من الاتفاق بين المتجادِلِين. فالجدلُ يحمل في طياته معنى الصراع، (الجَدَل في اللغة تعني الصَّرْع)(6)، وكأن كلَّ طرفٍ من طرفي الجَدَل، أو أطرافه يريد أن يصرع غيرَه فكرياً؛ فتتولدَ ثنائيةٌ تناقضيةٌ من الغَلَبة والانهزام، يكون لها أثرُها على كلا الطرفين – إيجاباً وسلباً –.
        ولو كان ذلك على مستوى الذات، فإنها تعيش صراعاً داخلياً بين ما تريدُ، وما هو كائنٌ، الأمر الذي يؤدي بها إلى حالة من الجَدَل الداخلي، أو جَدَل الذات، فتعيش لحظتي الانهزام والانتصار في آن واحد، وبذلك لا يتحقق الوجودُ الكاملُ للذات؛ لأن أحد شطريها / المنهزم قد اختفى – مؤقتاً – من ساحة الجَدَل، وأصبحت بذلك ذاتاً ثلاثية الأجزاء – بعد تولد المركب الثالث : مصطرعة – منهزمة – منتصرة، بعضُها يجْلِدُ بعضَها، ولا يخفى علينا أن حروف جـَدَل هي ذاتها حروف جَـلـْد، ويأتي تتابُعُ الحركات في الجَدَل مصوِّراً حركية َالقول، وتجاذبَ الأطراف، بينما تأتي الحركة ُالمتبوعة بالسكون في الجَلـْد تصويراً لحركية شطر الذات أو جزئها المنتصر في الحركة، واستسلام شطرها أو جزئها المهزوم في السكون.   
   ولا يخلو الجَدَل من لَدَدٍ و شدة، يتمثلان في انحيازِ كل مجادلٍ لرأيه على حساب رأي غيره، وهو ما لا يؤدي إلى نتيجةٍ في الغالب؛ لأن كلَّ طرفٍ يدافع عن رأيه باستماتة (الجَدَل تعني الَّلدَد في الخصومة والقدرة عليها)(7)، وبذلك نصبح أمام خصومةٍ فكرية أو صراعٍ فكري متعددِ الأطراف، كلُّ طرفٍ يحتفظ برأيه كما هو، لا يَحيد عنه، ويُحكم حجته في ذلك دون أن يخالط رأيَه رأيُ الآخرين (الجَدْل والجِدْل تعني: شدة الفتل، وعدم الانكسار، وعدم اختلاط الشئ بغيره)(8).
       هذا الحراكُ الجدلي – إن صح التعبير – بين الذات وغيرها من شأنه أن يخلُقَ صراعا قد يدوم؛ لعدم تخلي كل طرف عن قناعاتِه، الأمرَ الذي يؤدي إلى صراعٍ بين الذات وغيرها فيما نصطلح عليه بالجدل الجمعي. 
     ولكلا الجدلين: الذاتي  والجمعي نواتجُ نفسية وفكرية تـُسيِّر حركةَ الإبداع، وإن كان البحثُ سيقتصرعلى ما تناوله الشاعر في جدل الرؤية مُعبِّراً عن الذات، وهي تعيش الاصطراع.  
3- الرؤية
     تتباين الرؤية ُعن الفكرة في أن الثانية أكثرُ تحديداً في مفهومها، و تمثلُ في معناها النقدي “تمثلاً أصبح آليا، ومفصولاً عن أصله الحقيقي، نحصل عليه، ونأخذه كمبدأ أول مؤسِّسٍ للواقع في حد ذاته”(9)، بينما تتميز الرؤيةُ بأنها ذاتُ نسقٍ متماسك. والمصطلحُ في أصله يعود إلى لوسيان جولدمان، عندما قدم  في كتابه (تأصيل النص) تعريفا للرؤية، حيث قال: “إن الرؤية َالكونية هي بالضبط تلك المجموعة ُمن التطلعات والأحاسيس والأفكار، التي تجمع أفرادَ فئةٍ ما (وغالباً ما تجمع طبقة اجتماعية)، وتجعلُهم يناوئون المجموعاتِ الأخرى”(10).
       إن الرؤيةَ ذاتُ صلة بالفِكرِ أكثرَ من كونها ذاتَ صلةٍ بالفكرة. فالرؤيةُ تُـبنى من مجموعة معطيات أو أفكارٍ قد تكون واقعيةً أو مجردة؛ من أجل الوصول إلى تصورٍ عام. الفكرةُ إذن أساسٌ للرؤية، أو أنها مجموعةُ أسسٍ منفصلة، تجدلُها الرؤيةُ في نسيجٍ واحد. وتبقى الفكرةُ مجردَ فكرةٍ لا قيمة َلها، إن لم تنتظمها رؤيةٌ قابلةٌ للتحقُّق، فالفكرة في معناها العام الذي يراه ديكارت “تمَثـُّلٌ ذو طابعٍ ذهني”(11)، وكل ما كان في الذهنِ يبقى حبيسَ رأس صاحبه إن لم يمتلك القدرةَ على الطرحِ، والتواصلِ مع الآخرين.
      تتميز الرؤية ُبشموليةِ النظر إلى محيطها، والقدرةِ على التعامل معه في إطار من العلاقات المتشابكة .كما أنها بشموليتها، واتساعِ رقعتها ينتجُ عنها حراكٌ فكري: داخل الذات، أو خارجها، وهي بذلك أنسبُ لطبيعة الجدل، حيث إن الجدلَ الذي يهدف إلى إثبات الذات – قد تتمخض عنه رؤية ٌتعبر عن تلك الذات، وتبلورُ مواقفـَها إزاء قضاياها الخاصة، وقضايا مجتمعها، فتصبح منظومةُ أحكامها ومعرفتِها منظومةً قـِيمية، لا ترجعُ إلى شيء بقدر ما ترجعُ إلى الذات المدرِكة.
   وكون الرؤيةِ مرتبطة ًبالجماعة، لا ينفي ارتباطَها بالفرد؛ حيث أشار جولدمان إلى أن “الشعورَ الجماعي لا وجود له إلّا داخل الشعور الفردي لكل إنسان”(12).
       تتشكل الرؤيةُ إذن بناءً على قناعات ذاتية – قد تخطئ، وقد تصيب -، مثل رؤية الذات للمفاهيم المجردة: الحق – الخير- الجمال – الصدق -… الخ. أو بناءً على موقف جمعي يـَمَسُّ الذاتَ بشكل أو بآخر مثل القضايا المجتمعية كالفساد – البطالة – الانتماء… الخ.
     وفي الرؤيةِ يمارسُ المرءُ حريتَه في التفكير، واتخاذِ المواقف، دون عوائقَ تمنعُه من ذلك في صورةٍ من صور تـَحَقـُّقِ ماهية الذات وكينونتِها، وتصبح الرؤيةُ في هذه الحالةِ مرادفاً للوجود. وهذا ما يفسر الاستماتةَ في الدفاع عنها، وحُـميا الجدلِ إزاء مناوئيها. 
    والتعبيرُ عن الرؤية يختلفُ باختلاف طبيعة الشخصية. وأظهرُ أشكال التعبير عن هذا الاختلاف هو الصراع: مادياً كان أم فكرياً. وفي الأدب يشيع الصراعُ الفكري، الذي يتسمُ بالجدلِ أكثرَ مما يتسم بالحوار والمناقشة، مما يطبع الأدبَ بصورةٍ من السخرية والغرور أحياناً كثيرة. ولنا فيما قرأناه، وعرفناه عن النقائض في العصر الأموي تجسيدٌ لهذه الصورة. هذه النقائضُ التي تعبرُ عن رؤيةٍ جمعية، تتجلى في رؤيةٍ ذاتية للفرد/ الشاعرالممثلِ للجماعة وينضوي تحت لوائها أكثرَ مما ينتسبُ إلى نفسه، والصراعُ فيها تجسيدٌ لفكرة المناوأة التي أشار إليها جولدمان. ولا تخفى علينا – في العصر الحديث – المعاركُ الأدبية الناشئة عن رؤيةٍ ذاتية محض، ومنها – على سبيل المثال – معاركُ طه حسين الأدبية في أكثرَ من مناسبة(13)، وكذلك معاركُ لويس عوض في أكثرَ من اتجاه(14).
    وتكاد الرؤيةُ – في خصوصيتها – تتماهى مع الذات، حيث إنه من الثابت في علم النفس أن رَدَّ فِعْلِ الذات تجاه المواقف لا يتحددُ وفقاً لطبيعة الموقف، ولكنه يتحددُ وفقا لمفهوم الذات عن الموقف(15)، وما هذا المفهومُ إلّا رؤيةُ الذاتِ الخاصة لما يتحقق وجودُها به، وتقفُ على الواقع من  خلاله، وتستطيع بواسطته أن تجابِهَ العالم مِن حولها(16).

ثانياً: العنوان بنية الذات
      يتجاوزُ عنوانُ الديوان كونَه تركيباً لغوياً، إلى كونِه بنية ًدالةً على الذات، تمثل إزاحة للاسم الحقيقي لصاحب الديوان، وتحلُّ محلَّه؛ ليصبحَ هذا اللقبُ علامة للشاعر، تستدعي إلى الذهن واحداً من الشعراء العرب القدماء الصعاليك من فئة المتمردين هو: ثابتُ بنُ جابرٍ الفهمي، الذي أزاح لقبُه (تأبط شرا) اسمَه؛ فصار الكثيرون لا يعرفون إلا اللقب.يقال “جاءني تأبط شراً تدعُه على لفظه لأنك لم تنقلْه من فعلٍ إلى اسم، و إنما سميتَ بالفعل مع الفاعل رجلاً فوجبَ أن تحكيَه ولا تغيرَه”(17). ولعل هذا الوجوبَ الذي أشار إليه ابنُ منظور دليلٌ على إزاحة اسم الرجل؛ فصارت بنيةُ الجملةِ اسماً بديلاً حلّ محلّ الاسم الأصلي.
    وبنيةُ عنوان الديوان (تأبط منفى) تشهدُ تماسّاً مع الصعلوك القديم في ظاهر التركيبِ من ناحية، وفي تكرار الفعل (تأبط) من ناحية أخرى. هذا الفعلُ الذي يدلُّ على المصاحبة والالتصاق، وليس بعيداً في تأسيس متنه اللغوي عن تأبط شرا “تأبط الشئ: وضعه تحت إبطِه وبه سُمّي ثابت بنُ جابر الفهمي لأنه، كما زعموا، كان لا يفارقُه السيف، و قيل: لأن أمَّه بَصُرَت به وقد تأبط جَفِيرَ سِهام، وأخذ قوماً فقالت: هذا تأبط شرا، وقيل: بل تأبط سكينا وأتى ناديَ قومِه فوجأ أحدَهم فسُمي به لذلك”(18).
  نحن إذا أمام شخصية تراثية ارتبط اسمُها البديلُ بالشر، واستدعاها عدنانُ الصائغ في بنية العنوان في حالةِ استبدالٍ ظاهري للتمييز، حيث استبدل (منفي) بـ (شرا)، وهذا الاستبدالُ عنده لا يعني المخالفةَ، ولكنه يعني المساواة َالدلالية بين الشر والمنفى: فأحدُ الشاعرَين صاحَبَ الشرَّ، والآخرُ صاحَبَ المنفى، وكلاهما التصق بما صاحَب.
      والتركيبُ عند الشاعرين يشهد غيابا لكليهما في صورةٍ من صور فـَقـْد  الهوية / الذات. يتجلى هذا الغيابُ في غياب الفاعل المكافئِ للذات متمثلا في الضمير المستتر/ هو، الأمر الذي يوحي بانقطاعِ الذات عن عالمها المحيط، و كأن كليهما قد غُـيِّب مرتين: الأولى على مستوى بنية الجملة، والأخرى على المستوى الاجتماعي عندما طُرد ثابت من قبيلته، وعندما أُجبر الصائغُ على الهرب من العراق.
         واللافت للنظر أن التمييز التراثي (شرا) إن غاب عن التركيب عند الصائغ فهو حاضرٌ في الذهن حالَ قراءةِ عنوان الديوان أو سماعه، طبقا للاستدعاء الصوتي والتركيبي، والمرجعية المعرفية. وهذه العلاقةُ أوجدت نوعا من التماثل بين الرجلين. فثابتُ صاحَبَ الشر، وخرج عن العرف، وأُخرِج من القبيلة. والصائغ تمرد على السلطة، وأُخرج من وطنه، وصاحَب المنفى. 
      وكأن عنوانَ الديوان يمثل إعادةَ تسميةٍ لعدنان الصائغ، أو إزاحةً لاسمه تماماً مثل ثابت بن جابر الفهمي الذي غاب وحضر بدلاً منه تأبط شرا، وكذلك يرى الصائغُ أن اسمه الحقيقي الذي يمثله قد غاب عنه يوم أُبعدَ عن العراق؛ فغابت الذات الحقيقية للصائغ، وحلت محلها ذاتٌ جديدة (تأبط منفى)، ذاتٌ مُطارَدة بائسة – مثل بؤس الصعلوك تأبط شرا -. يقول الصائغ وهو يقف على جسر مالمو في السويد:
على جسر مالمو
رأيتُ الفراتَ يمد يديه
ويأخذني
قلت أين
ولمْ أكملْ الحلم
حتى رأيتُ جيوشَ أمية
من كلِّ صوبٍ تطوقني (19)
    فلم يمنعه عنف السلطة من الحياة في العراق حلماً، بعد ما صودرت حياتُه فيه، ونـُفي منه واقعاً. ولم يحُل هذا العنفُ بينه وبين الارتحال في المكان، أو الزمان إلى وطنه ممثلاً في الفرات، الذي استحضره في الحلم وهو يقف على نهرمالمو في السويد، ويتأبط منفاه.
   ورحلتُه ممزوجةٌ بالحنين والشوق، الذي يماثل علاقة َطفل بأمه في قوله:
 أيةُ بلادٍ هذه
ومع ذلك
ما أن نرحلَ عنها بضعَ خطواتٍ
حتى ننكسرَ من الحنينِ
على أولِ رصيفِ منفى يصادفنا
ونـُهرَعُ إلى صناديقِ البريدِ
نحضنُها ونبكي (20)     
   وقد أصبح الصائغُ – باسمه الجديد – يحمل منفاه / وطنَه معه أينما ذهب، كما يحمل ثابت بن جابر الفهمي سِكّينَه. وكأن الصائغَ يحتوي منفاه، ويتجاوزه، ويسيطر عليه مهما تعدد، والدليل على ذلك قصيدةُ (أوراق من سيرة تأبط منفى) التي استقى منها الصائغُ عنوانَ الديوان، واصبحت بنيةُ العنوان بديلاً عن اسم الشاعر(عدنان الصائغ)، الذي أزاح اسمَه بإرادته، متعمداً أن يقدم لنا اسمَه الجديد، الذي يجسد حالَ الصائغ في رؤيةٍ ذاتية اختيارية، على عكس تأبط شرا، الذي فـُرض عليه اسمُه البديل؛ لأنه أُطلق عليه – طبقا لرواية اللسان – من قِبَلِ أمه.    
          لقد جاءت القصيدة في ستةَ عشرَ مقطعاً، كتبت في خمسَ عشرةَ مدينة مختلفة: عربية  وأوروبية. فهي أوراقٌ من سيرة عدنان الصائغ الذي حمل منفاه أو وطنه، كما حمل الشعرَ معه أينما ذهب. يقول الصائغ:
                   أنا شاعرٌ جوّاب
                  يدي في جيوبي
                             ووسادتي الأرصفة
                                  وطني القصيدة              
                                          ودموعي تفهرسُ التاريخ (21)
    ولا ننسى أن تعددَ المنافي أو الأوطان يعني تجددَ انشطارِ الذات التي لا تلبثُ أن تستقر في مكان حتى تغادرَه، ما يعني توزُّعَها مع كل مغادرة بين ما ترحلُ عنه، وما تذهبُ إليه. وكأن الذاتَ كتب عليها، – و هي تتأبطُ شِعرا (الشعر أصبح معادلاً للمنفى والوطن / وطني القصيدة) – أن تعيش في رحلةٍ دائمة، وانشطارٍ متجدد بين الدخول والخروج. يقول الصائغ تعبيراً عن استعداده الدائم للرحيل:
                           كتبي تحت رأسي
                          ويدي على مقبض الحقيبة (22)
  
ثالثاً: جدلُ الذات
رؤيةً وتشكيلاً
       يعيش الصائغ – في جدله – أزمةً مع ذاته، محاولاً أن يجد إجابةً لسؤال الهوية الذاتية، هذا السؤالُ الذي يصاحبُ المبدعين والمثقفين؛ لكونهم يَحْيَوْن في قلق دائم، – يرتبط بسيكولوجيةِ الإبداع و معايشةِ الحاضر واستشرافِ المستقبل، ويصبح هذا القلقُ رديفاً للمبدع والمثقف وهو يعاني لحظة َالانشطار والتفتت. يتضح الجدلُ عند الصائغ في عدة رؤى أخذت أبعاداً، وصوراً نفسية منها:
1- الاغتراب
      لا يستطيع الصائغ في هذه الصورة النفسيةِ أن يجمع شتاتـَه، في شكلٍ من أشكال الفقدِ  أصابه بالاغتراب عن ذاته. ومصطلح الاغتراب – في أصله اللاتيني – يعني الذي لا يمتلك ذاتـَه، كما أن المعانيَ المختلفة للمصطلح يجمعها قاسمٌ مشتركٌ هو فكرة الانفصال التي يصاحبُها شعورٌ بعدم الراحة.
      وعند ديكارت يغترب الأنا عن ذاته، من خلال الكوجيتو الديكارتي، كما يغترب الأنا عن ماضيه عندما يشكُ في الذاكرة، ولا يطمئن إلى ما تحويه من تجاربَ ومعارفَ(23)
  يقول الصائغ في نص قصير بعنوان “نَص”:
     نسيتُ نفسي على طاولة مكتبي
    ومضيتُ
    وحين فتحتُ خطوتي في الطريقِ
    اكتشفتُ أنني لا شئَ غيرَ ظلٍ لنـَص
    أراهُ يمشي أمامي بمشقةٍ
   و يصافحُ الناسَ كأنه أنا (24)
 إن رؤيةَ الصائغ ذاتـَه في هذا الـ (نص) تسيطر عليها فلسفة الفقد،عندما يكتشف أنه (لا شئ) .  وإن حاول أن يخدعَنا بالاستثناء المتمثل في (غير ظل لنص) – فإن خداعَه يتلاشى تماماً، كما يتلاشى الظلُ مع غياب الضوء، فهو في النور مجردُ إمعة، وفي الظلام لا وجودَ له؛ حيث لا ظلَ في الظلام. و قد يكون ظلُّ النص مسودتـَه، أو النصَ غيرَ الكامل الذي لا يرضى عنه المبدعُ، ويصبح الظلُ في تلك الحالة نوبة ًمن الشعور بالنقص، وعدم الرضا عن الذات.
       يعيش الصائغُ في هذا الـ (نص) أزمة َانشطارٍ مركب، تتمثل مرحلتُها الأولى في الأسطر 1: 4، عندما ينشطر ذاتيا إلى ذاتٍ و ظل. والمرحلةُ الأخرى في السطرين الأخيرين عندما ينشطر الظلُ ذاتياً إلى ذاتين: ذاتٍ مصافحة، وأخرى مراقِبة. ويصبح هذا الانشطارُ الثلاثي على مستوى النص – مجسِّداً أزمةَ انقسام الذات على نفسها في الواقع؛ نتيجة اغترابها، الذي يعود في أحد أسبابه إلى قضيةِ الحرية، وما يتعلقُ بها من مداخلاتِ السلطة السياسية               والاجتماعية( 25)، فالحرية – كما يقول الصائغ – “هي الشرطُ الأول والأساسي في كل عملية إبداعية”(26).
     وعلى مستوى التشكيل يعمِّق الصائغُ هذه الرؤيةَ المسيطرة َمن خلال ضمير المتكلم/ الذات المسيطر، الذي ينشطر إلى ثلاثِ صور:
– الأولى تتمثل في الضمير الفاعل المتصل بالأفعال الماضية: نسيت، مضيت، فتحت، اكتشفت.
– الثانية تتمثل في ياء المتكلم: نفسي، مكتبي، خطوتي، أنني، أمامي.
– الأخيرة تتمثل في ضمير الرفع المنفصل: أنا.
ترتبط الضمائرُ في الصورة الأولى، والضميرُ الأول في الصورة الثانية بالفعل نسيت الذي يشكل مفتاحَ رؤيةِ الانشطار، و يجسد العالـَم الخاص والذاتَ الحقيقية للشاعر في غرفة مكتبه. وتأتي الضمائرُ الأخرى في الصورةِ الثانية مجسدةً الذاتَ / الظلَ، التي تحاول أن تستعيد نفسَها في الضمير في الصورةِ الأخيرة (كأنه أنا)
  ويشهد النصُ – على استحياءٍ – حضورَ ضمير الغائب في: أراه، يمشي، يصافح، كأنه.
    يلفتنا توزيعُ الضمائر على مستوى النص؛ حيث نشهدُ حضوراً مكثفاً لضمير المتكلم بصوَرِه الثلاث (عشر مرات)، أمام حضورٍ خَجِل لضمير الغائب (أربع مرات): ظاهراً مرتين، ومرتين مستتراً في الفعلين.
وهذا التوزيعُ يعكس الانشطارَ المركبَ للذاتِ المنقسمةِ عموماً لذاتين:
      متكلم، وغائب:
     المتكلم ينقسم إلى ثلاث صور
    الغائب ينقسم إلى صورتين.
     فكأن الذاتَ قد انشطرت من تلقاء نفسها، أو تفتت إلى ذواتٍ سبعٍ، وهذا التفتتُ يعكس انفجارَها الناجمَ عن ضعفها في مواجهة العالَم الذي لا تقوى عليه، وتتلاشى أمامه، بينما تتحقق ماهيتُها هناك في (غرفة المكتب)، في عزلتِها عن العالم، وانكفائها بين الكتبِ والأوراق وخيالات الشعراء. أي أنها تملك شتاتها، وتصنع عالَمها بذاتها، وهو عالَمٌ خيالي هارب من الواقع، أشبهُ بعالم الصعاليك الذي هرب إليه تأبط شرا، فكأن الذات قد ارتضت لنفسها منفى اختيارياً تتحقق فيه بعيداً عن الواقع الذي تتلاشى معه.
  الصائغ إذا يحيا بذاتين:
– ذاتٍ منعزلة متحققة قوية في عالم الشعر، الذي يقول عنه: “صار الشعر خوذتي في  الحرب، …، وواحتي في الهجير، ومنفاى في الوطن، ووطني في المنفى… أمارس كتابة الشعر كما أمارس التنفس، طبيعيا لا تكلفة ولا تعقيداً ولا افتعالاً. لذلك تراني في الشعر كما أنا في الحياة…”(27)                                      
 – أخرى مندمجة متلاشية ضعيفة في مواجهة العالَم. فهو يعيش صراعاً مع ذاته في مواجهة الآخرين. والصراعُ – كما يرى هورني – دفينٌ في النفس الانسانية، وعاملٌ من عوامل القلق، التي يتكيف معها البشر بطرق ثلاث “عن طريق الاتجاه نحو الناس (بالشكوى إليهم أو الحب)، العمل ضد الناس عن طريق العدوان، أو القوة والبعد عن الناس (سواء بالانفصال أو الاستقلال) “(28)، ويبدو أن الصائغ قد ارتضى الطريقة الأخيرة. 
        ويربط الصائغُ بين الاغتراب والتاريخ في  نص بعنوان “درس في التاريخ (1)”، فيقول:
   أطرقَ مدرسُ التاريخِ العجوزُ ماسحاً غبارَ المعاركِ والطباشيرِ عن نظارتيه
  ثم ابتسمَ لتلاميذِه الصغارِ بمرارة:
  ما أجحدَ قلبَ التاريخ!
  أَكـُلّ هذا العمرِ الجميلِ الذي سفحتُه على أوراقِه المُصفَرَّة
  وسوف لا يذكرُني بسطرٍ واحد (29)
       تنشطر ذات الشاعر في هذا النص بين أزمنة ثلاثة: الماضي، الحاضر، المستقبل. وبقدر توزُّعِها بين الأزمنة الثلاثة، تختلطُ مشاعرُها وتتصارع بين السعادة والحزن، وهذا التصارع ُوالتضارب علامةٌ على  ضياع هوية الذات، ورفضِها الحاضرَ، واغترابـِها فيه، وهروبـِها منه في حركةٍ عكسية للزمن تجاهَ الماضي؛ حيث تتحقق ذاتُ التاريخ.
     تتجلى عبثية ُالذات وضياعُها في السطرين الأخيرين من النص في المقارنةِ بين التذكرِ والنسيان، بمقابلةٍ كميةٍ بين العمرِ- بطوله وامتداده -، وسطرِ تاريخٍ واحدٍ بفرديته وضآلته. وهذا يعني أن الذاتَ لا ترى قيمةً لما أنجزت؛ الأمر الذي يُحيلها نفساً ممزقةً، وذاتاً متهالكة لم يعُد في عمرها الكثيرُ مثل ورق الكتاب الأصفر، الذي يتداعى سريعاً إن لم نعاملْه برفق.
     لقد شكل الصائغ هذا الانشطارَ ومعاناتَه من خلال توظيفِ الفعل، وأدواتٍ أخري. أما الفعل فقد جاء على صيغتين:
– الماضي في ثلاثة أفعال: أطرق، ابتسم، سفح.
   جاء الفعلان الأولان مرتبطين بضمير الغائب (هو)، بينما جاء الفعلُ الأخير مرتبطاً بضمير الفاعل (التاء)/ المتكلم/ الحاضر.
– المضارع في الفعل: يذكر مرتبطاً بضميرين: هو/ الغائب/ الفاعل/ التاريخ، وياء المتكلم/ الحاضر/ المفعول به/ الذات. وتفصل بينهما نون الوقاية.
إن توزيعَ الضمائر مع الفعل الماضي يجسد الانشطارَ، ويصوِّرُ غيابا مضاعفاً للذات عن نفسها؛ إذ تحضرُ في موقف، وتغيب في اثنين. وهي تعاني في غيابها؛ إذ جاء الفعل الماضي الأول متعلقاً – في السياق الدلالي للجملة –  بصيغة الحال (ماسحا)، وما يتبعها من دوالٍّ توحي بمعاناة الذات، وسَجنها داخل دائرتين: غبارِ المعارك المستدعاةِ من الماضي، وغبارِ الطباشير الحاضر، وكلاهما ينسجُ غشاوة على عيني الذات، التي بدت منشطرةً بين الماضي بمعاركه، والحاضر بطباشيره. وتُعمِّق صيغة ُالمثنى (نظارتيه) – إضافةً إلى النون الفاصلة بين الضميرين – هذا الانشطار.
    ويأتي الفعل الثاني/ ابتسم متعلقاً بالجار والمجرور (بمرارة) الذي يُقيِّد الدلالة، و ينقلها – في صورة عكسية لا تخلو من الصراع – من حقل السعادة إلى حقل الحزن؛ فأنشأ جدلاً نفسياً سيطر على الذات، أدى بها إلى حالة من الاغتراب.
   أما الفعلُ الماضي الأخير المرتبط بحضور الذات – يقدم خلاصة َالرؤية ونهايةَ الموقف الاغترابي – بصورةٍ مؤقتة -،عندما تتخيل الذاتُ أنها وضعت حداً للجدل، وأقرّت بعدم جدوى دورها في الحياة، وهي تئنُ تحت وطأة التجاهل وعدم التقدير من البشر قَبل التاريخ، فنسيانُ التاريخ نابعٌ بالضرورة من نسيان البشر.
   إن الرؤيةَ السابقة – استمراراً لحالة الجدل – ليست رؤية قاطعة؛ فالصائغ قد جاء بالفعل المضارع/ يذكر مسبوقاً بـ (لا) وليست (لن)، حيث تفيد الأولى النفي في الحاضر، كما أن النفي هو السمة المسيطرة على (لا) معنوياً؛ حيث “سيطر النفي على معانيها العاملةِ جميعاً…”(30)، والأخرى تفيد النفي في المستقبل كما قال النحويون(31)، فكأنه يسلط الضوءَ على أحد جانبي المضارع/ الحاضر، ويدَعُ الجانب الآخر/المستقبل لضميرِ التاريخِ والذواتِ الأخرى وتقديرِها. كما يعني هذا أن الذاتَ – في انشطارها بين الماضي والحاضر- تملك بصيصاً من الأمل في انصلاح ذوات البشر مستقبلاً. ويتماهى مع انشطارِ الذات انشطارُ الفعل المضارع بين النفي والإثبات. 
   ويمارس الصائغُ الخداعَ في السطر الأخير عندما يقول (وسوف لا يذكرني)؛ حيث إن الصياغةَ تستلزم توظيفَ لن بدلاً من لا؛ و ذلك لارتباط سوف بالمستقبل. ولكن هذه الصياغة تعني حالة من الانشطار بين الحاضر والمستقبل، وإن عددناها اضطراباً تركيبياً فهي علامةٌ على اغترابٍ نفسي، فالصائغ لا يُهمل المستقبل تماماً، ولكنه يفكر فيه ولا يفقد الأملَ، حتى وإن ارتضى أن يُزيحَه (المستقبل) – مرحلياً – من تفكيره عندما ضرب عنه باستخدام لا بدلاً من لن.    
    إن هذه الإزاحة إلحاحٌ ورغبةٌ في تسليط الضوء على الحاضر مرة أخرى؛ بهدف إبراز المرارة المسيطرة على الذات: بلفظها في السطر الثاني من النص، وإيحائها المسيطر على ختامِه. فبعد الاعتراف المرير المتحسر في أسلوب التعجب / ما أجحد قلب التاريخ – بما فيه من مناجاةٍ موجعة للذات – يأتي ختامُ الموقفِ الجدلى في نهاية النص حاسماً صراعَ الذات في انشطارها؛ ليؤكد على هذا الجحود بالنسيان، وكأن الذات أصبحت تحيا خارج السياق / الحاضر/ التاريخ، فأصبحت تناجي نفسها؛ لافتقادها من يحدثـُها وتحدثه. 
     إن الجمعَ بين ضميري الغائب المستتر/ هو، والمتكلم الظاهر/ الياء استمرارٌ لحالة الجدل التي تعيشها الذات، فضميرُ الغائب المستتر/ هو، يمتلك قوة الحضور في النص على حساب ضمير المتكلم الحاضر/ الذات، التي تتحسر على ما فات، وتستعطف فيما هو آت، وبينهما تعيش حالة من الانشطار والاغتراب في الحاضر.
    ينتقل الصائغ في “درس في التاريخ (2)” من شخصية المدرس إلى شخصية المراقبِ    للحدث، عندما يقول:
   جالساً بين دفـّتـَي دمعتِي
  أفكرُ بالمصائرِ المجهولةِ
  لملايين العيون المتحجرة
  التي نسيها المؤرخون 
  بين الفوارزِ والنقاط
 على هوامشِ الفتوحات (32)
   لا تزال الذاتُ منشطرةً عند الصائغ في إطار اغترابها عن نفسها، ولكنها تأخذ مَنحى جديداً، عندما تجمع بين العزلةِ والمواساة، وهي تستدعي ملايينَ الذين سبقوها في رؤيةٍ تحملُ ملمحاً من العتابِ على التاريخ، كما تحمل امتدادا للحسرة، التي انتقلت من الخاص إلى العام، في صورةٍ من صور المشاركة الوجدانية بين مَن تجمعهم ظروفٌ متشابهةٌ من الإهمال والنسيان.
   كما تعكس الرؤية ُاستغراقاً أو غرقاً في الماضي وانفصالاً عن الحاضر؛ مما يجعل الذاتَ في جدلٍ مستمر، يمزقها بين الزمنين، وبين الخاص  والعام، وهي تحاول أن تستكشف صورتـَها بين المُهمَلين؛ فتقعَ في صراعٍ يتوزعها في الزمن بين الحاضر والماضي. والرؤية – من بدايتها – مُغلفة ٌبمِسحةِ حزنٍ تعادل مسحة َالاغتراب المسيطرة على النص و الذات.
   لقد أسهمت اللغةُ والأسلوب في تشكيل حالِ الذات، على نحو يعمقُ الإحساسَ بالانشطار، ويجعلُ الرؤيةَ ماثلةً أمامنا:
   – فعلى مستوى اللغة وظف الصائغ الطاقة َالإيحائية في الدوالّ: ملايين، المجهولة ، المتحجرة، هوامش.
      جاءت (ملايين) بما فيها من تنكير لتؤكد عمومَ التجربة، ومساواةَ التاريخ بين البشر في الإهمال و النسيان، كما أن إيحاءَ الكثرة فيها يُعد مبرراً للذات حتى تواسيَ نفسها؛ لأنها ليست الوحيدةَ التي أهملها التاريخ.
        ويرتبط الدالُّ الأخير (هوامش) بالدالِّ الأول؛ حيث يقدم توصيفا لحال المُهمَلين والمنسيين – والذات منهم – الذين يُذكرون على هامش الأحداث، أو لا يُذكرون، مثلهم مثل الطبقاتِ المهمشةِ في المجتمع، فتنسحب معظمُ شخصيات التاريخ –  طواعية أو إجباراً – لحساب شخصيةٍ أو شخصياتٍ معدودة تبقى في البؤرة، في حين يتعمق إهمالُ الشخصيات الأخرى ونسيانُها لدرجة التجاهل أو التجهيل؛ الأمر الذي يؤدي إلى انسحابهم من ذاكرة البشر والتاريخ، وهو ما يبدو في استخدام الصائغ للصفة (المجهولة)، التي عمّقت صورة حال هؤلاء المفقودين أو المفتقدين.
      وأخيرا يأتي الدال (المتحجرة)، بما فيه من ازدواجية دلالية في سياق النص؛ ليعكسَ حيرة الذات، التي تتوزع بين الماضي والحاضر في آنٍ واحد، تعيش الماضي عندما تستحضر هؤلاءِ المظلومين المجهولين الأموات، الذين تحجرت مآقيهم. كما تعيش الحاضرَ، وهي تستحضر صورتَهم أمامها أحياء، وقد دمعت عيونهم لدرجة الجفاف حتى تحجرت، فكأن الذات انشطرت في هذا الموقف بين حاضرين: حاضر هؤلاء المجهولين الذي يمثل الماضي بالنسبة للذات، وحاضر الذات وهي تبكي حالَها، و كلاهما متشابهان.
    سيطرت بنيةُ الأسلوب الخبري على النص؛ تماهياً مع رغبةِ الذات في البوح  والفضفضة،     و تعميقاً لرؤية الحال. و هي بنية ٌ جدلية؛ لأن الأسلوبَ يحتمل الصدق والكذب، وكأن الصائغ أراد أن يضعَ التجربة أمام المتلقي، و يتركَ له الحرية في تلقيها؛ ليضعَه في محكِ الانشطار بين الرفض والقبول، ويصيرَ قسيماً للمبدع في جدلِ التجربة. واعتمد الصائغ في ذلك على ثلاثةِ أساليبَ تجسد الرؤيةَ وتنقل الصورةَ هي:
   جالساً بين دفتي دمعتي – أفكر – نسيها المؤرخون.
        لقد سَبَكَ الصائغُ الأسلوبَ الأول بشعرية واضحة، تعتمد – نحوياً – على :
– الحذف الذي تتجسد فاعليتُه “في خلق توقعاتٍ غيرِ منتظرَةٍ للقارئ”(33). كما أنه ” ينشط الإيحاءَ ويقويه من ناحية، وينشط خيال المتلقي من ناحية أخرى”(34)
–  التقديم والتأخير بكونه تقنيةً لغوية مرتبطة بالشعر، تنقل الكلام من النثرية إلى    الشعرية، بما فيها من مفارقة بنيوية(35)
          لقد كانت (جالساً) في الأصل خبراً لمبتدأ محذوف في جملة تقديرُها: (أنا جالس). وفي انحرافٍ نحوي ملحوظ أو انزياح سياقي( 36) تقدّم الخبر، ثم حُذِف المبتدأ، فصار الخبر حالاً.
   إن هذه البنيةَ الشعرية تعني التركيزَ على الحال وإبرازَها على حساب الذات المتوارية مع الحذف، وإن كان حضورُها متضمـَّناً في صيغة اسم الفاعل. ويكتمل إيحاءُ البنية بالإجابة عن سؤال المكان المكمل لوصف الحال. والمكانُ في ظاهر البنية لا يمكن تصورُه؛ إذ كيف يجلس المرءُ بين عينيه؟! وعندما نتجاوز ظاهرَ البنية إلى إيحائها نجد الدال (دفتي) يستدعي:
       – التاريخ بوصفه كتاباً له دِفّتان؛ الأمر الذي يجسد استغراق الذات في الماضي آناء البكاء، وكأنها دخلت فى التاريخِ؛ لتعيشَ تجربةَ هؤلاء المجهولين.    
      – البحر؛ لاتفاق ملوحة ِالدموع مع ملوحةِ ماء البحر، إضافة إلي أن حضور (دفتي) يستدعي (ضفتي) الغائبة،  وهو ما يصور غرق الذات، التي تَؤُول إلى النسيان والزوال مثل سابقيها المجهولين. 
        تستمر حالةُ الفقد في الأسلوب الثاني (أفكر)، الذي يمثل حالاً ثانية للذات، اختفى صاحبُها مثل الحال الأولى، وهو الضمير المستتر أنا المكافئ للذات.
     يمثل هذا الأسلوبُ استكمالاً لإيحاء الحال في الأسلوب الأول، وبذلك تكتمل صورةُ الجدل في الأسلوبين:
– حيث يتمثل الحاضرُ في صيغتي اسم الفاعل (جالساً)، والفعل المضارع (أفكر).
– ويتجلى إيحاءُ الماضي طبقاً للسياق، وغرقِ الذات في كتاب التاريخ.
    ونلاحظ تداخلَ الزمنين في بنية الأسلوبين لدرجة الجدلِ المتمثل في فقد الشاعر الإحساسَ بالزمن، الذي يتماهى مع فقد الإحساس بهوية الذات.
     يأتي الأسلوبُ الثالث (نسيها المؤرخون)؛ ليستحضرَ طرفَي الحدث: أصحابَ العيون المتحجرة المنسيين في التاريخ والغائبين في بناء الجملة من خلال ضميرالغائب (ها)، وظالميهم من كَـتَبِة التاريخ؛ ليضعَ الصائغُ الذاتَ أمام طرفي المعادلة، ويتركَها لاصطراعها في اختيار موقفٍ تجاه أحدهما، وكأنه وضعها في حيرة الاختيار مُنشِئا جدلاً جديداً يضاعِف من معاناة الذات.
     إن هذه الأساليبَ الثلاثة رسّختْ ما يمكن أن نسميه (رؤية الحال والمآل). كما شهدتْ – تركيبيا – اختفاءَ الذات المتمثلةِ في ضمير المتكلم، ولكنها حاضرةٌ تقنياً في صورة راوي الأحداث من الخارج وضمنياً في صيغة اسم الفاعل؛ ليضعَنا الصائغُ أمام انشطارٍ جديد للذات بين الحضور والغياب، وكأنها تحيا في انشطارٍ متجدد، ولعل هذا يتفق مع الخوفِ المصاحب للإنسان في المنفى.
2- الخوف
يُعرِّفُ علمُ النفس الخوف بأنه “تهديدٌ لهامش وجود الفرد”(37). ويتفق ذلك مع كَونه سلوكاً انفعالياً لغريزة الهرب(38)، التي يلجأ إليها الانسانُ، عندما يستشعر خطراً مادياً أو معنوياً، فيتحول الخوفُ عنده آنذاك من قوة كامنة إلى سلوك ظاهر يتسق وقناعاتِه ومفاهيمَه، التي يتحول إلى الدفاع عنها؛ حيث إن الخوفَ في أحد تعريفاته “قوةٌ خفية راقدة في شعورِ ولاشعور الانسان… تُشَكل عنده من خلال ردات الفعل والفعل المنعكس مفاهيمَ وإدراكاتٍ… وهذه المفاهيمُ لا تموت”(39) وعدمُ موتها يعني ثباتَ الانسان عليها  واستعداده للتضحية أو التحايلِ من أجلها، مثل محاولة الصائغ في إخفاءِ قصائدِه التي تساوي وجودَه. يقول في نص بعنوان “هواجس”:
أقلُّ قرعةِ بابٍ
أُخفي قصائدي – مرتبكاً – في الأدراج
لكن كثيراً ما يكون القرعُ
صدى لدورياتِ الشرطةِ التي تدورُ في شوارعِ رأسي
ورُغم هذا فأنا أعرِفُ بالتأكيد
أنهم سيقرعون البابَ ذاتَ يومٍ
وستمتدُ أصابعُهم المدربةُ كالكلابِ البوليسيةِ إلى جواريرِ قلبي
لينتزعوا أوراقي
و…..
حياتي
ثم يرحلون بهدوء (40)
      يقدم الصائغ في هذا النص رؤيةَ الخوف – إن صح التعبير – في إطارٍ يجمع بين الحقيقة    والخيال، ويمثل رحلةَ الذات عبرَ فضاء المكان، وانشطارَها بين المكان الذي كـُتِب فيه النص/ بيروت – ، والمكان المتخيَّل/ بغداد – حيث منزلُ الصائغ. وطغيانُ المكان المتخيَّل في النص يعني تمكنَ الخوف من الذات التي استحضرت المشهدَ بكل تفاصيله. كما يعكس علاقة َالمبدع المتوترة بالسلطة، إذ يرى كلا الطرفين بقاءه في زوال الآخرإن لم يستأنسْه، ويسيطرْ عليه. ولأن السلطة تملك القوة فهي تحاول – على حد تعبير الصائغ -“بكل وسائلها المعروفة وغير المعروفة، وبسياسة الترغيب والترهيب استمالة الأدباء والمثقفين المبدعين إلى ركابها وزجِّهم في خطابها”(41)
   وهذا الإجبارُ يؤدي إلى قلق الخوف، الذي عرّفه رولو ماي بأنه “حالةٌ داخلية لصيرورةِ وعي بأن وجودي قد يضيع، وأنني أفقد نفسي وعالمي، وأصبح لا شئ…”(42)  هذا القلقُ  يسيطر على الذات، مُوجِّها مشاعرَها وأفعالَها، فتصيرَ إلى انشطارٍ ملحوظ بين الرغبةِ في الأمان، والرهبةِ من الخوف وتـُنتج خطاباً مُغلـَّفاً بالقلق والارتعاش. واللافتُ في النص أن الذاتَ الآمنة تتوارى لحساب الذاتِ الخائفة؛ نتيجةَ التوتر الدائم، والخوف المتمكن.
  لقد استخدم الصائغُ التشكيل البصري للنص لنقل تلك الرؤية متمثلاً في:
– التفاوت الموجي الذي يعني “تفاوتَ أطوال الأسطر الشعرية تبعاً لتفاوت الموجةِ الشعورية المتدفقة عَبر كل سطر”(43) حيث جاءت مساحةُ السطر الشعري متوازنة ًمع إيحائه وموجته الشعورية في صورة يمكن تسميتُها بـ: سيمترية البناء والإيحاء. فمثلاً جاء السطران الأولان هكذا:
      أقل قرعة باب 
     أخفي قصائدي – مرتبكاً – في الأدراج
      حيث يتكون السطرُ الأول من ثلاث كلماتٍ متعلقةٍ ببعضها من خلال علاقةِ الإضافة، فتبدو كلمة ًواحدة، أو دفعةً واحدة من ثلاثِ ضرباتٍ على الباب. وتلاحمُ الكلمات الثلاث أشبهُ بتتابع الضربات التي تتماهى مع ضرباتِ القلب في تسارعها؛ نتيجةَ خوف الذات وفزعِها من المصير المنتظر، فيما لو ضُبطت قصائدُها.
     ويأتي السطرُ الثاني أطولَ من سابقه؛ اتساقاً مع طول الزمن المسيطر على الذات لحظةَ شعورها بالخوف، وانتظارِها المجهولَ؛ فيستحيلَ زمنُها زمناً نفسياً يمتد و يستطيل، وله وطأة مضاعفة تتفق والشعور المسيطر. وطول السطر يعكس انشطارَ الذات النابعَ من سعيها الحثيثِ نحو الأمان قَبل دخول رجال السلطة، ومن إحساسِها بالخوف المسيطرِ عليها. و يتمثلُ هذا الانشطار في ضميرى المتكلم أنا/ المستتر/ الغائب، وياء المتكلم/ الظاهر/ الحاضر، فاستحال الأمنُ مرادفاً للغياب، والخوفُ مرادفاً للحضور. كما يأتي الاعتراضُ في السطر مُبيِّنا حالةَ الاختلاط والارتعاش المسيطرة على الذات لحظة الخوف.
   كذلك جاء السطران الرابعُ والسابع سطرين طويلين اتساقاً مع حالة الخوف الدائمة المسيطرةِ على الذات في الرابع، وتصويراً للحظاتِ الرعب والفزع الطويلةِ التي تعيشها الذات لحظة التفتيش في السابع، فأصبح الصائغُ يعيش الخوف: حقيقةً وخيالاً في آن واحد؛ نتيجة صراعِه مع السلطة؛ فتمكنت منه فوبيا الخوف التي “ترتبط بذكريات مكبوتة في العقل الباطن، وبأشياء ومواقفَ وأفكارٍ لم يتكيف أو يتاقلم معها”(44)؛ فنشأت لديه فوبيا تسلطية اصطدمت مع رؤيته، فصار يخاف منها على مواقفه وأفكاره(45)
– الحذف متمثلاً في المدّ النّقطِي الذي يعني”مدّ أربعِ نِقاط أفقيةٍ فأكثر في النص الشعري بحيثُ تشغلُ مساحةً معينة بين مفردتين معينتين، أو سطراً كاملاً، أو مجموعة أسطر وفق ما تقتضيه رؤيةُ الشاعر”(46). وقد جاء ذلك في:
   لينتزعوا أوراقي
  و…..
  حياتي
  ثم يرحلون بهدوء.
       لقد جاء السطرُ الثاني في المقتطع حرفَ عطفٍ وخمسَ نقاطٍ. والمسكوتُ عنه في النقاط معطوفٌ على السطر السابق، ويشكلُ مرحلة ًوسطى بين انتزاعِ الأوراق وانتزاعِ الحياة. ولنا أن نتخيلَ الرعبَ والفزع المسيطرين على الذات من تخيـُّل التعذيب، الذي قد يتمثل في انتزاعِ أعضاءِ الجسم، أو اغتيال الرجولة، أو امتهان الانسانية أو غيرها. لقد أشرك الصائغ – من جديد – المتلقيَ خوفَه وتوترَه وانشطارَه؛ أملاً في فضحِ أولئك الأفظاظ، واحتفظ بقدر من كرامته تمثـَّل في نقاط الحذفِ المجسِّدة للخوف.
      ولا يغيب عنا انشطارُ النص بين ضميرى المتكلم و الغائب؛ تصويراً للصراع بين الذات والآخر. ولو كان هذا الآخرُ غيرَ موجودٍ إلا في خيال الذات، فهذا يعني أنها تعيش صراعين في وقتٍ واحد: صراعَها مع الآخر، وصراعَها مع نفسها لمحاولة التغلب على الخوف المسيطر، وفي هذا تجدّدٌ لانشطارها.
   كما لا يغيب عنا أيضاً بنيةُ التكرار المتمثلةُ في تكرار القرع ثلاثَ مرات (قرعة – القرع – سيقرعون)، بصيَغٍ مختلفة (اسم مرةً – مصدر – فعل مضارع يفيد الحال والاستقبال) ما يعني أن الذاتَ تعيش خوفَ الحاضر، و تنتظر خوفَ المستقبل، كما يعني أنها تعرضت لشتى سبُلِ التخويف والترهيب.     
     يتجاوز الصائغُ مرحلة َالترهيب، فينتقل – مُعمِّقاً إحساسَ الخوف – من التخيل إلى تمكُّن التخيل، أو الوهمِ المنقلب إلى حقيقةٍ عندما تستحيل الهواجس إحساساً مصاحبا للذات، يؤدي بها إلى انشطارٍ مرضي عندما يقول في نص بعنوان”شيزوفرينيا”:
    في وطني
   يجمعُني الخوفُ ويقسمُني :
   رجلا يَكتبُ
  والآخرَ خلفَ ستائرِ نافذتي
                               يرقـُبني (47)
     يمثل هذا النصُ رؤيةً مصاحبةً للذات، تـُجَسِّدُ عند الصائغ – مفهوماً مغايراً للوطن، يختلف عن المفهوم السابق المتمثل في أن الصائغَ يحمل معه وطنَه في تجواله ومنافيه؛ إذ نراه يقدم صورةً معكوسة للوطن تكسوها غلالةٌ من الاغتراب والخوف، فيعيش الصائغ المنفى في الوطن (كتبت القصيدة في بغداد 10/1/1987)، وكأننا أمام نقطةٍ فارقة أو مرحلة ٍسابقة للمنفى المصاحِب فيما بعد، نقطةٍ تمثل مقدمة ًمنطقية أدت إلى نتيجةٍ حتمية، فالرؤية في هذا النص حالٌ سابقةٌ على المآل.
   ولعل وضوحَ الرؤية، وصراحةَ الذات – في طرحها – تعبيرٌ جازم عن الخوف، وتصريحٌ بحالة الانشطار، ومجموعةُ أسئلة كامنةٍ في الذات ومسكوتٍ عنها في النص تدور كلُها حول محورٍ واحد هو: مفهوم الوطن المغايرالذي يـُرهِبُ، فيـُرغِبُ عنه، ولا يـُرغِبُ فيه، ويجعلُ الانسان سجينَ الخوف والاضطراب حدَّ المرض.
    تشكلت الرؤيةُ في النص على عدة محاورَ شعرية:
   الأول: الاختزال / التركيز / التكثيف، وكلها تمثل لحظةً سردية في الحياة الحاضرة للذات، لحظةً تنتمي إلى جنسٍ أدبي مغاير/ القصة، و كأن النصَ ذاتَه – على قِصَرِه – متنازَعٌ عليه بين الشعر والسرد؛ فصار يعيش جدلاً نتجت عنه حالةُ انشطارٍ جنسِ أدبي بين القصة والقصيدة. إنها لحظةٌ سردية تشهد حضورَ الذات في المكان والحدث والزمان في تجسيدٍ حقيقي للرسالة المختزَلة التي تشبهُ الصرخة َالمبكرة، وقد حرص الصائغُ على توصيلها بلا لَبْسٍ أو غموض؛ فتحول النص جرسَ إنذار أو تنبيها للباحثين عن الحرية.
  وجاء النصُ – على مستوى الشكل – تجسيداً لفن الإبيجراما، التي “تتمثل في نصٍ قصير مُركّزِ العبارة، مكثّفِ المعنى، يستعير من القصة القصيرة الومضةَ الخاطفة، ولحظة التنوير،  وذلك بالاعتماد – غالباً – على “المفارقة”، واختيار اللفظ الدال والعبارة الدقيقة…”( 48) ومحققاً رغبة الصائغ الذي قال عن نفسه “أنا الميّال غالباً إلى قِصَرِ القصيدة، وتكثيفها إلى أقصى حد…”(49)
الثاني: معمار النص يبدأ من تركيب المفتتح ( في وطني)،الذي يشبه بدايةَ القصة القصيرة، بما يحمله التركيبُ من شحنات دلالية وإيحائية إيجابية جاذبة للمتلقي من جهة، وما يتبعها من مفارقة فنية، تـُسفر عن المفهوم المغاير السلبي للوطن من جهة أخرى. فيأتي هذا التركيبُ عكسَ أفقِ توقعِ المتلقي، ويمثل مرحلةَ تأسيس المعمار النصي المنطلق من المكان، الذي يمثل نقطة اَنطلاق السرد النصي (قَصّاً أو قصيداً).
      كما يتمثل هذا المعمار في الطردية الفنية، أو التراتبية الحتمية التي لا يجوز أن تسبقَ إحدى مراحلها الأخرى؛ لأنها تمثلُ انسيابية َاللحظة الشعورية المسيطرة على الذات – وقت الخوف – حتى تصل اللحظة ُالشعريةُ الصادمة التي تمثلُ سقفَ المعمار، وتجسدُ المفهومَ المغايرَ للوطن. ولقد أكد الصائغُ على هذه اللحظة الصادمة في نَصٍ آخر بعنوان “العراق” عندما قال:
       والعراقُ الذي نفتقدْ
              نصفُ تاريخه أغانٍ وكحلٌ
      ونصفٌ طغاهْ (50)
         لقد جاء هذا النص “شيزوفرينيا” – في معماريته – نصاً متعالياً بأنماط أفعالِه وضمائره  وتنازعه الأدبي بين القصة والقصيدة(51)؛ لكونِه يلتقط موقفاً نفسياً، ويستبطنُ الذات في لحظةٍ شعوريةٍ كما يُفترض في القصة القصيرة أن تكون، إلا أنه صاغ ذلك في معمارٍ شعري تنثالُ شعريتـُه من خلال الضمائرِ التي تشكل حديثَ الذاتِ، والأفعالِ التي تصوغُ الرؤية، وتعرضُ الحدث:
1- الضمائر
جاءت الضمائر على صورتين:
أ‌) المتكلم متمثلاً في الياء المضافة إلى:
– المكان في: وطني –  نافذتي.
– الحدث في: يجمعني –  يقسمني – يرقبني. 
ب‌) الغائب طي الأفعال: يجمعني – يقسمني – يكتب – يرقبني.
   يفتحُ ضميرا المتكلم المضافان إلى المكان مساحةً من الجدل في تحديد مفهومِ الوطن، الذي يضيق على الصائغ، ويأخذُ في الانحسار والتلاشي حتى يصل إلى مساحة الغرفةِ، أو المساحة منها خلف النافذة. كما يجسدُ هذا الجدلُ المكانيُ مساواةً إيحائية بين الخوف: في السعة/ الوطن، والضيق/ الغرفة.
  وتأتي ضمائر الحدث في الأفعال الثلاثة (يقسمني – يرقبني – يكتب) لتجسد انشطاراً ثلاثياً للذات يترجّحُ بين الحضور في فعل الكتابة، و الغياب في فعل الرقابة، الذي يستدعي التخفي والاختباء، ويـُنشئ جدَلاً مكانياً يرتبط بستائر النافذة، وما إذا كان الرقيبُ خلفَ الشباك من الخارج وهو ما يعني انتظار الخوف، أو خلفَ الشباك من الداخل، وهو ما يجسدُ وقوع الخوف بالفعل، الأمر الذي يجعلُ الذاتَ في حالةِ جدلٍ داخلي وانشطارٍ متجدد بين حالـَى الانتظار والحدوث، وبين التفتت في فعل القَسْمِ. جاء في اللسان “القـَسْمُ: مصدر قـَسَم الشئ يقسمه قسماً فانقسم، وقسَّمه: جزَّأه”( 52) وهو ما يستدعي إلى الذهن تفتتَ الذات عند الانشطار*، ويجسد معاناةَ الصائغ من الرقابة المزدوجة: الخارجيةِ من رجال السلطة، والداخليةِ من الذات.
      وتضع أفعالُ الخوفِ الثلاثة (يجمعني – يقسمني – يرقبني) ضميرَ الذات/ المتكلم في مواجهة ضميرِ الخوف/ الغائب في حدثٍ واحد، ما يعني ديمومةَ الصراع، واستمراريةَ الجدلِ المنشِئ للانشطار كلما استشعرت الذاتُ الخوفَ.
    عندما ننظر إلى ضمير الغائب نجدُه تكرر أربعَ مرات: منها ثلاثُ مرات يعود فيها على الخوف، ومرةٌ واحدة يعود فيها على الذاتِ المتحققة في فعل الكتابة، فكأن  الصائغَ يحيا رُبعَ حياته – فقط – آمناً وثلاثةَ أرباعها خائفاً، وصار جزءُ الذات الآمنُ غريباً عنها، وجزؤها الحاضرُ شطيرَ الخوف.
الثالث: ازدواجية الشكل التعبيري عندما جمع الصائغُ بين الغنائية والملحمية، لمّا تحدث عن نفسه وهو يحكي تجربتَه، ولمّا جعل من نفسه راوياً للأحداث، أو كما أشار جيرار جينيت إلى رأي أرسطو وهوراس بأن الشاعر “يتحدث باسمه الخاص بوصفه الراوي، ولكنه في الوقت نفسه يجعل شخصياته تتحدث بأسلوب مباشر”(53)
  ولعل ازدواج الشخصية أو الانشطار المرضي الذي تعيشه الذات يشكل بداية نهاية الانشطار وقرب وصول الذات إلى الانكسار والاستسلام.
3- الانكسار والاستسلام
يعد الاستسلامُ انفعالاً مصاحباً لغريزة الاستكانة(54)، وهو نتيجةٌ حتمية لسيطرة الخوف على الذات، الذي يؤدي بها إلى عدمِ الثقة بالنفس، وفقدانِ الجرأة والإقدام(55)، وليس هذا عيباً في شخصية الصائغ، بقدر ما كان استجابةً لظروفٍ سياسية واجتماعية قاهرة، لا قِبَل للذات بمجابهتها أو تغييرِها؛ حيث عانى أدباء العراق، ومثقفوه من جيل الصائغ (جيل االثمانينيات) بطشَ السلطة وجبروتها – على حد شهادة الصائغ(56)، الذي قسّم مثقفي العراق في الثمانينيات إلى ثلاثة أنواع:
 “الأول: هادن السلطة وصفق لها وزمّر في كتاباته طواعيةً.
الثاني: دخل المؤسسة الثقافية بحكم مهنته ككاتبٍ أو صحفي أو فنان، وعمل من داخلها، لكنه أعطى نتاجاً خالصاً، بعيداً عن طبول الإعلام.
الثالث: آثر العزلة والصمت”(57)، والصائغ ينتمي إلى النوعين الثاني عندما عمل فترة في المؤسسة الثقافية ِبطبيعته هو، والأخيرِ حيث لا يميل إلى المواجهةِ، ويؤثِر بدلاً منها الصمت(58)
   ويأتي الصائغ في منفاه لينفسَ عن نفسه – في شئ من الانكسار – متذكراً حالَه وموقفَ الآخرينَ منه، وعدم قدرتِه على مواجهتهم، كما جاء في نص بعنوان “تأويل” (النص مكتوبٌ في دمشق بتاريخ 7/3/1996) .
      ومما يذكر أن الدواوين التي صدرت للصائغ في المنفى – و منها الديوان محل  البحث -، صدرت؛ “لتنفِّس عن ذاكرتِه المكتظة بمشاهدِ الدماء المشبعة برائحة        الحزن الأسود”(59) يقول الصائغ في النص:
   يُملونني سطورا
   ويُبوبونني فصولا
   ثم يُفهرسونني
  ويَطبعونني كاملاّ
  ويُوزعونني على المكتبات   
 ويَشتمونني في الجرائد
 وأنا
 لم
        أفتح        
        فمي
        بعد (60)
      تعاني الذاتُ في هذا النص حالةً متداخلة من الانشطار والتوحُّد؛ حيث تنقسم ذاتين:
– أولى راويةً: مراقبة للحدثِ أو للذواتِ الأخرى الفاعلة في جزء النص الأول، الذي يمكن تسميتُه بـ: شطر الحدث، وينتهي بقوله (ويشتمونني في الجرائد). 
– أخرى مستكينةً خاضعة – حتى السطر الأخير –، يقتصر دورُها على تلقي الفعل/ الضربات في الجزء الآخر الذي يمكن تسميتُه بـ: شطر الخضوع. ولم يصدر عنها أيُّ إسهامٍ فعلي، أو ردُّ فعل تجاه الحدث؛ لقناعتها بالاستكانة – آنذاك -؛ فلا قبَلَ لها بمواجهة السلطةِ المستهينة بالمثقفين – كما أشار الصائغ –(61)، يؤكد ذلك أن الذاتَ مارست الدورَ نفسَه في شطر الحدث ولم تتدخل بِرَدِّ فعلٍ أو تعليق، واكتفت بالرصد في تجسيدٍ للواقعية النقدية، فالذاتُ تعيش جدلاً منشؤه حالـُها السابقُ- من كبت وقهر- ومآلـُها الحاضرُ- من نفي وغربة؛ فانشطرت بين الزمن الماضي – بما كانت فيه، والزمن الحاضر- بما صارت إليه، وكأنها منشطرة بين استسلامها بالفعل، ومعاناتها بالواقع.    
   وتعيش الذاتُ مرحلة ًمتقدمة من الاستكانة تحولت فيها للشيئية، فمع تقديرنا لقيمةِ الشعر إلا أنه يُتداولُ من خلال شئ (ديوان/ ويطبعونني كاملاً)، قد يعبث به الانسان – بخاصة الجاهلَ – متى أراد. والديوان بحكمِ كونه ثمرة َإحساسٍ وعاطفة وفكر فهو معنوي، وبحكم تداولِه من خلال شئ ملموسٍ فهو ماديٌ، وكأنه يعاني انشطاراً بين المادي والمعنوي يتماهى مع انشطار الذات في النص.
   اعتمد الصائغ في تشكيلِ رؤيته على الضمير والفعل والحال والظرف.
– الضمير 
يمكن القولُ بأن هذا النص يمثل صراع الضمائر الذي يعكسُ جدلَ التركيب متماهياً مع انشطارِ الذات على مستوى النص كله؛ حيث يشهد النصُ صراعاً ضمائرياً – إن جاز التعبير – مركباً، فيتصارع ضمير الذات في اتصاله/ الياء وانفصاله/ أنا ويجمع بينهما السلبيةُ والاستكانة. والاثنان معاً يتصارعان مع ضمير الغائب/ الفاعل/ الآخر/ واو الجماعة. 
ولأن الراويَ وضميرَ الذات شئٌ واحد؛ فغنائيةُ النص ملموسةٌ، وتتفق- كما سبقت الإشارة – مع الرغبةِ في البوح الحر؛ بحثاً عن مشاركةٍ وجدانية، أو حلٍّ قدَري للأزمة؛ ما يعني ضعفَ الذات، وعدم قدرتها على مواجهة الواقع.
    وضمائر الذات – ما عدا الياء في فمي –  ترتبط بالحدث وتنقسم إلى:
– ضمير المفعول به في:
يُملونني – يُبوبونني – يُفهرسونني – يَطبعونني – يُوزعونني – يَشتمونني. 
  ونلاحظ أن الفعل/ الحدث يجمع بين ضميري: الذات/ ياء المتكلم  والآخر/واو الجماعة، في مصاحبة حتمية؛ لأنها أفعال صراع، فالذات حلَّت في ديوان الشعر، الذي يتطلب إخراجُه – بعد الإبداع – وجودَ فاعل مهني قد يجيد القراءةَ والكتابة، وقد لا يجيدهما، وهذا يعني أن الصائغ حددَّ هوية الفاعل، أو يسخر منه في معركة التأويل، أو كليهما معاً – و هذا ما يرجحه البحثُ – ويرى أن الشرور التي تـُلهب المبدعين تأتي من فئةٍ جاهلة، غيرِ واعية بطبيعة الإبداع، يقصد بهم عملاءَ السلطة الذين يَنسبون إليه ما لم يقـُل، ويؤولون شعرَه على نحوٍ يَدينُه، يضاف إليهم من يختلفون معه، وكلهم يتطاولون عليه.
   وهذه المعركةُ وقعت دون مواجهة، فالآخرُ يفعل ما يريد، والذاتُ مستكينةٌ لا تُواجِه، وقد جاءت نونُ الوقاية فاصلاً بين ضميري الفاعل والمفعول؛ لترسِّخ  رؤية الاستسلام وعدم المواجهة.
– ضمير الفاعل:
منفصلاً ظاهراً في: وأنا             مستتراً في: لمْ أفتح
 ويبدو الضميران في الظهور والاستتار ضميراً واحداً؛ لأن المستترَ يعود على الظاهر، اللهم إلا أن الذات قد آثرت الاختباءَ والتستر، وعاشت مرحلةً من الانشطار، ولكنها آثرت الانسحابَ من الصراع، وهو ما يتفق مع استكانتها واستسلامها.
  وضمير الذات: المتلقية للفعل/ ياء المفعول، والفاعلة المرتبطة بالنفي/ وأنا لم أفتح يعكسان سلبية الذات، ويتماهيان مع الشيئية التي آلت إليها؛ ترسيخاً لرؤية الاستكانة؛ لأن الذات بمفردها تواجه ذواتاً متعددة/ واو الجماعة، قد تعرف بعضَهم وتجهل الآخرَ؛ الأمر الذي يضاعف أزمتـَها، ويُعضِّد رغبتها في الانسحاب.
– الفعل
  جاءت الأفعالُ كلها بصيغة المضارع في:
يُملي – يُبوب – يُفهرس – يَطبع – يُوزع – يَشتم – لم أفتح، وكلها مثبتة ما عدا الفعلَ الأخير المسبوق بالنفي.
  يأتي ترتيبُ الأفعال تصاعدياً متسقاً مع مراحل تطور الصراع التي تعكسُ تنامي حالةِ الجدل داخل الذات، وتصور ارتفاعَ منحنى القلق والتوتر المصاحبين لتوقـُّع الصراع، يبدو ذلك في الأفعال الأربعة الأولى التي تعكس هذا التوقع والاستعداد. ويأتي الفعل الخامس/ يوزع ممثلاً نقطةَ الوثوب في بداية الصراع، الذي شهد طرفاً جَمْعياً فاعلاً يشتم ويسب ويلعن، وطرفاً فردياً خاملاً مستسلماً لا يفعل شيئاً؛ يدل على ذلك تكرارُ أفعال الطرف الجمعي ستَ مرات مقابل فعلٍ وحيد للذات وهو فعلٌ سلبي لا قيمة له في الحدث، ولكنه يحمِل الذات إلى القهر من جديد؛ حيث إن اقترانَه بأداة الجزم قلب زمانَه إلى الماضي – فانشطرت بين حياةِ الحرية الحاضرة بعد هروب الشاعر من العراق، وحياة الخنوعِ والاستسلام التي عاشتها الذاتُ لحظة التذكر، واستحضرتها في صيغة الفعل المضارع الذي يعني عدمَ تخلّصِ الذات من أزمتها، وعدم تطهرها من الخنوع والاستسلام.
– الحال
    يؤدي الحال دوراً تصاعدياً، يتسق مع دور الأفعال في تشكيلِ الرؤية في شطر الحدث، عندما استعان الصائغ بأحوالٍ ثلاثة هي :
سطوراً الذي يوحي بانشطار الذات وتفتتها جزءاً جزءاً/ سطراً سطراً.
فصولاً الذي أعاد تشكيلَ فتاتِ الذات وتكوينَها في أجزاءٍ أكبر.
كاملاً الذي يوحي باكتمال تشكـُّل الذات في صورتها، ولكنه اكتمالٌ يشبه مرحلةَ الإفاقة السابقةِ على الموت، أو رقصةَ المذبوح؛ فيتلو هذا الاكتمالَ انشطارٌ للذات/ الديوان عندما تتجزأُ من جديد وتتوزع ُبين المكتبات، حيث يتلو ذلك ذروةُ الحدث المتمثلةُ في سب الذات وشتمها على صفحات الجرائد.
– الظرف
متمثلاً في ختام النص/ بعد الذي يجعل الذاتَ – في استسلامها – لا تفقد الأملَ في المستقبل، وتعيش انشطاراً خافتاً قياساً برهبتِها الناشئة عن الاستسلام، ورغبتِها الطامحة إلى الحرية.
  وقد جاء التشكيل البصري للشطر الآخرِ من النص على هيئة كلمةٍ مفردة في كل سطر توحي – انطلاقا من خضوع ِالذات واستسلامها – بالأنين المتتابع، فكأن الأسطرَ الأخيرةَ زفراتُ ألمٍ حارة، أو آهاتٌ متوجعة.
وتبقى الشيئية مسيطرة على الصائغ في استكانته واستسلامه، ولكنها تنتقل من المنحى المعنوي المادي/ الشعر، إلى المنحى المادي الخالص/ (الكوبري – المعبر – الجسر) في نصه “درس في التاريخ (3)”؛ حيث يقول:
         نحن المنحين إلى الأبد
كجسورِ الأرياف ِالخشبية
تمرُّ علينا الجواميسُ
والأحزابُ
والجنرالاتُ
والمركباتُ السريعةُ
والأحلامُ المتثائبةُ
و نحن نتأملُ خريرَ مياهِ التاريخ
و نبتسمُ بعمق
لأمواجهِ التي ستتكسرُعما قليل
أمام صخورِنا (62)   
     لا تزال الذاتُ منشطرةً بين ثنائية: الفعل وتلقي الفعل، أو الحركة والثبات المتجسدة في النص على صورة معبرٍ خشبي يتماهى مع بيئة الفقراء والمهمشين الخانعين. وينقل لنا الصائغ هذا الانشطارَ من خلالِ جدلِ حركةِ الحيوان والانسان والجماد، وسكونِ المعبر/ الذات.
     كما ينقل حالةَ الذل والمهانة التي تعانيها الذاتُ في تحولها ذاتاً فئويةً تمثل جماعةً         بعينها/ المنحنين إلى الأبد. هذه السلبيةُ الجماعية تعد امتداداً للسلبية الفردية في النص السابق،          وتصورُ وضعاً كائناً في حينه، من الصعب مواجهتُه، أو الخروجُ عليه؛ فآثرت الذاتُ الخنوعَ والاستسلام.
     والرؤية في هذا المنحى رؤيةٌ إنسانية تتفق وعمومية َالتجربة، التي انتقل فيها الصائغ من الخاص إلى العام؛ ليتبنى موقف المشابهين للذات – نفسياً واجتماعياً -. وتتسق هذه الانسانيةُ وكونَ المعبر متاحاً للجميع، وكأن الذاتَ صارت نهباً ميسوراً للحيوان/ الجواميس، والانسان/ الأحزاب والجنرالات، والجماد/ المركبات السريعة… .  
  وإذا كانت الشيئية ُعند بعض الفلاسفة تعني الذاتية – فلا مشاحة أن تكون صفاتُ الشئ صفاتٍ للذات، بخاصةٍ عندما يحل الشئ/ الديوان والجسر محلّ الذات(63)، ويتفق هذا مع تفسيرِ مارتن هايدجر لكلمة “الشئ” بأنها “تناسب عالم الجماد بصفة خاصة، ويرى أن الأشياء الطبيعية، والأدوات المصنوعة هي ما عرف دائماً باسم الأشياء”(64)
  تنشطر الذاتُ في هذا النص بين أزمنة متداخلة؛ إذ يستحضر الصائغُ الماضيَ عندما كان في العراق قبل 1993، وهذه اللحظة المستحضَرَة يعيش فيها زمنَه الراهنَ – آنذاك –، ويتطلع فيها إلى المستقبلِ الذي كان يتمناه، وأصبح يعيشه زمنَ كتابة النص 30/7/1997، وكأنه في زمنِ الإبداع يعيش زمنَ الألم، وعندما استحضر زمنَ الألم كان يتمنى زمنَ الإبداع الذي تحقق بالفعل، فالذات تعيش صراعاً جدلياً بين رغبتها في الحاضر، ورهبتها – التي لم تتخلص منها – من الماضي.    
    وتتوازى إنسانيةُ الرؤية وعموميتُها مع تشكيل النص، الذي جاء على هيئة صورةٍ كلية نرى فيها الذاتَ الجمعية قد صارت معبراً خشبياً يُداس بالأقدام إمعاناً في إبراز الخضوع والاستسلام والذل.
      كما لم تخلُ الصورةُ من التشخيص – في الأسطر الأربعة الأخيرة – الذي يُسوِّغ شيئيةَ الذات: الفردية/ الشاعر، والجمعية/ “المنحنين”.
  واعتمد الصائغ في تشكيل الصورة على:
 التخصيص – الاعتراض – حرف الواو – الفعل.
– التخصيصص في المنحنين التي تصور هيئةَ الخضوع، ويبدو أن فكرة الانحناء هي التي استدعت الطرفَ الآخر للصورة/ الجسرالخشبي؛ لأن الجمعَ البشري المنحني المتلاصق يشبه في هيئته معبراً بين ضفتين، و كأنه مكتوبٌ على فئة أن تظل مهمشةً خانعة؛ حتى تعبر فئةٌ أخرى من حياة إلى حياة تستمع فيها بالسلطة والرفاهية، ولا تفتأ أن تستعرض قـُوَتَها على حساب المهمشين، وتطؤهم غيرَ مباليةٍ بهم، في صراعٍ جدلي مضمون النتيجة لحساب القوة. 
  ولمْ يفُتْ الصائغَ أن يحدد طبيعةَ الطرف الآخر/ الجسر من خلال الصفةِ التي وحدت بين طرفي الصورة في ضعفهما، فالضعفُ الكامن في الذات المنحنية يعادلُه كونُ الجسر من الخشب الذي لا يقارن بالجسور المشيَّدة.
– الاعتراض في إلى الأبد، هذا التركيب الذي يؤكد حسمَ الصراع كلما تجدد جدله بين طرفيه لصالح القوة. كما يرسخُ فكرةَ الثبات التي تعانيها الذاتُ في خضوعها أمام الآخر القوي المتحرك، وما دام هناك جسرٌ بين ضفتين سيبقى في الحياة مُنْحَـنُون إلى الأبد.
– حرف الواو الذي ينقسم إلى:
واو العطف في: والأحزب والجنرالات والمركبات السريعة والأحلام المتثائبة. حيث ارتبط ظهورُها في الصورة بتعدد أطراف القوة؛ فأبرزت معاناةَ الذات العزلاء أمام آخرَ مُدَجَّجٍ بأسلحة كثيرة، لا يتوانى في استخدامها من أجل تحقيق أطماعه. كما أنها تمثل قرينةً أو عاملَ ربط بين الخيال التصويري والواقع المحسوس.
واو الحال في: ونحن نتأمل خرير مياه التاريخ ونبتسم بعمق… .وهي التي تعيد الصورة إلى الزمن الماضي، وتنشئ الجدلَ بين زمنِ الإبداعِ وزمن التذكر، الذي يصور الذاتَ في ضعفها، ويعكس أمنياتِها.
– الفعل يسيطر الفعلُ المضارع على الصورة متمثلاً في: تـَمُرّ- نتأمل، نبتسم – ستتكسر .
ترسم هذه الأفعالُ دائرةَ زمنِ الصورة، وهي أفعالٌ منشطرة؛ لأنها خادعة بصيغتِها المضارعة، ودلالتِها على الماضي لحظة الكتابة. ويرتبط الفعلُ الأول منها بطرف القوة في الصراع، و الفعلان التاليان بطرف الضعف والاستكانة، بينما يرتبط الفعل الأخير بتمني المستقبل في زمن الماضي.  وتسهم هذه الأفعالُ أيضاً في ترسيخ انشطارِ الذات من خلال الأزمنةِ المتداخلة لحظة الإبداع.
  وهذه الصورةُ صورةٌ مغلقة؛ لأن بدايتَها تتسق مع ختامها – رغم ما فيه من خداعٍ نفسي وعقلي؛ لإقناع الذات بقدرتها على المواجهة، وهو أمرٌ في غير محله؛ لأنه يتعارض مع الاستمراريةِ في بداية الصورة وفي ختامها من خلال دوامِ الحال في الفعلين المضارعين: نتأمل، ونبتسم بعمق،  كلا الفعلين يرتبط بالبطء (بطء حركة الماء والبطء الناشئ عن التعمق)؛ نتيجة الاستغراق في الزمن: تأملاً وابتساماً، وهو ما يوحي باستمراريةِ الجسر الذي يعني استمراريةَ الانحناء. و تكسُّرُ الأمواج لا يعني انتهاءَها، ولكنه إشارةٌ لتجددها. 
 إن الابتسامة العميقة في هذا النص تماثل الآهاتِ المتتابعة َفي النص السابق، وهي ابتسامةٌ تكسوها غلالةُ حسرةٍ نشأت عن سخرية الذات من الانحناءِ والتهميش، وعدمِ قدرتها على تغيير وضعِها؛ فوضعنا الصائغ في أحدِ مشاهد الكوميديا السوداء، وأعادنا إلى الصعاليك، الذين يسخرون من الواقع ما داموا غير قادرين على تجاوزِه              أو تغييره(65)
 
أخيراً
      فإن ظاهرة انشطارِ الذات في الديوان ليست قاصرة ًعلى النصوص التي عولجت في البحث، و لكن المتتبعَ للديوان يجد الظاهرةَ مسيطرةً على معظم نصوصه؛ وذلك لأن الصائغ لم يتطهر من مرحلة القهر، ولا يزال منشطراً بين الماضي والحاضر، وهو يعيش الحرية.
    ولأن البحث يعتمد خطاً يقوم على تفتيت النص والحفر في ثناياه – كان من الصعب معالجةُ كل النصوص التي لا تخرج – في إطارها رؤية و تشكيلاً – عما عولجَ ويندرجُ تحت المحاور الثلاثة التي عالجها البحث وهي: الاغتراب – الخوف – الانكسار والاستسلام. 
     ومن هذه النصوص على سبيل الاسترشاد: أشباح – باب – خيبات – حصار – وجبة – هبوب – سيرة – تنويعات – نصوص رأس السنة…، وكذلك نص أوراق من سيرة تأبط منفي الذي يدور في الإطار السابق ويعد النصَّ المؤسس للديوان، ويستحق أن يدرس بشكل منفرد.

الإحالات
*- انظر: الموقع الألكتروني للشاعر على الشبكة العنكبوتية/ سيرة قلمية خطأ! مرجع الارتباط التشعبي غير صالح.  .
**- عدنان الصائغ – تلك السنوات المرّة و المنفى الآخر – منشورات مجلة تموز – السويد – بدون – ص25.
1- ابن فارس – مقاييس اللغة – تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة – 1979 – مادة شطر.
2- ابن منظور- لسان العرب – طبعة دار المعارف – القاهرة – بدون- مادة شطر.
3- السابق – المادة نفسها.
4- نفسه.
5- إديث كريزويل – عصر البنيوية، تعريف بالمصطلحات الأساسية الواردة في الكتاب – ترجمة جابر عصفور – دار سعاد الصباح – الكويت – 1993 – الطبعة الأولى ص 378، 379. وانظر: جلال الدين سعيد – معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية – دارالجنوب للنشر – تونس – بدون – ص 131: 133.
6- ابن فارس – السابق – مادة جدل، و كذا ابن منظور – السابق – مادة جدل.
7- ابن منظور – السابق – نفسها.
8- نفسه.
9- قويدرعكري بعض المفاهيم الفكرية في الكتابة الفلسفية من http://www.ahewar.org/show.art.asp?aid93938
10- محمد نديم خشفة – تأصيل النص، المنهج البنيوي لدى لوسيان جولدمان – مركز الإنماء الحضاري – حلب – 1997 – الطبعة الأولى – ص 44.
11- عكري – السابق.
12- خشفة – السابق – ص45.
13- انظر في ذلك: صلاح عطية – طه حسين ومعاركه الأدبية – دار التحرير للطبع و النشر، تراث الجمهوية – القاهرة – يناير 2006.
14- انظر في ذلك: نسيم مجلي – لويس عوض ومعاركه الأدبية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1985.
15- انظر: صلاح الدين العمرية – مفهوم الذات – دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع- عمّان – 2005 – ص 24.
16- انظر مجمع اللغة العربية بالقاهرة – المعجم الفلسفي – الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية – القاهرة 1983 – ص 87.      
17- ابن منظور – السابق – أبط.
18- نفسه – المادة نفسها، وراجع أيضا: ديوان تأبط شرا – اعتنى به عبد الرحمن المصطاوي – دار المعرفة – بيروت – 2003 – الطبعة الأولى – ص5 : 13 في ترجمة تأبط شرا.
19- عدنان الصائغ – الأعمال الشعرية الكاملة – ديوان تأبط منفي – المؤسسة العربية للدراسات و النشر – بيروت –2004 – الطبعة الأولى – ص 88.
20- السابق – ص95.
21- نفسه – ص 101.
22- نفسه – ص 93.
23- حبيب الشاروني – الاغتراب في الذات – عالم الفكر – المجلد العاشر – العدد الأول – ص 69، 70.
24- الصائغ – السابق – ص 9.
25- انظر: محمد راضي جعفر – الاغتراب في الشعر العراقي (مرحلة الرواد) – منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 1999 – المقدمة ص c.
26- وليد الزريبي – عدنان الصائغ تأبط منفى، حوار ومنتخبات شعرية – الشركة التونسية للنشر و تنمية فنون الرسم – تونس – 2008 – الطبعة الأولى – ص 26.
27- السابق – ص 20.
28- العمرية – السابق – ص 20.
29- الصائغ – السابق – 23.
30- حسن عباس – حروف المعاني بين الأصالة والحداثة – منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق – 2000 – ص 42.
31- السابق – ص 94 .
32- الصائغ – السابق – ص 23.
33- موسى ربابعة – جماليات الأسلوب والتلقي، دراسة تطبيقية – دار جرير للنشر والتوزيع – عمّان – 2008 – الطبعة الأولى – ص 117.
34- علي عشري زايد – عن بناء القصيدة العربية الحديثة – مكتبة الرشد للنشر       والتوزيع – الرياض – بدون – الطبعة الخامسة – ص 57.
35- انظر: مصطفى السعدني – البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث – منشأة المعارف – الاسكندرية – بدون – ص 207.
36- انظر: حسن ناظم – مفاهيم الشعرية دراسة مقارنة في الأصول والمنهج – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – عمّان – 2003 – الطبعة الأولى – ص 176.
37- جابر عبد الحميد جابر وعلاء الدين كفافي – معجم علم النفس والطب النفسي – دار النهضة العربية – القاهرة – 1988 – الجزء الأول – ص 191.
38- انظر: محمد أبو العلا أحمد – علم النفس العام – القاهرة – مكتبة عين شمس – بدون – ص 130.
39- حسن علي إبراهيم – مصادر الخوف والواقع إحساساً و شعوراً – على نفقة المؤلف – بدون – ص 93 بتصرف.
40- الصائغ – السابق – ص 12.
41- داوود أمين – مشيٌ في حقول الألغام حوار مع الشاعر عدنان الصائغ – دار لارسا – السويد – 2003 – الطبعة الأولى – ص 30.
42- جابر عبد الحميد جابر وعلاء الدين كفافي – السابق – ص 191.
43- محمد الصفراني – التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث (1950 – 2004) – النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي بالدار البيضاء وبيروت – 2008 – الطبعة الأولى – ص 172.
44- صموئيل حبيب – الخوف – دار الثقافة – القاهرة – بدون – ص 19.
45- السابق – الصفحة نفسها.
46- الصفراني – السابق – ص 208.
47- الصائغ – السابق – ص 12.
48- يوسف نوفل – طائر الشعر عش الفيض… فضاء التأويل – الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة كتابات نقدية 187 – القاهرة – 2010 – الطبعة الأولى – ص299.
49- عدنان الصائغ – تلك السنوات المرة و المنفى الآخر – ص 25.
50-  الصائغ – الأعمال الشعرية الكاملة – ص 15.
51- راجع في ذلك: جيرار جينيت – مدخل لجامع النص – ترجمة عبد الرحمن أيوب – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – بدون – ص 5، وأحمد درويش – عشرة مداخل لقراءة الشعر – الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة كتابات نقدية 191 – القاهرة – 2010 – ص 107 وما بعدها في الحديث عن معمار القصيدة عند محمد إبراهيم أبي سنة.
52- ابن منظور – السابق – مادة قسم.
*- راجع ص 5 من هذا البحث.
53- جينيت – السابق – ص 17.
54- محمد أبو العلا أحمد – السابق – ص 130.
55-  السابق – الصفحة نفسها.
56-  انظر: الصائغ – تلك السنوات المرة و المنفى الآخر – ص 35 وما بعدها.
57-  السابق – ص 43.
58-  انظر: السابق – ص 35: 37، و ص 41.
59-  داوود أمين – السابق – ص 49، و كذا موقع الشاعر على الشبكة العنكبوتية/ سيرة قلمية.
60-  الصائغ – الأعمال الشعرية الكاملة – ص 10. 
61-  الصائغ – تلك السنوات المرة و المنفى الآخر – ص 49.
62-  الصائغ – الأعمال الشعرية الكاملة – ص 24.
63-  انظر: جميل قاسم – مقدمة في نقد الفكر العربي من الماهية إلى الوجود – مكتبة الفقيه ودار ومكتبة الهلال – بيروت – 1996 – الطبعة الأولى – ص 41 وما بعدها.
64-  صفاء عبدالسلام جعفر – هيرمينويطيقا “الأصل في العمل الفني” دراسة في الأنطولوجيا المعاصرة – منشأة المعارف – الاسكندرية – 2000 – ص 54، وانظر ما بعدها لمعرفة معنى “الشئ” كما استعرضه مارتن هايدجر في تاريخ الفلسفة.
65- انظر: عاطف بهجات – الصعلكة في الشعر المصري الحديث – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2003 – ص 156 وما بعدها في سخرية الصعاليك.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
• نُشر في مجلة كلية الآداب – جامعة بنها، مصر – عدد يوليو 2010.

* أستاذ النقد الأدبي الحديث المشارك بجامعتي: عين شمس والطائف