23 ديسمبر، 2024 8:20 ص

انسدادات المشهد السياسي العراقي والانزلاق نحو المجهول!

انسدادات المشهد السياسي العراقي والانزلاق نحو المجهول!

لاتلوح في الافق السياسي العراقي اية مؤشرات على امكانية استئناف عقد جلسات مجلس النواب العراقي، وكذلك عودة جلسات مجلس الوزراء للانعقاد بحضور قوي وليس حضورا ضعفيا مهلهلا، خلال وقت قريب.
    ولاتلوح في الافق السياسي العراقي ايضا ملامح لحلول واقعية وعملية للازمة الخانقة التي بدا هذه المرة ان نهاياتها مفتوحة وسائبة الى حد كبير، او غامضة ومجهولة المسارات والمالات.
  ولان الازمة واحدة وان تعددت وتنوعت عناوينها ومسمياتها وخلفياتها واسبابها، فهذا يعني ان ذات العوامل التي تحول دون استئناف عقد جلسات البرلمان، تحول دون تفكيك وحلحلة العقد المستعصية بين الفرقاء.
   ولعل السبب الجامع الشامل لذلك الانسداد الكبير والخطير في المشهد السياسي العراقي، يتمثل في اقتحام مئات المتظاهرين للمنطقة الخضراء ودخولهم مبنى مجلس النواب، واعتداءهم على عدد من نواب المجلس وموظفيه، ناهيك عن تخريب بعض محتوياته، في الثلاثين من شهر نيسان-ابريل الماضي.
   ذلك الاقتحام الذي اريد منه ان يكون عامل ضغط قوي ومؤثر لتفعيل مسيرة الاصلاحات، تسبب في خلط الاوراق وبعثرتها الى ابعد الحدود، بحيث ان اعادة ترتيبها بصورة مرضية ومقبولة، يحتاج الى جهود كبيرة ووقت طويل، الامر الذي من شأنه ان يفتح الباب واسعا لكل الاحتمالات، لاسيما السيئة منها والخطيرة.
   وعملية الاقتحام، ان لم تكن ذاتها السبب الذي دفع ويدفع قوى وكيانات سياسية مختلفة الى تعليق حضورها في جلسات البرلمان واجتماعات الحكومة، فأنها هيأت ووفرت المبررات والحجج لدى تلك القوى والكيانات لتتخذ قرار التعليق-او المقاطعة-الى اشعار اخر.
    ولعل جانبا من تلك المبررات والحجج يبدو منطقيا ومعقولا، اذا نظرنا اليها بصورة مجردة عن اية احتقانات ومواقف مسبقة، وبعيدا عن اية حسابات ومصالح خاصة.
  الاكراد، الذين تعرض عدد من نوابهم الى الاعتداء والتجاوز من قبل بعض المتظاهرين الداخلين للمنطقة الخضراء، رفضوا بشكل واضح وصريح عودة وزرائهم ونوابهم الى بغداد، ولم يفلح رئيس مجلس النواب سليم الجبوري خلال زيارته الاخيرة للاقليم في اقناعهم بالعدول عن موقفهم، وهم يريدون اعتذارا رسميا من التيار الصدري، بأعتبار ان المتظاهرين الذين اعتدوا عليهم ينتمون الى ذلك التيار، وكذلك يريدون ضمانات امنية بعدم تكرار ما حصل.
   وهذا ما هو معلن، بيد ان لديهم مطاليب وشروطا اخرى لايتحدثون بها الا في الكواليس وخلف الابواب الموصدة، ومنها، قيام الحكومة الاتحادية بدفع التخصيصات المالية لقوات البيشمركه، بأعتبارها تشكيلات عسكرية رسمية، اضافة الى تسديد –ولو جزء من الرواتب المتأخرة تسعة شهور لموظفي الاقليم، وعدم اختيار شخصيات كردية لتولي مناصب وزارية في اي تشكيلة حكومية جديدة دون التشاور والتنسيق المسبق مع الاقليم.
   ولاشك ان مثل تلك الشروط والمطاليب، تبدو وكأنها نوع من الابتزاز من جانب، ومن جانب اخر، فأنها تعكس عمق وخطورة الازمات السياسية والامنية والاقتصادية التي يواجهها الاقليم.
   اما التيار الصدري، الذي اعلن وزرائه في الحكومه استقالتهم منذ وقت مبكر، فأنه ربط عودته الى البرلمان بتصويت الاخير على كابينة المستقلين التكنوقراط التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي في ظرف مغلق لهيئة رئاسة البرلمان في الحادي والثلاثين من شهر اذار-مارس الماضي، ويعتبر التيار ان مطلبه هذا هو مطاليب الجماهير الداعية للاصلاح والتغيير.
   ورغم ان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر استطاع ان يحشد ويعبيء جزءا لايستهان به من الشارع لفرض رؤاه واطروحاته، الا ان الذهاب بعيدا الى مستوى اقتحام المنطقة الخضراء والبرلمان، جعل الامور تتجه الى المزيد من التعقيد والارباك على كل الاطراف بلا استثناء.             
    في مقابل ذلك فأن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عبّر على لسان زعيمه السيد عمار الحكيم قبل بضعة ايام عن رفضه للتجاوز على الشرعية الدستورية وانتهاك حرمة المؤسسة التشريعية(البرلمان)، وشدد على اهمية التفريق بين الاصلاح الحقيقي، والاصلاح الذي يريد من ورائه البعض تحقيق مكاسب سياسية خاصة.
   ويرى المجلس الاعلى ان المخرج المناسب للازمة الراهنة هو الذهاب الى تشكيل اغلبية برلمانية عابرة للمكونات، علما ان زعيم المجلس كان قد طرح تلك الفكرة في مناسبات سابقة.
   ولكن، من المؤكد ان ترجمة ما يدعو اليه المجلس الاعلى يتطلب تهيئة ارضيات ومناخات سياسية ملائمة، وتفاهمات بين قوى كبرى ومؤثرة من المكونات الرئيسية، وهذا يحتاج الى وقت غير قليل، وحراك سياسي بأتجاهات متعددة، بيد انه يمكن ان يتحول الى خيار يتبناه ويدعوه اليه الاخرون فيما لو لم تتحقق انفراجات حقيقية وسريعة للازمة.
   وبينما لاتختلف رؤية ائتلاف دولة القانون التي طرحها زعيمه نوري المالكي، للخروج من الازمة، كثيرا عن رؤية المجلس الاعلى، الا ان المختلف في الامر ان رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يعد من قيادات حزب الدعوة الاسلامية، ومن الوجوه البارزة في “دولة القانون”، يتبنى بحكم الضغوط التي يتعرض لها بأعتباره رئيسا للوزراء، مواقفا وتوجهات تفتقر الى الوضوح من جانب، ويحاول من خلالها ارضاء مختلف الفرقاء رغم تباين رؤاهم من جانب اخر، مما يعني ان هناك تباينا في المواقف بين اقطاب دولة القانون، ربما بعضها يرتبط بالظروف التي قطعت الطريق على المالكي للبقاء على رأس الحكومة بعد انتخابات عام 2014 ومهدت الطريق للعبادي ليحل محله.    
  اما المكون السني، فأنه يعاني من مأزق كبير، تجلى واضحا في جانب كبير منه، حينما تبنى مجموعة من النواب السنه مطلب اقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري، ليتسبب ذلك في تعميق حالة التشضي بين عناوين ذلك المكون واتساع الهوه بين فريقين فيه، احدهما داعم للجبوري بقوة، والثاني رافض له بأصرار، وبين الدعم والرفض تضيع البوصلة، وتبقى الحوارات عقيمة وغير مجدية، وهناك من يريد اتخاذ خيار المقاطعة والخروج من الحكومة، وآخر يسعى بكل ما اوتي من قوة للحصول على هذه الوزارة او تلك من خلال مساومات وصفقات هي اقرب الى منطق السوق منها الى السياسة، وكل هذا في ظل ارتهان الكثير من مناطق المكون السني لهيمنة تنظيم داعش، ونزوح إعداد كبيرة منها، ناهيك عن الخراب والدمار الهائل الذي لحق بالمناطق التي تم تحريرها من داعش بفعل العمليات العسكرية.
    وقد لايختلف اثنان في ان المكون السني لايمتلك رؤية واضحة لحل الأزمة، بل والأكثر من ذلك، ان إرادات وأجندات ومصالح وحسابات داخلية وخارجية متناقضة تتجاذبه وتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال!.
    هذه الصورة الضبابية للمشهد السياسي العراقي، وفيها الكثير من التفاصيل والجزئيات الاخرى التي تزيدها ضبابية وتشوشا، تجعل من الصعب بمكان تلمس المسارات نحو الحل، فضلا عن ذلك فأنها يمكن ان تجعل الخيارات والاحتمالات السلبية تتدافع بقوة مع الخيارات والاحتمالات الايجابية، ونتائج ذلك التدافع تقرره وتحدده صوابية مواقف وتوجهات القوى السياسية، وكذلك مقدار المرونة التي تبديها والتنازلات المتبادلة فيما بينها وفق قاعدة المصالح الوطنية العامة، لا في اطار الصفقات السياسية التي تقوم على معايير الربح والخسارة ضمن الاطر الحزبية والسياسية والفئوية الضيقة.