23 ديسمبر، 2024 4:49 ص

انسحاب بوتين: عدد القتلى هو الشيء الصحيح الوحيد في بيان الكرملين

انسحاب بوتين: عدد القتلى هو الشيء الصحيح الوحيد في بيان الكرملين

لا يمكن بحال، اعتبار قرار الرئيس الروسي المفاجئ بسحب الجزء الأكبر من قواته من سوريا، سياقاً طبيعياً لتطور الأحداث، ولا شك أنه تسبب في خيبة أمل كبيرة لحلفائه الذين استبد بهم الأمل بسبب طموحهم المفرط، وربما بسبب أمانيهم الفوّارة وليس معطيات الواقع، من أن بوتين قادم الى المنطقة لإقامة قطب جديد وعقد حلف قادر على مواجهة النفوذ الأمريكي، وصدرت دعوات متكررة من أطراف عراقية عديدة تدعو الرئيس الروسي الى توسيع تدخله ليشمل العراق، أو أنهم هددوا باللجوء الى تقديم طلب رسمي لهذا الغرض، أكثر من ذلك،  ملأت تنبّؤات قيام الحرب العالمية الثالثة الآفاق. 
حصل الرئيس الروسي بتوسيع تدخله المفاجئ (كما قرار انسحابه) في سوريا وزج ترسانته الجوية والصاروخية العظمى ضد طرف، في النهاية ليس الا عبارة عن مجاميع من المقاتلين الذين يخوضون حرب العصابات، قبل حوالي خمسة أشهر ونصف، على جماهيرية منقطعة النظير وتأيد غير مسبوق بين مناصريه، في العراق خصوصاً، لم ينله حتى زعماؤهم، وكان يمكن أن يُتهم الشخص بالطائفية والدعشنة مع أدنى ملاحظة سلبية ضد الدور الروسي وجرائم الحرب الفظيعة التي اقترفها بوتين بحق المدنيين السوريين.
ورغم أن التفاهمات الروسية الأمريكية عسكرياً على الأقل كانت واضحة للعيان ومعلنة، فإن المولعون بالدور الروسي عدُّوا ذلك ملمحاً لقدرة بوتين على احتواء أمريكا نفسها، وقادهم خيالهم الى الإعتقاد أن أمريكا بدأت تغيّر ثوبها وأنها بصدد تحويل مؤشر البوصلة للتخلي عن حلفائها القدامى، وأنّ هناك سايكس بيكو جديدة سيكون لبوتين فيها الكلمة الفصل، ولهم فيها بالتالي القدح المعلّى والنصيب الأوفر، غير أن بوتين أصابهم في مقتل بقرار الإنسحاب في الوقت الذي بدأ فيه المعسكر الآخر بتصعيد لهجته منذ حوالي شهر وهدد بالتدخل المباشر في سوريا، وأتبع ذلك بخطوات عملية في إبرام تحالف واسع مناهض للإرهاب وأجرى في الأسبوع الفائت أضخم مناورات عسكرية تشهدها المنطقة وبأوسع نطاق من حيث عدد الجيوش المشاركة على الإطلاق.
لا يعوِّل عاقل في مثل هذا الأحداث على الأسباب المعلنة. البروبغنداعادةً تسعى الى التمويه على الواقع وتخفي الحقيقة وتهدف اساساً الى تبرير وتصويب وتجميل الموقف أمام الرأي العام  لخدمة صانع القرار وإظهاره بالمظهر الذي يريده ويليق به كحكيم ومنتصر. في قرار التدخل يوم ٣٠ أيلول ٢٠١٥، ولإضفاء الشرعية على موقف بلاده،  قال بوتين أنه جاء بطلب رسمي من الرئيس السوري، وعندما أدان المجتمع الدولي المناهض، وهو بالمناسبة الأغلبية الساحقة، الوقوف الى جانب رئيس يقتل شعبه ويشرد نسائه وأطفاله، رفع راية محاربة الإرهاب، وعندما واجهوه بحقيقة أن ٩٠٪ من مجهوده الحربي يستهدف المدنيين العزل والمعارضة المسلحة المعتدلة، إستغبى وقال بإستخفاف: دلّوني على المعارضة المعتدلة ، واتَّهم الجميع بالإرهاب، وعندما أحس أن الروس لا يفهمون قراره بالتدخل في ضوء الوضع الإقتصاد الصعب وانهيار قيمة الروبل الى النصف جرّاء العقوبات الغربية بسبب أزمة أوكرانيا وهبوط أسعار النفط قال بوتين أن هناك أكثر من ٢٠٠٠ إرهابي من القوقاز يشكلون تهديداً مستقبليا وعليه التخلص منهم هناك، وهو – أي بوتين – في كل الأحوال لم يتحدث عن سقف زمني محدد وإنما ربط وجوده في سوريا بالقضاء على الإرهاب.
الآن يقول بوتين أنه حقق معظم أهدافه وقتل أكثر من ٢٠٠٠ إرهابي وأنه يوفر أرضية مناسبة للمفاوضات والتوصل الى حل سياسي وأنه تفاهم هذه المرة أيضاً مع الرئيس السوري الذي سارع الى إصدار بيان فوري يقول فيه أن روسيا تعهدت بالبقاء الى جانب بلاده في مكافحة الإرهاب.
أما الحقيقة الساطعة فإن الشيء الوحيد الصحيح في بيان الكرملين والذي لن يختلف فيه أحد هو رقم القتلى، نعم لقد قتل بوتين أكثر من ألفين خلال اكثر من ٩٠٠٠ غارة جوية وقصف بصواريخ عابرة للقارات، إلا أنّ أغلبهم كانوا من المدنيين السوريين ومقاتلي المعارضة السورية والقوقازي الوحيد الذي أُعلن منذ أيام عن مقتله أو إصابته ودخوله في موت سريري، المدعو أبو عمر الشيشاني فقد نال منه أوباما وليس بوتين. 
ما عدا ذلك فإن الإرهاب في سوريا على حاله، بل أن الدولة الإسلامية “داعش” حققت الكثير من المكاسب على حساب المعارضة السورية المسلحة بمساعدة مباشرة أو غير مباشر من الطيران الروسي، وحليف بوتين لا زال مهددا والمعارضة لا تقبل بديلا عن رحيله حيّاً أو ميِّتاً، وكان بوتين على مدى خمس سنوات من حرب بشار الأسد على شعبه  هو المعطل لأي حل سياسي، والقوقازيون على موعد معه قريب[email protected]