23 ديسمبر، 2024 2:38 م

اندحار الدهاء السياسي وانتصار الحق – آل الصدر أنموذجا

اندحار الدهاء السياسي وانتصار الحق – آل الصدر أنموذجا

والله ما كان معاوية بأدهى مني لكنني اخاف الله ، وضع الامام علي عليه السلام في سياق هذه المقولة قاعدة اساسية نركن اليها في الكشف على قدرة السياسة عندما تتجرد من مخافة الله تعالى كيف تذهب في مذاهب شتى من خلال قدرتها على التملك وتحريف الحقيقة ، والمطلع على الحوادث التي دعت امام الموحدين الى ترصين موازين حكمته هذه، يعرف كيف استطاع معاوية ان يغتصب السلطة وان يخدع الناس في الشام من خلال ايهامهم ، بانه كاتب الوحي وانه الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه واله ، بل الى قدرته على تشريع شتم الامام علي عليه السلام على المنابر بعد الفراغ من الصلاة ، ووصل به الدهاء الى الشطب على تاريخ باكمله من خلال رسالته التي حملت دلالة واضحة في اشارتها الا انني احكم رجالا لا يفرقون بين الناقة والجمل ولا يعرفون من هو عمار بن ياسر ، وهذا هو المقصود بالدهاء الذي يحمل القدرة على محو تاريخ باكمله والى استعمال وسائل هذا الدهاء في تجهيل مجتمع باكمله سار على خطى معاوية سنين كاملة وضعت اساسا لدولة قوية آلت الى أسفه آل أمية يزيد بن معاوية .

لكن الى أي مدى بقي ذلك الدهاء يمارس قدرته التجهيلية على المجتمع ؟ الجواب على ذلك ان الدهاء تلاشى مع خروج الحسين عليه السلام ، الذي اثبت ان مخافة الله سبحانه هي القدرة الحقيقية في ابطال سحر الدهاء مهما كانت قوته وتأثيره ، وان الدهاء مهما عاد بلبوس اخرى فلا بد ان نواجهه بمخافة الله حتى لو طال امد ذلك .

ان هذا هو الدرس الحقيقي الذي تعلمناه من الامام علي عليه السلام الذي وجه رسالته الكبرى وفهم دلالتها الامام الحسن عليه السلام الذي كان سببا في هد ركن قوي من اركان دولة الدهاء ، وبعده كان الامام الحسين عليه السلام الذي اجهز على دولة الدهاء بمخافة الله اقتداء بابيه واخيه عليهما السلام ليصنع ملحمة الشرف لمن اراد السير على نهجهم ، والسائرون على هذا النهج كثيرون ممن ضحوا بحياتهم ، لكنهم أدوا رسالتهم وحققوا الانتصار الكبير في تأكيد هذا الدرس التاريخي لامام الموحدين وابنيه عليهم السلام .

لا نريد ان نستعرض تاريخ صراع الحق مع الباطل وانتصار الحق عليه ، عبر استعادة سرد التاريخ ، لكن ما نريده هو ان نتخذ من التاريخ ، تمهيدا ننطلق منه لنكشف عن قدرة الدهاء في عودته من جديد بلبوس اخرى اشد بكثير من تلك اللبوسات التي لبسها في الماضي ، فقد تطورت اساليب الدهاء في امتلاكها للثورة ووسائل الاعلام المنتشرة بكثرة والتي لا يستهان بها في تسهيل عمليات التجهيل والسيطرة على الوعي الاجتماعي وايهامه بمرويات زائفة على انها الحقيقة الوحيدة التي يجب الاذعان لها ، وقد حدث وان نشرت وسائل الاعلام سحرها الخفي في نصرة الباطل ، لكن السؤال الاهم هو هل سيدوم ذلك السحر في السيطرة على الوعي الاجتماعي ؟ تلك هي الحكاية التي سنرويها والتي نحتكم بها الى التاريخ الذي سيخبرنا بل انه اخبرنا بدون شك ان الدهاء ومهما بلغ مبلغا في التطور ومهما عاود ظهوره بلبوسات اخرى فانه سيؤول للمصير ذاته ، أي الى مصير انتصار كلمة الحق المضمنة في تلك الكلمة العظيمة (الخشية من الله ) وهزيمة الباطل المحتمي باساليب الدهاء الممونة بمصادر الثروة وتقنيات الاعلام التي اصبحت اليوم هي المسارد التي يستقي المجتمع ثقافته منها.

نختصر الزمن لنبدأ بحكاية لم يطل بها الزمن هي حكاية آل الصدر التي بدأت مع الشهيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى ، وتلك حكاية لم ينكر مأساويتها حتى المزيفون والانتهازيون من الساسة والمتحزبين المتخفين بالدين ، كما انهم لا يستطيعون نكران مدى وطنية تلك الحكاية وذهابها باتجاه اعلاء كلمة الله ومحاربة قوى الشر ، الذي انتشر في اتجاهات عدة مثلها النظام الفاشي البعثي الذي بدأ يحاول بكل اساليبه قمع انتشار كلمة الحق ، وكاد ان يفشل في مراميه لولا ان حدث ما لم يكن متوقعا في خروج جبهات من داخل الاجندة الدينية والحوزوية التي حاربت افكار الصدر فكانت محنته الكبرى التي ادت الى استشهاده واخته العلوية على ذلك النحو المريع المعروف ، وبذلك اطمئنت سلطة الجور ، ولكن كما ان الدهاء يعاود ظهوره فان حملة الحق ومبطليه يعاودون الظهور ايضا ، ليحدث ما لم يكن متوقعا لدى السلطة في ظهور عملاق الحق السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر الذي اربك كل معادلات السلطة والتي حاولت ان تجرب الاسلوب ذاته المتبع مع السيد الصدر الاول في تجنيد الحوزات الدينية في محاربتها الجائرة ضده ، وبالفعل كانت الحرب هذه المرة اكثر شراسة الى الحد الذي وصل فيه ان توجه الاتهامات الى السيد الصدر بانه من اتباع النظام البعثي ، وربما ان تلك الفرية لم تنته الا مع استشهاده على ايدي حزب البعث الكافر ، لكن رسالة السيد الصدر التي غيرت الواقع العراقي تماما ومنحته وعيا جديدا في معنى الحرية والايمان بالمبادىء الكبرى ما زالت سارية ، وما زالت شفراتها يعرفها المقربون لديه ، فرسالة السيد الصدر كانت تهدف الى الاطاحة بنظام البعث وهدفها الاكبر موجه الى الامبريالية العالمية التي تربت باحضان امريكا .

اذن الحكاية لم تنته بانهيار النظام البعثي ، بل انها ستبدأ مع هذه النهاية ودخول امريكا الى العراق وهي مطمئنة وواثقة بدهاءها وان الارضية مهيئة لها لتنفيذ اجنداتها الخبيثة في امتلاك العراق كليا ، ومرة اخرى يظهر عملاق للحق اخر هو السيد مقتدى الصدر وريث ابيه في امتلاك الشجاعة التي لا تعرف المهادنة مع اعداء الله ليربك هذه المخططات ويفشلها تماما وليجبر قوى الشر على الاندحار ، لكن الحكاية ذاتها تتكرر ويتطوع فيها جيوش الباطل التي خرجت من كنف الدين والحوزات العلمية والاحزاب الدينية لتجند وسائلها الاعلامية في تقزيم صورة السيد مقتدى والافتراء عليه في مواطن شتى ، ولربما نجحت في التأثير على وعي شريحة اجتماعية كبيرة تحت ضغط الحاجة والوعود الكاذبة وهي كثيرة ، ولكننا نراهن على انكشافها ونهايتها لان قاعدة السيد بدأت تكبر ومريديه في تكاثر مستمر ، وتلك حقيقة سلنمسها متى وضعت الامور على المحك .

الحكاية اذن لم تنته بعد وسوف نسرد يوما ما ملحمة انتصار الحق وانهيار الدهاء السياسي ، تلك حقيقة يعرفها جيدا من امن بالسننن التاريخية وقوانينها الثابتة التي تخبرنا كلما اذعنا لليأس بان الحكاية هي التي ستنتصر اخر الامر …. والى حكاية اخرى اذن .