لانهدف هنا إلى إلقاء دروس في الأخلاق الفاضلة أو تدبيج موعظة في القيم السامية ، إلا أن هذه السطور القليلة قد تم استيحاؤها أولاً من الشاعر العبقري شكسبير الذي يقول:- بأن البعض يرتفعون عن طريق الرذيلة والبعض يسقطون عن طريق الفضيلة.
قد تبدو هذه المقولة متشائمة وفي غاية السلبية ، إلا أن الراصد الموضوعي المدقق والمبتعد عن التفاؤل الواهم لابد أن يصل إلى البرهان الساطع بصحة ماذهب إليه الشاعر الإنكليزي وعلى الخصوص في المجتمعات المنحسرة المنغلقة التي تسودها القيم المغلوطة وتشيع فيها أسباب الفساد والتدهور والتخلف بجميع صنوفها وألوانها أكانت اجتماعية أم سياسية ام دينية…
فالمجتمعات المتخلفة الفاسدة ، وحيث أنها تروج بل وتؤجج من دواعي الفساد وتكرس القيم المعكوسة فإن المرء إذا ما عنَّ له في مثل هذه المجتمعات محاولة التمسك بأهداب الفضيلة والاستفادة والأمانة والصدق في القول والفعل ، فإن الفئات المهيمنة هي لاشك كفيلة بسحقه لأنه يمارس الانسجام مع متطلبات المجتمع المنحدر ، فهو لذلك ممهور بالشذوذ والمثالية السابحة في آفاق الوهم بل إنه يعتبر عقبة كأداء أمام أصحاب السطوة الغارقين في بحور النفعية الفاسدة بكل ألوانها المسلكية والمدعومة بالرياء والتقلب والادعاءات الشاطحة الكاذبة.
إن نظرة واحدة على مجتمعنا العراقي في جميع الاتجاهات الجغرافية منها والمذهبية ، فإنك لن تشاهد إلا مايبعث في النفس كل ألوان اليأس والخيبة والتعاسة. فابتداءاً من العقود الماضية وانتهاءاً بالعقود القائمة فإن العراقي قد عانى ومايزال يعاني ألواناً من العذاب وصنوفاً من الآلام ، أي منذ أعوام الاتحادات والوحدات وانتهاءاً بالانقسامات والاعتداءات . فلاالقومية أسعفت ولاالاشتراكية أنجدت ولاالديمقراطية المأمولة أفلحت ولاالمرجعيات الدينية أعانت بل كانت جميعها هباءاً وغثاءاً لاخير منها ولارجاء.
فالدعوات القومية أثبتت بأنها أحادية سلطوية جائرة ، والاشتراكيات المزعومة كانت واهمة لاأساس لها ولاسند من فصل أو واقع ، فكان الفساد والأنانية والسلطوية هي مادتها ، مهما كانت التسميات والعناوين.
ومن المؤسف أن الراهن المأزوم قد توغل في التدهور والانحطاط فانقلبت الموازين أكثر فأكثر بصورة مفجعة بعد أن كان البعض من ذوي النيات الحسنة يراودهم بعض التفاؤل وخاصة بعد الانفراج( المنفذ ) الديمقراطي النسبي . فما كان من هذا التوجه الجديد إلا أن استشرى فيه الفساد وغدا الصادق الأمين مجذوباً ، والسارق عظيماً مبجلاً وعلى كافة الأصعدة تقريباً من شعبية أو رسمية ، بل أصبح الفساد مقنناً عندنا له دعاته ومروجوه ومعتنقوه.
قد نأخذ على الغرب عامة وعلى أعدائنا خاصة بأنهم لنا ظالمون ولايعرفون العدل تجاهنا وتجاه قضايانا لأنهم كما نقول يكيلون بمكيالين ويتعاطون حيالنا بميزانين سواء في أقوالهم وفي أفعالهم . ولاأدري كيف تكون لدينا الجرأة والشجاعة أن ننحى باللائمة على الأغراب والأعداء لأنهم لاينصفوننا ولايعيرون عدالة قضايانا احتراماً أو تقديراً ، أي لاأدري كيف نعتب على هؤلاء الأغراب الأعداء ونؤاخذهم ليل نهار ونحن في العراق سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو القطري لانكن لبعضنا إلا الكراهية والتآمر والدسيسة بالرغم من كل الأصوات الصاخبة ونجوم الادعاءات المزيفة بأن العراقي هو أخ العراقي والسني هو شقيق للشيعي . فما أوسع الهوة بين الأقوال والأفعال ، وكم البون شاسع بين الحقائق والأكاذيب ، وهي التي تثقل آذاننا صباح مساء ، وتعمي أبصارنا وبصائرنا من غير تعب أو كلل أو ملل.
[email protected]