في يوم 28 /1/2015صوت مجلس النواب العراقي على الموازنة لدولة العراق لعام 2015، وشاهدنا الفرح الكبير الذي بدا على محيا رئيس مجلس النواب العراقي وهو يقول انهم حققوا انجاز كبير لم يحدث منذ عام 2003 بان تم التصويت على الموازنة في الشهر الأول من سنة 2015 ولا اعرف ما هو الإنجاز في ذلك، بخاصة، ان التصويت على القوانين من اهم مهام وواجبات مجلس النواب ولا يدخل في خانة الانجازات، اضف ان الموازنة وهمية(حسب تصريح النائبة ماجدة التميمي) وفيها عجز كبير وهناك تخفيضات على رواتب كثير من الموظفين وضرائب على تذاكر السفر وكارتات الموبايل وعلى خدمة الانترنيت التي اكد احد النواب انها غير مهمة وعدها من الكماليات؛ تصوروا خدمة الانترنيت أصبحت في العراق وفي سنة 2015 كمالية ولا يعرف ان الدول المتقدمة والنامية تعتبر الانترنيت العصب الرئيسي لسير عمل حكوماتها وشركاتها وبنوكها وغيرها، أي انجاز هذا الذي تحدثت به رئاسة مجلس النواب والشعب العراقي يعاني من وضع اقتصادي خطير فيه من الصفحات القادمة ما ينذر بالاسؤ، كنا نتمنى ان يكون الإنجاز بان يقوم مجلس النواب بتشريع كل ما يؤسس للحياة العصرية الشفافة من خدمات وبنية تحتية رصينة بكافة اشكالها، او بتشكيل هيئة برلمانية عالمية بالاشتراك مع كافة برلمانات العالم وبخاصة، التي تم غسل الأموال العراقية في بلدانها لأجل استرجاع الأموال المسروقة ومطالبة مجلس الامن بإصدار قرار بالزام هذه البلدان بالتعاون في إعادة هذه الأموال الى العراق والقبض على سارقيها، ذلك ينطبق عليه وصف انجاز، لا ان يتم تشكيل لجان تحقيقية ليس لها أي قيمة قانونية لان القانون رسم لها ان تكون تقاريرها مجرد توصيات ليس لها صفة الالزام، ونتذكر ان مجلس النواب صوت على اقالة مفتش وزارة الصحة(عادل محسن) هل تم اقالته ؟ وبعدها صوت على إيقاف عمل لجنة النازحين، ما الذي حصل هل توقف عمل اللجنة؟ أيضا لم يحصل أي شيء واللجنة تواصل اعمالها وغيرها، اللجان عديدة والنتائج فقط على الورق وعلى منصة التصريحات، ان تشكيل اللجان التحقيقية بهذه الشكلية لا تؤدي الى اثار يلمسها المواطن، فقط احتواء الشارع العراقي وامتصاص غضبه وظاهرة صوتية سياسية وتكون انتخابية اذا كان وقت الانتخابات على الأبواب، ولجنة التحقيق في سقوط الموصل وغيرها، لن تؤدي الى اثار يترتب عليها احقاق الحق والقانون والجندية والمواطنة، لأنها لجنة سياسية إعلامية تتجاذبها الرؤى والمصالح السياسية ومهما توصلت من نتائج فلن يكون تقريرها ملزم للسلطة التنفيذية وبالتالي نكون قد صرفنا جهد ومال في تقارير تحمل توصيات أؤكد توصيات غير ملزمة تعلوها صبغة سياسية حزبية وقد تكون طائفية في بعض صفحاتها.
واني والله استغرب من رئيس مجلس النواب (اخي وصديقي واستاذي) والذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون ويعرف هذه الأمور جيدا ولديه تجربة برلمانية لدورتين، يسير باتجاهات بعيدة عن المعالجات الحقيقية، اليس الاجدر برئاسة مجلس النواب ان تبحث بالأموال التي صرفت لعام 2014 بدون قانون يؤطرها، وأين هي موازنة عام 2014 ماذا حل بها؟ ان هذا الامر لو حدث في بلدان أخرى كالأردن مثلا، لكنا امام جريمة كبرى تسقط من وراءها حكومات، ونسال: لماذا لم تشكل رئاسة مجلس النواب لجنة بما جاء في تقرير النائب مهدي الحافظ(الذي لم يتكلم الا بعد 12عام) وتدرسه بعناية؟ لاسيما ان التقرير يخص فساد خطير في مجلس النواب.
ويكون عمل اللجنة في هذا الجانب منتج ومثمر وينطبق عليه وصف انجاز، لأنه يعالج خروقات خطيرة تمس جسم مجلس النواب نفسه خصوصا ان النائب الحافظ كشف عن أوجه فساد مریعة في مجلس النواب، ومن بین ما كشفه الحافظ هو وجود جیش جرار من حمايات النواب یبلغ تعداده حوالي 15000 عنصر تصرف رواتبهم الى النواب مباشرة وهي خيانة للأمانة، یقوم بها بعض ممن أئتمنهم الشعب في السهر على مصالحه، ومجلس النواب یشترى لكبار موظفیه سيارات مدرعة سنویا تكون تكاليف تشغيلها أكثر من ملياري دولار سنويا، وهناك أكثر من 2500 موظف في البرلمان، 70 بالمئة منهم لا يحملون شهادة جامعية أولية، والحاجة الفعلية لمجلس النواب لا تتجاوز (700) موظف، والملفت للنظر وجود مسؤولين يتقاعدون ويعيشون في الخارج، ويستلمون رواتب ثلاثين حارسا بقيمة 40 مليون دينار شهريا إضافة الى رواتبهم ومنافعهم الشخصية.
ان ذلك سطو على الأموال العامة من نواب الشعب ويجب التصدي لهذا البهتان والتزویر وعدم الحیاء ونهب الأموال والضحك على الذقون.
المخزي والمؤسف ان يظهر نواب في ليلة التصويت وعلى القنوات الفضائية وكلامهم يشوبه تلكؤ في الاصطلاحات والعناوين الرسمية (( والامام علي عليه السلام يقول: تكلموا تعرفوا والمرء مخبوء تحت لسانه)، يؤكدون انهم لم يستلموا نسخ من الموازنة، اذن كيف صوتوا؟ ان ذلك الامر والله كارثة لو أردنا ان نقارنه بعمل البرلمانات الأخرى، كيف لبرلماني يمثل الشعب ان يقوم بالتصويت على موازنة لم يقرأها، وهي أموال الشعب أي مال عام له حرمته، ووظيفة النائب أخطر من وظيفة القاضي الذي توعده الباري عز وجل بأقصى العذاب ان هو لم يعدل فالقاضي إذا لم يعدل في قضية يكون قد ظلم أحد المتخاصمين، لكن النائب إذا أخل بواجباته يكون قد أخل بحقوق شعب كامل، فهل هناك مسؤولية أخلاقية وقانونية واجتماعية ودينية اخطر من ذلك؟
لكننا نشاهد على القنوات الفضائية برلمانيين لا يعرفون للمسؤولية مضمون وخائنين للعهود ولا يعرفون الا زيادة صفر بجانب رقم حساباتهم ولديهم حماسة فائقة في التسقيط السياسي وحياكة التهم والدسائس فيما بينهم، جراء سيطرة النزاعات والارادات غير الوطنية ما أفقد المجلس هيبته ودوره الكبير في ادارة البلاد، ان صوت أكثر نوابنا اصبح صوتاً لنشر الأكاذيب ولم يجعل رسالته في الحياة القضاء على دس الدساسين وسلطان المستبدين ووقف الظلم، ان تصريح النواب يشير بالدليل القاطع انها موازنة رؤساء الكتل السياسية بامتياز.
اين ذهب بمبلغ ال 800 مليار دولار من ميزانيات العراق في السنوات الثمان الماضية فقط؟
لذا هناك موجب بان يتم اجراء تعديل على الدستور وبالذات المادة 60 والنص على ضرورة اطلاع الشعب على مشاريع القوانين وضع اليات وضوابط دستورية لضمان شفافية عمل المجلس.
صورة حزينة تعكس مأساة العراق الحقيقية في عدم وجود شخصيات ذات قدرات فكرية وسياسية متميزة في مثل هذه ألاماكن قادرة على بلورة معاناة الشعب العراقي ورسم طريق لأداره الدولة بفن ومهارة تذلل العقبات وتسهل مرور المعالجات التي تحتاجها المطالبات الشعبية، وصراع الكتل والبحث عن المكاسب وتحقيق الانتصار كل على الاخر أسهم بشكل رئيس في تعطيل عمل المجلس، لقد غابت للأسف الشخصية البرلمانية الوطنية التي تدافع من اجل بناء المواطن والوطن.
اني اسال استاذي العزيز(د سليم الجبوري) هل نحن نسير في خطوات بناء الدولة المدنية واستكمال البناء المؤسسي لأركان الدولة؟ فاذا كان الجواب نعم: نقول كيف لنا ان نشرع بتخصيص أموال في موازنة لهيئة ليس لها قانون او اطار دستوري ولا تمتلك الا قرار تشكيلها من حكومة تصريف اعمال في وقتها، اي لا تمتلك حق تشكيل أي هيئة، خصوصا انك يا استاذي العزيز لديك تصريح عندما كنت رئيس لجنة حقوق الانسان تقول فيه(ان قوات سوات جسم غريب على الأجهزة الأمنية..)والمؤسف ان يخرج برلماني من كتلتك ويهنئ ناخبيه بانه تم تخصيص أموال للحرس الوطني من أموال هيئة الحشد الشعبي(اننا نقدر جهودها في مساندة الجيش العراقي لكني اتحدث من ناحية قانونية فقط) اليس هذا الامر مضحك، كيف يتم ادراج مادة داخل فقرة الأموال المخصصة للحشد الشعبي، بان يتم تحويل الأموال الى الحرس الوطني في حالة اقراره، واني استغرب كيف يتم سن مادة مبنية على فرضية قد تتحقق وقد لا تتحقق؟
وسؤالي كيف يتم سن قانون الحرس الوطني (المخالف للدستور لعدم ورود جملة الحرس الوطني في الدستور النافذ) قبل ان يتم سن قانون العفو العام لاسيما ان أساس وهدف تشريعه هو لانضمام أبناء محافظات (الموصل والانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وحزام بغداد) وهذا حسب ما صرح به اتحاد القوى الوطنية، وهي محافظات كانت المظاهرات فيها عارمة وحصل بعدها حمل للسلاح من عشائرها وانضمامها للمجاميع المسلحة ومنهم من انظم الى داعش والقاعدة وغيرها من مجاميع خارجة عن القانون، فالأولى ان يتم اصدار عفو عام عن هؤلاء، حتى نضمن التحاق هذه المجاميع المغرر بها او التي انضمت تحت سطوة الظلم والتعسف الذي كان يمارس عليها الى منظومة الحرس الوطني، فالأحرى والأولى ان يتم تشريع قانون العفو العام لأجل ان يكون حافز لهؤلاء لرمي السلاح وعدم محاربة الدولة والالتحاق الى الحرس الوطني، فنكون قد ضمنا توفر أرضية شعبية ووطنية ملائمة لالتحاق اكثر عدد به وهو المطلوب ليكون سلاح فعال في محاربة داعش.
واني اسالك يا استاذي العزيز ومعك نواب ديالى والمحافظات الأخرى، وبعيدا عن القفز على الحقائق وتحريف الوقائع، هل انصفت محافظتك التي ترتكب فيها جرائم إبادة جماعية أسبوعيا وانت رئيس مجلس النواب؟ هل استطعت ان ترجع أبناء محافظتك النازحين في الصحارى والفيافي الى بلداتهم ، مع العلم قسم منها تم تحريرها منذ شهور؟
وردود افعالك حسب ما قال احد البرلمانيين لا يتعدى بيانات واتصالات ولقاءات شكلية لم تحقق أي نتيجة لأهالي محافظتك لان الاجندة اكبر منك ومسلسل القتل الجماعي والتهجير ماضي بدون توقف وانته تعرف ذلك لأنك أصبحت رئيس مجلس نواب بصفقة ابطالها أنفسهم من يرتكبون الجرائم في محافظتك، انكم تخافون ان تذكروا بطل هذه الجرائم وتعرفونه جيدا لأنكم تخافون على مكاسبكم ونفوذكم الذي لا يتعدى اسوار مكاتبكم وموظفيكم، اني اسالك واناشدكم بالله الواحد القهار لماذا لم تعلن استقالتك وانته رئيس مجلس نواب سيكون له صدى كبير وطنيا وعربيا ودوليا، وسيكون له اثر على توقف هذا المسلسل وتعديل مسار العملية السياسية، اما ان تستمر في عملك تحت ذرائع كاذبة وتبريرات وهمية لا اريد ان اذكرها لأنها أسطوانة لا تعمل الا وفق رؤاكم، وستكون مشارك ومعك النواب البقية في هذه الجرائم، وفق قانون العقوبات العراقي وانته خير من يعرف ذلك.
واذكر تصريح للنائب محمود عثمان من التحالف الكوردستاني (ان من بين اسباب اخفاق المجلس في تشريع قوانين مهمة غياب الارادات الوطنية وسيطرة زعماء الكتل على النواب وتسيس ابسط الامور ما ادى الى تعطيل دور المجلس خلال السنة الماضية) .
وأخيرا، اني اناشد رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب(بخاصة رئيس مجلس الوزراء والتحالف الوطني) بان يطرحوا مبادرة المصالحة الحقيقية مع جميع الزعماء السياسيين حتى المطلوبين للقضاء خصوصا من كانت أساس اتهاماتهم سياسية وان لا ينأى بنفسه عن ذلك بحجة هناك ملفات قضائية، يرافق ذلك ومهم جدا، التفاوض مع كافة المجاميع الإرهابية ومنها داعش وهذا ليس بغلط(لاسيما المرجع الكريم اليعقوبي أشار لذلك منذ فترة)، وبعيدا عن المثاليات؛ لان الرسول (ص) قد تفاوض مع الكفار، والتاريخ يسجل مئات الحالات التي دفعت بالمسؤول الحكومي؛ ان يتفاوض مع القتلة والمجرمين لأجل درء المفاسد والقاعدة الفقهية تقول (عند وجود المفاسد والمصالح وتزاحمهما يعمل بتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، وان تزاحمت قدم أهمها وأجلها، وإن فاتت أدناهما وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عطل أعظمها فسادا باحتمال أدناهما).
والدماء الزكية التي تذهب يوميا غالية، والأموال التي يخسرها العراق وصلت الى اكثر من ثلاثون مليار منذ ازمة داعش ونهر الدم جاري بلا انقطاع، فمن الأفضل والله والله التفاوض معهم لأجل حفظ الأرواح والأموال وابعاد خطر وسوء هذه المجاميع الإرهابية خارج بلادنا؛ لأننا خسرنا الكثير الكثير وسنخسر اكثر اذا استمرينا في العمل العسكري الذي يسطر يوميا دماء واموال وخراب بيوت وممتلكات ونفوس وتفكيك للبنية الاجتماعية والإنسانية بطريقة ادت وستؤدي الى حواجز لا يمكن تجاوزها، خصوصا اذا تم اقتحام المدن المسيطر عليها من داعش، لأننا سنخسر أرواح مدنية بريئة وارواح مقاتلينا وسنخرب مدن بكاملها.
ونؤكد على ضرورة ان يفصل النواب بين المصالح الشخصية والصراعات الحزبية، وعن المصالح الوطنية والقومية.
ونختتم مقالتنا بقول للأمام علي (ع) القائل (واللهِ لو أعطيتُ الأقاليم السبع وما تحتَ أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته).