أتخطر إذا لم تخذلني ذاكرتي الضعيفة فقد حصل بعد انتخابات مجلس النواب في دورته السابقة وحسب ما جرت العادة في تقاسم المناصب بين الكتل السياسية الكبيرة الفائزة فقد شغل منصب رئيس البرلمان السيد أسامة النجيفي بعد كثير من المماطلات والشد والجذب والخلاف والاختلاف على توزيع المناصب بين المعنيين وتدخل الجهات الطيبة المعروفة للجميع بنواياها الحميدة والتي تعنى بالشأن العراقي بوساطاتها الخيرة والنبيلة المعهودة وبعد التصويت الشكلي الذي لابد منه في جلسة البرلمان ليكتسب الصفة الشرعية والدستورية , كما أتذكر فقد عاد الخلاف بين الكتل السياسية من فوره بعد إشغال منصب رئيس وزراء العراق من قبل السيد نوري المالكي وكان من المقرر استحداث منصب جديد للسيد أياد علاوي رئيس القائمة وعلى أثره انسحب بعض ممثلي الكتل السياسية ومن بينها ممثلي القائمة التي كانت تسمى آنذاك بالعراقية ومن بينهم السيد أسامة النجيفي ولكنه بعد لحظات عاد إلى كرسيه وقال حينها انه الآن ( وقت إذ ) انه أصبح يمثل كل العراقيين بكل طوائفهم العقائدية وانتماءاتهم السياسية واختلافاتهم العرقية والقومية وبذلك تجاوز طائفته ومذهبه ومنطقته وحينها تصورنا إن هذا الموقف هو نقطة جيدة تحسب له وبداية حميدة لعمل المؤسسة التشريعية الأولى والاهم في الدولة العراقية وان العراق سيشهد مرحلة مهمة في تشريع القوانين التي نحن كشعب بأمس الحاجة إليها خصوصا وإننا قد عانينا من غياب الدستور الدائم لفترة قاربت النصف قرن ونحتاج لبناء دولة قوية تعتمد على قاعدة متينة لكننا شاهدنا العكس فقد انشغل الجميع ومنهم السيد النجيفي بالخلافات التي انتهت بضياع ثلث مساحة العراق ومن بينها محافظته التي ينتمي إليها وطائفته ( رغم عدم احترامي الشخصي لهذا التعبير) التي كثيرا ما ارتفع صوته مناديا بمظلوميتها وهدر حقوقها .
تلك مقدمة نحتاجها للحديث عن مجالس المحافظات كإحدى الممارسات الديمقراطية حيث سعت الدولة العراقية الحديثة إلى تشريع قانون لمجالس المحافظات وعملت على أن يكون مؤسسة رقابية وتشريعية وتقويمية لمتابعة عمل الحكومات المحلية في المحافظات ولا جدال في هذا انه يحقق غاية نبيلة يدعمها كل من يخلص لانتمائه إلى تربة هذا الوطن الغالي شريطة أن تمارس هذه المجالس عملها بعيدا عن الولاء الحزبي والطائفي والانتماء الذاتي لعضو مجلس المحافظة وخارج حدود كتلته التي رشح وفاز من خلالها رغم إدراكنا لما يتوجب عليه من دور في الوفاء إليها ورغم احتفاظه في حقه في مراجعة حساباته والاستعداد للدورة الانتخابية المقبلة .
إن من أهم دواعي التظاهرات التي تشهدها محافظات وسط وجنوب العراق ناتجة عن إفرازات سوء أداء اغلب أعضاء مجالس المحافظات ( مع شديد احترامنا لهم جميعا ) لعدم الإعداد الكافي وما يتمتع به العضو من غرور وتعالي أبعده عن جمهور محافظته واضعف تواصله مع قاعدته الشعبية ومعاناتها اليومية والمشكلة تكمن في فهم الدور الذي يجب على عضو مجلس المحافظة القيام به في خدمة محافظته من خلال تخصصه العلمي الأكاديمي من جهة ومن خلال ما يمكنه أن يقدمه من مجهود يساعد في إنماء وتطور مجتمعه من جهة ثانية والتعاون مع زملائه في المجلس من جهة أخرى وفي تمثيلهم جميعا لكل أبناء المحافظة دون استثناء بغض النظر عن المصوتين له أو المعارضين وبخلافه وهذا ما حصل فعلا فانه ( أي عضو مجلس المحافظة ) لن يتمكن مطلقا من تمثيل الجميع وبالتالي فانه سيكون عبئا ماليا ثقيلا على ميزانية المحافظة أثناء دورته الانتخابية وبعدها بما سيتقاضاه من رواتب تقاعدية وامتيازات يوفرها له المنصب لا على أساس استحقاقه الوظيفي وسنوات خدمته وما يمكن أن تساهم الأموال التي سيتقاضاها في إعانة مجموعة كبيرة من العوائل المتعففة المسجلة في دائرة الرعاية الاجتماعية وهي بحد ذاتها تمثل هدرا في طاقاته الشخصية يمكن الاستفادة منها فيما إذا أعيد للعمل في دائرته الأصلية ناهيك عن الامتيازات المعنوية والمادية الكبيرة التي يحصل عليها العضو وفق القوانين المرعية ويمكن أن نتصور حجم الإنفاق الهائل إذا تصورنا أعداد أعضاء مجالس جميع محافظات العراق .
وفي كل الأحوال فان نسبة تمثيل أعضاء مجالس المحافظات وفي ظروف كالتي يمر بها العراق العزيز هي عالية وعالية للغاية لا تتناسب مع ما تنجزه هذه المجالس من مهام إضافة إلى إن اغلبها على خلاف مستمر في داخلها وفقا لانتمائها الكتلوي ومجتمعة على الخلاف مع الهيئات التنفيذية في المحافظة لا على الأداء والإخلاص فيه للمصلحة العامة بل على أساس مصالح الكتل التي تمثلها حتى وان كانت ضمن تحالف واحد أو على المصالح الفردية الخاصة مما يؤدي حتما إلى سوء الإدارة وعرقلة انجاز المشاريع الخدمية أو الاستثمارية في المحافظات ومن الطبيعي فان هذا له تأثير مباشر على مستوى دخل الفرد خصوصا في القطاع الخاص بالإضافة إلى هدر المال العام .
وبالنظر لوجود هيئات استشارية متخصصة ترتبط بالسلطة المركزية فان وجود مجالس المحافظات يعتبر حلقة فائضة لا يشكل الاستغناء عنها أي تأثير في العملية الإنمائية للمحافظة الواحدة أو لجميع العراق ويمكن الاستعاضة عنه من خلال تشكيل يتمتع بسلطة تشريعية محدودة يضم جميع مدراء الدوائر في كل محافظة ويمكن إن يطعم بأفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد من الشخصيات الاجتماعية العامة الموثوق بها وممثلي الأحزاب السياسية العاملة في الساحة المحلية يجتمع دوريا ويمكن لهذه المجالس الاستفادة من الخبرات الجامعية التي أصبحت تغطي جميع المحافظات كاستشارة علمية أو فنية أو حتى رقابية عند الحاجة .