23 ديسمبر، 2024 2:43 ص

انتماءاتنا ملاذنا 

انتماءاتنا ملاذنا 

بعض الأمور وإن لم نسلم بها من الناحية المبداية لكنها خيار واقعي ومفيد إلى أقصى درجة ، لا تستطيع الدولة بسبب تناقضات الحالة السياسية ،  ضبط المزاج العام للمجتمع، وفرض القانون بمجمله على سلوكيات الناس. .برغم أن هذا القانون نافذ وساري المفعول ، ولايمكن بأي صورة او حال تجاهله، لكن القانون يضطر للتراجع   درجة ،بسبب قلة فاعليته في مجتمع جعلته ظروف معينة لأن يكون ساكن وغير منتج لضروراته ، بعبارة أخرى أن مصالحه المترتبة وفق حركة ونشاطات السوق وتلبية مطالبه تكون أشبه بالمعطلة، وهذا يعني أيضا اضطرار الدولة إلى القبول بتوزيع الثروة المتاحة مهما كان مصدرها  على الناس حفاظا على وجودهم، كما هو الحال بما تقوم به الدولة العراقية من عملية توزيع الثروة “عوائد النفط ” على قوائم الموظفين والمتعاقدين معها والمتقاعدين ،ما يعني أن وجودهم في سلالم الدرجات الوظيفية لا يعني كثيرا الحاجة إلى مهاراتهم أو مؤهلاتهم أو خبرتهم أكثر من عملية حصة فردية من الثروة استلزمت نظاما للتوزيع، ويعني أيضا  عدم الضرورة لقيادات بكفاءات عالية ومدربة  ،اذ بإمكان أي كان التصدي لأي منصب أو درجة وظيفية معينة اعتمادا على علاقاته بمصدر أو سلطة القرار.  وهذا يعني أيضا أن النزعة السلوكية العامة سوف تكون نزعة استهلاكية محضة ما يجعل العلاقات الاجتماعية لا تعير أهمية للآخر في حياتها، لأن السلع الموجودة في السوق لا يساهم فيها المجتمع وأفراده بأي شيء، إذ يتحول السوق وبضائعه إلى عرض كامل لكل المنتجات التي يمكن استيرادها وتلبي الحد الأدنى من الاحتياجات بما فيها الطماطة والخبز. وفي بلد تنزع الدولة إلى احتكار مجمل الخدمات التي يحتاجها المجتمع، فان هذه الخدمات لا يمكن إنتاجها بالشكل الكامل لأن العاملين فيها خاضعون تماما لنفس المبدأ في تساويهم باستلام الأجور ونزعة الاستهلاك،ما يعني هذا إصابة هذا القطاع المستزف للكثير من الثروة الوطنية بالفساد والانتهاك وبالتالي الضعف في تقديم الخدمات أو ربما شللها كالامن والصحة والكهرباء والتعليم. …الخ وانطلاقا من المبدأ الاقتصادي التالي إن “النزعة الاستهلاكية” عبارة عن قوة ناشئة من السوق تتسبب في إفساد الأفراد وإلحاق الضرر بالمجتمع، فان هذا المجتمع متجه لا محالة نحو التفكك معبرا عن حاله بواسطة التكوينات ذاتية الحماية بدءا بالعائلة والعشيرة والطائفة والدين والمنطقة، لتكون معادلا حيويا لضعف القانون في حماية الجميع، بالنتيجة سوف تكون صفة “المواطنة” مدعاة للتهكم في حال ذكرها في الذهن أو في او الحلقات الخاصة. 
لكن هذه التكوينات البديلة ، لا تلغي الدولة  أو بعبارة أصح لا تريد أن تلغيها لأنها مصدر المال، ما يضطرها إلى القبول بالقانون ومواده بما يضمن استمرار شكل الدولة وتثبيت الممتلكات الخاصة بواسطة قوانينها. .لأن هذه التكوينات تدرك بيقين أن مسألة تفوقها على قوة الدولة وسلطتها هي مجرد فراغ تاريخي، ولهذا فهي تسعى إلى تجيير كل ما له صلة بتثبيت مواقعها ومستقبلها من خلال قانون الدولة ، وهذا ما يفسر سعي مراكز القوى على تشريع قوانين لا علاقة لها بالمدنية كالقانون الذي نظر له النائب محمود الحسن..فهو وفق هذا لا يعني الخمر ومنعه بقدر حرصه على بقاء واستمرار الوعاء الثقافي بهذا المستوى ليضمن إعادة فرصة وجوده بالسلطة. 
إذن نحن أمام حالة واقعية تقسرنا على القبول بأن هذه التكوينات هي ملاذنا الموضوعي للاحتفاض بحياتنا ككائنات نعيش بقطعان أو جماعات. .وبالتالي نحن متوازنون كوننا ننتمي إلى عائلة وعشيرة ومذهب ودين. .خلاف هذا نحن اموات لا محالة. ينسحب هذا على تمثيلنا السياسي. .بمعنى أنني أنتمي إلى عشيرة انا فاعل فيها ومستعد للمشاركة في الذود عنها ومنتمي إلى مذهب ومستعد للدفاع عنه مهما كانت درجة ايماني بهذا أو ذاك وخلاف هذا انا غير محمي تماما وربنا هالك. فهل امتلك بعد هذا أن اختلف مع فصيل مسلح يمثل بديلا حقيقيا للدفاع عني. .لا يمكن طبعا. ..الصورة تبدو هكذا. ..نحن متحررون من القانون بشكله الظاهر. .لا التزام بقواعد المرور، والحقوق العامة للآخرين رغم توافرها في النصوص القانونية، نبيع في أي مكان نستغل مساحات الدولة في أي أمر، نقطع الشوارع، نتجاوز على الأرصفة. ..اي شيء لنا الاختيار في أتباعه سنختار ما لم يتفق القانون معه. .