18 ديسمبر، 2024 8:02 م

انتقائية قرداحي والحروب العبثية

انتقائية قرداحي والحروب العبثية

لم يخطئ قرداحي عندما وصف الحرب في اليمن بالعبثية، ولكنه كان انتقائيا، فالحرب في سوريا عبثية ايضا، في غمرة ربيع عربي ملوث، توهم السوريون ان القطاف آن، وان بامكانهم اقتلاع آل الأسد الذين فرضوا حكم اقلية قرادحية على السوريين، مثلما فرض صدام حكم اقلية عوجاوية على العراقيين، فتحركوا بمظاهرات سلمية، ادخلتها مخابرات نظام الاسد دهاليز مواجهات مسلحة، فتحت الطريق لحل امني يلغي كل ما حلم به الشعب السوري من حلول سياسية، فاندلعت على ارض سوريا حرب الآخرين العبثية الضروس بين حلفاء النظام ومعارضيه، ارتكب فيها الجميع ابشع الجرائم، كان النظام العوبة فيها بايدي الحلفاء، أمّا الشعب وهو الضحية، فأصبح بين من الجأه الفقر الى الارتزاق على موائد المتحاربين، ومن الجأه الخوف الى النزوح داخل سوريا أو خارجها.

إن كل الحروب العربية في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وما سيستجد منها في بلد عربي آخر هي حروب عبثية، فهي اما حروب طائفية بنكهة صهيونية لاشغال العرب بالعرب، ومن ثم اشعالهم، واما حروب الآخرين، من اجل نفوذ إقليمي، إلا أن قرداحي كان انتقائيا لأنه لم يجرؤ على تسمية ما يدور في سوريا أيضا بالحرب العبثية، لأنه ان فعل اصدم باولياء نعمته الذين نصوه لغما في وزارة لبنانية متهالكة، ثم ماذا يسمي قرداحي الذي يسوق نفسه قومجيا ناصريا من طراز 1952، حرب عبد الناصر في اليمن؟ التي أراد من خلالها، كما يقول انتوني نتنج، صاحب كتاب ناصر استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا متوهما تحقيق انتصار عسكري سريع، يعيده قائدا للعالم العربي، فكبد الجيش المصري الذي يحظى بتقدير واحترام المصريين والعرب، خسائر فادحة والحق به هزيمة مذلة، هل كانت حرب تحرير؟ ام حرب عبثية بامتياز! والسؤال أيضا للسعوديين أيضا، لماذا لم يستفد نظامكم المنسل من ممالك القرون الوسطى، من تجربة حروبه في اليمن، أما تعلمتم منها أن شجاعة اليمنيين التي يشهد بها الداني والقاصي، احدى ركائزها انهم ليس لديهم ما يفقدونه من اية حرب قامت او ستقوم، وان محاربين على هذه الحال يخطئ من يريد الانتصار عليهم.

كان للحوثيين ان ياخذوا استحقاقهم يمنيين، وهو ما تحقق لهم قبل ان يندفعوا في اخذه غازين، وراء شعار قروسطي متهالك، هو حق الهاشميين في الحكم، الذي سيجر الهاشميين أنفسهم الى صراع بين زيديين وحسنيين وحسينيين، ولا استبعد ان يظهر على الساحة وريثا للسفاح أو هارون يطالب بحق العباسيين، أوليسوا هاشميين أيضا؟ بل هاشميون اقحاح، يسعيدون بمؤازرة الممالك العربية شرعية حكم المتغلب، ذات الأصل الاموي.

ليس قدرا على الاطلاق أن يبقى اليمن متقاتلا مع نفسه، لا صريع سوى الشعب المسكين الذي انتهى به الامر بين قتيل وجريح ومعاق، تنهشه الفاقة والمرض، ولكنها حروب الاخرين العبثية.