23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

بينما ينضح شبابنا دما وعرقا على أرصفة التظاهرات ، وهم يواجهون القمع بكل صوره ، وبينما تتصاعد رائحة الإنتخابات النتنة وفضائحها وهي تملأ الأجواء ، وبينما يعاني المواطن من ضياع الخدمات وإفتقاره لأبسط مقومات الدولة ، تجد البرلمانيون في أبراجهم العاجية الخضراء ، يمررون قرارات سرّية تحمي مكاسبهم و”حقوقهم” التقاعدية التي أيدها السيد معصوم الغائب دوما والذي لا يظهر إلا بالمفاجآت غير السارّة ، والتي ما كنا نسمع بها لولا إعتراض السيد العبادي عليها أمام المحكمة الإتحادية ، فسحقا للشفافية ، وسحقا لمن رفع هذا العنوان وتشدق به .

ما الذي يحدث بحق الجحيم ، أن تتبرع الكويت بالوقود لتشغيل محطات الطاقة المتوقفة ، ليكون العنوان الرئيسي لجريدة الأنباء الكويتية وبالخط العريض (الكويت تنير ظلام العراق) ! ، فحتى صفة الدولة النفطية قد إغتصبوها ، أين يذهب نفطنا ؟! ، ، فإذا هبط سعر البرميل ، رفعت الدولة شعار التقشف ، وشد الأحزمة على البطون ، وإن إرتفع ، يبقى هذا الحزام المكروه مشدودا ! ، من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم قادة ، إلِهذه الدرجة فقدوا شرفهم وغيرتهم ؟! ، إلِهذه الدرجة فقدوا إنسانيتهم ووطنيتهم ، بأي شيء يفخر هؤلاء وهم مكللون بالعار والفساد والجريمة من أخامص أقدامهم لقمم رؤوسهم ؟، هم يعلمون أنهم مكروهون جدا من عامة الشعب ، لهذا السبب تكالبوا على وضع قرارات تحمي مكاسبهم ، بمجرد شعورهم بإنتهاء ولايتهم ، اتعجب كثيرا من كل تساؤل عن سبب هذه التظاهرات ، الأجدر أن نتسائل : أي زاوية من زوايا الحياة في وادي الرافدين ، لا نتظاهر عليه ! ، إنها ببساطة تظاهرات من أجل الحدود الدنيا من الحياة ، لتكشر “الدولة” عن أنيابها ، ولا أسميها دولة لأنها بلا مقومات ، ورموز لا ينطبق عليهم تعريف “سياسيون” ، لأنهم أقرب للمافيات الإجرامية المتحدة ، الدولة التي جمّدت التنمية بكل أشكالها حتى الموت ورفعت الدعم عن كافة أشكال الحياة وتوجهت للجباية ، وبدلا من أنعاش ما تبقى من الحياة ، أستوردت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز ، وعجلات خراطيم المياه وسائر معدات القمع ، ووظفت الكوادر ، وقطعت خدمة الإنترنيت ، كأجراء بمنتهى التخلف لتقييد التواصل ، أسلوب لم تنتهجه حتى إسرائيل لمواجهة المنتفضين الفلسطينيين ، والسيد العبادي لا يزال “يغرد” في مواقع التواصل الإجتماعي ، مع علمه بإنقطاع خدمة الإنترنيت ، ذلك يذكّرني بصدام عندما أسّس قناة العراق الفضائية ليراها العالم أجمع إلا العراقيين ، لأن أجهزة الستلايت كانت محرمة عليهم ! ، ولا ندري هل يستخدم السيد العبادي برامج VPN هو الآخر لكسر القيود على خدمة الإنترنيت ! ، كل ذلك أزاء مواطن لا يطلب سوى حقه في الحياة ! ، لكن هذه الإنتفاضة أرعبت أصنام المنطقة الخضراء ، فأي نفاق وكذب وحرف للحقائق ، تلك التي تتعاطاها الدولة مع مواطنيها ؟، أين الأزمة المالية والسيد العبادي يرصد 3.5 تريليون دينار لإنعاش البنية التحتية في البصرة بعد أن حمى الوطيس ؟، في أي درج من أدراج المكاتب ولأي غرض ، كانت هنالك 10 آلاف وظيفة شاغرة لأبناء البصرة كانت (مُحتجزة) وقد أطلقت ؟! ، ألم يعلم السيد العبادي ، أن البصرة تعاني من أزمة مزمنة لأنها تشرب من مياه مجاريها ، ولا يوجد أي مشروع أكثر إلحاحا من استصلاح مياهها ، فبقيت كذلك لعشرات (وربما مئات) السنين ، حتى يضع السيد العبادي حجر الأساس لمشروع إستصلاح المياه بالتزامن مع هذه المظاهرات – الإنتفاضة ؟!

كل ذلك ، ورموز الفساد والموت والدمار في البلد يحاولون ركوب موجة التظاهرات ! ، وشعب بأكمله مستعد للهروب للمريخ ، للخلاص من وجوههم الكالحة القبيحة ! ، إنتفاضة تأخرت كثيرا وكان من الواجب ان تندلع قبل عقد من الزمن على الأقل ، فالحذر كل الحذر ، أن يندس بين هؤلاء الأبطال ، من يقوم بتمييع هذه التظاهرات كما حدث سابقا .

كانت الصحافة تصف الدولة العراقية بأنها مترهلة ومتورمة ، والواقع فقد قطعت الدولة اشواطا طويلة وبوقت قياسي ، فتجاوزت حتى مرحلة التقيح والتفسخ ، وملأت رائحتها النتنة الأرض حتى القطبين ! ، لقد حوت كل الصفات السلبية في الوجود ، وصرنا نبحث عن مسميات لصفات جديدة بذيئة ، نتحف بها قواميس العالم ! ، وفي الواقع ، أجد أن الصحافة بحاجة إلى لغة جديدة ، لأناس غير مؤدبين لا يفهمون إلا اللغة غير المؤدبة ! .