22 ديسمبر، 2024 7:41 م

انتفاضة تشرين.. والدروس المستخلصة!

انتفاضة تشرين.. والدروس المستخلصة!

ربما هدأت حاليا انتفاضة جيل العراق الجديد، الذي كسر العديد من التابوهات، التي كانت خطا أحمرا حتى الأول من تشرين الجاري، لتفتح هذه الانتفاضة صفحة جديدة من تاريخ العراق، بعد أن خيم عليه الظلاميون وتجار الدين، طيلة ستة عشر عاما، عاثوا فيها فسادا وقتلا ونهبا للثروات، حتى بات العراق يتصدر قائمة الدول من حيث التخلف والرجعية اللتان دبّتا في كل مفاصل الحياة.

وعلى الرغم من أن هناك جولة جديدة تتزامن مع الزيارة الأربعينية، إلا إنه يمكن استخلاص العديد من الدروس لهذه الانتفاضة، وهي أنها أسقطت أولا وخلال إسبوع واحد هيبة المؤسسة الدينية بكل عمائمها، التي سيطرت على عقول الشباب وصادرت إرادتهم طيلة عقود طويلة، وخاصة خلال العقدين الأخيرين، حتى تضخمت أعداد المنتفعين من الأحزاب الإسلامية ليزداد أصحابها نفوذا وغنى وجاها، مقابل ازدياد أعداد عموم الشباب جوعا وفقرا وسحقا.

وبدى ذلك واضحا على المؤسسة الدينية، ما اضطرها لإدانة المجرمين والفاسدين بعد أسبوع من إدانتها بشكل مبطن للمنتفضين حينما ساوت بين الجلاد والضحية، في محاولة لامتصاص غضب الشباب الذين تجاوزوا كل ما كان يعتبر من المقدسات، التي تسببت بالفساد والجرائم، عبر غطائها -المؤسسة الدينية- للأحزاب والحكومات، التي مارست الظلم والجور بحق الشعب العراقي، طيلة عقد ونيف.

الدرس الثاني، تمثل بعدم احترام الأحزاب الإسلامية في معظم محافظات الفرات الأوسط وجنوبي العراق، عبر حرق مقراتها وهدمها، لا سيما إهانة رموز إيرانية بعينها، تلك الرموز التي ساهمت بشكل كبير في صناعة ودعم هذه الأحزاب لبسط نفوذها من جهة، ولتحقيق مصالح إيران على حساب العراق من جهة ثانية، في رسالة واضحة مفادها، أن لا قدسية ولا هيبة مصانة إلا للعراق وشعبه.

الدرس الثالث، عدم الوثوق بقيادات وزارة الداخلية، حينما زعمت وجود مندسين قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين، مدعية أن ذلك هو من تسبب بسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، في حين أظهرت فيديوهات صورها ناشطون، قناصين ملثمين يتبعون ميلشيات ولائية يعتلون أسطح المباني، وهم يطلقون النار على رؤوس الشباب أمام مرآى الأجهزة الأمنية، وهذا يتناقض مع رواية جنرالات الداخلية.

هذه الرواية السمجة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدت ذلك بالقول، إن المندسين قاموا أيضا بمهاجمة بعض القنوات الفضائية منها العربية وكسروا أجهزتها، بينما بثت الأخيرة فيديو سجلته كاميرات المراقبة في استوديوهاتها، ظهر فيه عدد من الجنود المدججين بالسلاح، يترجلون من سيارات ذات دفع رباعي وهم بكامل عدتهم العسكرية، وقاموا بتحطيم محتويات الاستوديو وهم مكشوفو الأوجه. ما يثبت زيف وكذب ادعاءات جنرالات الداخلية وكأنهم بذلك يحمون الجناة بتغطيتهم على هذه الجرائم.

الدرس الأخير وهو الأهم من بين الدروس أعلاه، تصاعد الوعي الوطني لدى الجيل الجديد في محافظات الفرات الأوسط والجنوب، لا سيما العاصمة بغداد، حيث خرجوا معلنين ولاءهم واصطفافهم مع العراق لا مع المؤسسة الدينية ولا مع الأحزاب التي مارست عمليات نهب البلد وسرقة مقدراته بإسم الدين.

هذا الوعي المتصاعد شكل في لحظة فارقة فك الارتباط بين هذا الجيل والعملية السياسية المشوهة التي خيمت على العراق منذ ٢٠٠٣، ليقولوا لرموزها ما أنتم إلا حفنة لصوص ومجرمين، تعاونتم مع الأجنبي لاحتلال العراق وتدميره وجعلتوه تابعا للغير، ونريد استعادته بإرادة عراقية خالصة.

رغم كل محاولات رموز الفساد ومليشياتهم، لتشويه نقاء وعفوية ووطنية هذا الجيل الذي شكل صدمة كبيرة لهم، إلا إنه لم يكترث لاتهاماتهم الباطلة وواصل انتفاضته رغم قسوة القمع، وقبل ذلك كسر حاجز الخوف وحشد الملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لقول كفى للظلم والفساد.
تحية إجلال وتقدير لهذا الجيل الواعد صوت الوطن وضميره، ولأرواح الشهداء الذين ضحوا بحياتهم، لكي يعود بلدهم إلى سابق عهده مزدهرا شامخا بين الدول، وليقول ها أنا ذا العراق.