ان ما يحصل اليوم في العراق من انتفاضة شعبية ضد حكومة فاسدة ونظام قائم على المحاصصة الطائفية يعد نقطة فاصلة في تاريخ العراق الحديث. حيث في خضم الياس من اصلاح الطبقة السياسية المستندة على احزاب عميلة وميليشيات تحكمها المافيات تحت مسميات دينية وقدسيات زائفة . انتفض شباب واعي لم يطالب بخدمات معينة ولا باستبدال وزير محل اخر. بل جاء تحت شعار نازل اخذ حقي. واريد وطن. هذا الشعار الكبير الذي لم تفهمه الطغمة الحاكمة لانها لاتعرف معنى الوطنية . ولا لديها حس بحقوق المواطن وواجبات المسؤول . وجئ بها في عملية سياسية مشبوهة تخدم الاجنبي على حساب حقوق ومصالح الشعب .
وبهذه الانتفاضة اتحد الشعب العراقي ضد عملاء ايران، وعبيد ولي الفقيه، ووقف يداً واحدة ضد الطائفية والفساد، وعملية سياسية يديرها جهلة الادارة والسياسة، يساندهم رجال دين متخلفين لايريدون الخير لهذا الشعب العظيم
وأستطاع الشباب من الجيل الجديد الواعي في انتفاضته الباسلة من اسقاط الطائفية كمبدأ منظم للسلطة السياسية، فواجهوا رد فعل عنيف من سلطة غاشمة، وميليشيات مجرمة، ورغم بشاعة القتل والتعذيب والاختطاف والاعتقال.. الا انهم حققوا كثير من الأهداف والمكاسب تصب في اعادة اللحمة الوطنية للشعب العراقي، والتفاف جميع شرائح المجتمع بكافة طوائفه وانتماءاته حول الثورة وأهدافها وطموحاتها وأصبح الشعب العراقي وحدة واحدة من المد الثوري والانتفاضة الجماهيرية
وبقبر الطائفية المذهبية التي أتى بها الاحتلال الأمريكي ورعاها النظام الإيراني، تحقق اكبر انجاز اجتماعي، حيث كانت الطائفية في الأساس طائفية سياسية تخدم منافع ومصالح الأحزاب المشتركة في العملية السياسية
وقد وحدت هذه الانتفاضة أهداف وطموحات ومطالب الشعب الواحد، وأسست لرؤية فكرية واضحة المعالم ، وقدمت برنامج عمل سياسي ، وسياقات لعمل ثوري منظم ، وأعطت صورا جميلة لتكاتف الشعب والتفافه حول الانتفاضة وتاييدها ومؤازرتها من شخصيات المجتمع المدني، وجمع من الكتاب والشعراء والفنانين والأدباء والإعلاميين المدافعين عن قضية شعبهم العادلة
وبهذه الانتفاضة اجتاز الشعب حاجز الخوف وانطلق في الشوارع والساحات يهتف ايران برة برة. وطالب باسقاط النظام بكل ثقة وجرأة ، لاعادة الوطن المسلوب الى اهله
ونادى بمحاربة الفساد والمفسدين واحالتهم الى محاكم عادلة تحكم باسم الشعب لا باسم احزاب عميلة متخلفة
وباستمرار الانتفاضة، وسقوط مئات الشهداء والاف الجرحى والمعتقلين. واختطاف الناشطين وتعذيبهم وقتلهم. تكاتفت قوى وشرائح اجتماعية مختلفة داخل العراق وخارجه مع ابطال الانتفاضة. وجرت
إدانات وإستنكارات دولية من مختلف منظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية ، والاتحاد الاوروبي وسفارات دول معتمدة في العراق، فتم شجب الممارسات اللاانسانية ضد المتظاهرين العزل، والمطالبة بالكشف عن المذنبين وإحالتهم الى القضاء
وقدتمكنت الانتفاضة من اسقاط عادل عبد المهدي وسقطت من ورائه كل الممارسات والعقليات المتخلفة السائدة. وهرعت الكتل والاحزاب في محاولة لامتصاص نقمة الجماهير من تسريع قانون المفوضية المستقلة للانتخاب، واختلفت الاحزاب وزاد صراعها عند مناقشة قانون الانتخابات الجديد. وتنازعت كذلك في اختيار رئيس وزراء جديد. وكلما طرح اسم رفضه الشعب المنتفض، وقدموا كل الشخصيات المستهلكة. وانكشف ضعفهم بعد ان عجزت الاحزاب عن تقديم مرشحين مقبولين من الشعب. وبانت محدودية تفكيرهم في الخروج من المأزق الذي اوقعهم به الشعب في ثورته العادلة. وكان اخرها اختيار شخصية ليست بعيدة عنهم كبديل جديد لرئيس الوزراء ، فرفضه الشعب ايضا
تحاول الكتل السياسية الحاكمة عبثا توظيف كل إمكانياتها ومؤسساتها الإعلامية والأمنية وميلشياتها للظهور بمظهر القوي، ولذلك فهي تحاول الالتفاف على مطالب الثوار، تارة بالتهديد وتارة بالوعود الكاذبة بالاصلاح
ومع كل ذلك فان الانتفاضة قد فتحت افاقا لعراق جديد خالي من التفرقة والتمييز بين المواطنين وبعيد كليا عن خطاب الكراهية، الذي اشاعته السلطة المتخلفة الحاكمة على مدى سنوات طوال
دعم المتظاهرون منتج بلادهم، عبر إطلاقهم حملة «صنع في العراق»، لمواجهة المنتجات الإيرانية، الى جانب تدشين حملة لمقاطعتها منذ ما يزيد على الشهر، تحت عنوان «خليها تخيس
وتداول النشطاء في ساحات التحرير صورا لعدد من الحلوى والمنتجات الغذائية، إلى جانب صناعة فطور للمتظاهرين على جسر السنك والأحرار جميعها من المنتجات العراقية
ان الانتفاضة التي تحولت الى ثورة جماهيرية قامت على اسس متينة وسليمة واهداف عادلة ، يجب ان تتهيأ لتشكيل تجمع او كتلة باسم انتفاضة تشرين العراقية ، تثبت اهدافها وتنشئ تنظيم متين وقيادة واعية من كل المحافظات ، وتحدد بشكل واضح مبادئ الانتفاضة بكونها عابرة للطوائف والقوميات ، واعتماد المواطنة العراقية اساسا لهذا التنظيم
كما يتوجب استمرار الانتفاضة حتى تحقيق اهدافها ، وتصعيدها كلما اقتضت الحاجة
لا يمكن لاي قوة القضاء على الانتفاضة او النيل منها، مهما تنوعت وتلونت الميليشيات التي ترفع شعارات لاغراض المزايدة وهي جميعها توالي الولي الفقيه في طهران ، وتحرص على بقاء الحكم الفاسد في العراق لانها جزء منه
ان الحشود الكبيرة للانتفاضة الباسلة ، واستمرارها رغم مؤامرات الطابور الخامس ، ستجبر الحكام المتخلفين ومن يساندهم للتنحي جانبا، ان عاجلا ام آجلا ، فصوت الشعب اقوى من كل همجيتهم واساليبهم القمعية، وممارساتهم الوحشية . والثورة مستمرة ، لانها في ضمير الشعب . ويوما بعد يوم يتزايد الوعي العام بالمشاعر الوطنية العراقية ، وستكون ارواح الشهداء شموع تنير المسيرة نحو تحقيق الاهداف . . والنصر الناجز حليف الثوار دوما