23 ديسمبر، 2024 10:37 ص

انتفاضة العراق والتهديد بالحرب الاهلية

انتفاضة العراق والتهديد بالحرب الاهلية

من يعتقد بان العراق سيتحول الى محافظة تابعة لايران واهم جدا. واذا كانت الاحزاب العراقية العميلة تتبع الولي الفقيه، وتظن انه سيبقيها على رأس السلطة الى ماشاء الله فهي واهمة الى حد بعيد . وانتفاضة تشرين الاخيرة اكبر دليل على اوهامهم هذه، واذا ما استطاعوا اخماد المظاهرات والاحتجاجات السابقة، بالقمع او بالوعود الكاذبة، فان هذه الانتفاضة ستتحول الى ثورة شعبية كبرى تكتسحهم وتعيدهم من حيث اتوا، اذا قدر لهم وهربوا من الوطن دون محاكمات عادلة، والا فالحبال ستطال رؤوسهم العفنة

انهم مازالوا بغيهم يعمهون، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، كان يرفض الاستقالة بدعوى أن استقالة حكومته دون بديل دستوري يعني ترك العراق للفوضى. . ولا نعلم اي فوضى هذه التي ستحل بعد استقالته. فالفوضى قد عمت العراق قبل وخلال وجوده بالسلطة. والعراق اصبح في قلب الفوضى خلال حكمه الدموي وقتله اكثر من ستمائة متظاهر سلمي. والفوضى كانت ولم تزل في كل مكان ومرفق في العراق من الصناعة والزراعة الى التعليم والصحة والماء والكهرباء. اضافة لانتشار الميليشيات المسلحة في الشوارع، تمارس الاختطاف والقتل وابتزاز المواطنين الابرياء في وضح النهار وامام اعين قوى الامن

اما الفساد ، فقد استشرى كالسرطان في كل دوائر ومرافق الدولة من الرئاسات الى الوزارات . اما المحافظات فحدث ولا حرج حتى اصبح الفساد يزكم الانوف. وما من مشروع بدأ العمل به ام لم يبدأ الا رافقه الفساد. والبرلمان ليس مستثنى من هذه الظاهرة الخبيثة فكثير من البرلمانيين اعترفوا بالرشاوى وبيع وشراء المقاعد الوزارية واللجان في البرلمان. والفوضى ضربت كل مكونات الشعب العراقي بلا استثناء، فتم تهديد المسيحيين اولا ثم باقي المكونات بالنزوح واستملاك بيوتهم واراضيهم غصبا
فعن اي فوضى يحذر رئيس الوزراء المستقيل. وحتى بعد استقالته تولت الدولة العميقة الاستمرار بالفوضى والقتل العمد حتى شمل المتظاهرين السلميين في السنك وساحة التحرير حيث اجهزت الميليشيات الحزبية الموالية لايران من العصائب وحزب الله والخرساني وغيرها على اكثر من خمسين متظاهرا واصابت المئات منهم في منطقة السنك وحدها، اضافة الى اكثر من ستمائة شهيد وشهيدة وعشرات الالوف من الجرحى في بغداد والمحافظات المنتفضة، حيث تم استخدام الاسلحة المتوسطة والخفيفة في صدور الشباب العزل

فالعراق اذن يعيش في الفوضى منذ زمن بعيد، وتزداد هذه الفوض يوما بعد يوم

ولكن هل العراق ذاهب حقا الى الاقتتال الداخلي نتيجة تصارع الاحزاب الحاكمة فيما بينها، او نتيجة قيام الميليشيات الحزبية بقمع الشباب الثائر ضد الفساد والعمالة
حيث يهدد زعماء المافيات الحزبية المسلحة بالذهاب الى الحرب الاهلية لكل من يخرج عن ارادتهم او فلكهم ، وكأنهم حريصون على وحدة الشعب العراقي ومستقبله وهم يتناسون بانهم هم وليس غيرهم من ادخل العراق في حروب اهلية، ومجازر جماعية، ومن ثم ادخاله في الفوضى استجابة لاسيادهم في قم وطهران. ونحن نعلم انها تهديدات غايتها تعطيل انتفاضة الشعب وثورته

ولكن من له مصلحة في اشعال الحرب الاهلية، هل امريكا ام ايران وهما القوتان المؤثرتان على الحكم في العراق، فاي منهما له مصلحة في اثارة صراع داخلي طويل الامد في العراق وفي هذا الوقت بالذات

اذا نظرنا لايران فهي المسفيدة الاولى من العراق الذي يمثل الحديقة الخلفية لها للتهرب من العقوبات الامريكية عليها، فقد قضت ايران السنوات العديدة الماضية في تشبيك الاقتصاد العراقي مع اقتصادها
حيث تشير الأرقام إلى أن إيران تصدر للعراق ما قيمته 12 مليار دولار -وهو زيادة بنسبة 45% عن العام السابق. وتامل تطويره ليصل الى 20مليار خلال السنوات القليلة القادمة
ولذلك من المستبعد أن تتنازل عن استثماراتها
هذه لاي سبب كان، وان اي نزاع مسلح طويل الامد في العراق سيقوض جهودها في استثمار العراق لصالحها
ولذلك فان ايران تريد العراق كله
ولا يمكن ان تتنازل عنه في هذه الاوقات العصيبة عليها، وهي تصارع العقوبات الامريكية
وعليه فان اشعال حرب اهلية في العراق في هذا الوقت ليس من مصلحة ايران. ولكن ايران ستحاول خلط الاوراق، وتتدخل بقوة اذا ماشعرت ان العراق سوف يخرج من نفوذها
وهي بالتاكيد ستعمل على استمرار الفوضى فيه لانها المستفيدة الاكبر من غياب الدولة

يمكن لإيران أن تستغل حالة الفوضى والانفلات الامني الحالية في العراق لترد على أمريكا بضرب مصالحها في المنطقة، ويمكن القول إن هذا الخيار قد يكون أكثر ملائمة لطهران في الوقت الحاضر ، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الوجود العسكري الأمريكي الكثيف في العراق، وإمكانية أستخدام ايران لوكلاءها وحلفاءها لضربها وإخفاء مسؤوليتها المباشرة. وامريكا تعلم ذلك جيدا. . وهي لذلك تحاول تهدئة الوضع ، فليس من مصلحتها هي الاخرى قيام حرب اهلية في العراق والا فان قواعدها ستكون تحت مرمى الميليشيات العراقية الموالية لايران

واذا فتشنا عن دول اخرى فنرى السعودية مثلا لها مشاكل متعددة في الداخل ومع اليمن اضافة الى العلاقات المرتبكة مع دول الخليج العربي وعلى الاخص قطر والامارات. وان اي صراع مسلح قريب منها سيؤثر سلبا عليها ، وعليه فهي الاخرى تحاول تهدئة الوضع في العراق بعيدا عن الصراع الداخلي المسلح

اما تركيا فهي تعاني من مشاكل داخلية مع الكرد ، وعلاقاتها متازمة مع الولايات المتحدة الامريكية ومع البككة في سوريا وفي العراق، وعندها علاقات اقتصادية جيدة مع العراق وهي تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 20 مليار دولار أمريكي خلال هذا العام. ولذلك فهي الاخرى ليس لها مصلحة في نشوب حرب اهلية في العراق

وعليه فان الاحزاب العميلة الفاسدة في الداخل تهدد بالحرب الاهلية لاسكات الشعب وضمان بقاءها في السلطة، مع بقاء كل هذه الفوضى، حيث في الفوضى تضمن استمرار فسادها ، وهي تخشى وجود سلطة قوية وتسعى على الدوام لابقاء العراق دولة ضعيفة، وهذا ينسجم ايضا مع مصالح دول كبرى واقليمية، والتي لها او لشركاتها الاحتكارية مصلحة في وجود دولة ضعيفة، لكون ذلك يسهل تواجدها لنهب خيرات العراق ونفطه ومعادنه وآثاره . . والرشى المدفوعة في الدولة الضعيفة تكون اسهل واقل كلفة من وجود دولة قوية فاعلة

فلا يهدد احد بحرب اهلية او فوضى لاننا نعلم جميعا انهم اساس الفوضى واستمرارها
كما نعلم ان انتفاضة تشرين العظمى وتضحيات شبابها وشيوخها من اجل الخروج من محنة هيمنة الاحزاب على السلطة، ستحقق اهدافها في عراق مستقل
وهي في كل يوم تعطي شهيدا تقرب من تحقيق اهدافها

ان انتفاضة الشعب التي تحولت الى ثورة شعبية ستغيّر مستقبل البلاد، وستصنع نموذجاً مميزاً لدولة قوية تضم الجميع، دولة ذات سيادة ووطن حر خالي من احزاب طائفيّة فاسدة ومتخلفة. ولن يعد هناك من يحاول سحق التعايش السلميّ بين المواطنين