23 ديسمبر، 2024 12:55 م

انتفاضة العراق والتلويح بالحرب الأهلية

انتفاضة العراق والتلويح بالحرب الأهلية

يخوّفونكم بأن الاستمرار في هذه الاحتجاجات والمظاهرات سيؤدي إلى حرب أهلية ، ويخيّركم هذا النظام المتعفن بين الرضا بوجوده وبين الانزلاق إلى الفوضى العارمة ، وهذه هي نظرية جميع الأنظمة الخبيثة للاستمرار في الحكم ، وقد جربها نظام بشار الأسد في سوريا ونظام علي صالح في اليمن ، وقد نجحا فيها ، وحاول نظام مبارك تجربتها لكن الجيش المصري كان أقوى منه ، نعم إن احتمال نشوب الحرب الأهلية في العراق وارد جدا إذا شعر النظام إن زمام الأمور قد انفلت من يديه وإن أركانه أخذت بالتفكك ، وحينئذ ستكون تلك الحرب أمرا مصنوعا ومدبرا من قبله . كما إن القتال الشيعي – الشيعي بذاته هو أمر شبه محتوم ، لكن هذه المظاهرات لن تكون هي السبب في اندلاعه إطلاقا ، وذلك القتال إن لم يحدث اليوم فسيحدث غدا ، بسبب طبيعة القوى الشيعية نفسها ، فهناك شيعة الحكومة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية المخترقة ، وهناك شيعة الأحزاب والفصائل والمليشيات ذات الولاءات الخارجية والداخلية المختلفة والمتناقضة ، أما بقية أبناء الطائفة فهولاء لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون سوى أصواتهم التي تنطلق بين الحين والآخر للتعبير عن جزعهم وسخطهم على هذا الوضع الجائر فيتم إسكات صوته بالقمع مرة وببعض الوعود والإجراءات السطحية التي لا تمس بنية النظام وفلسفة وجوده
والانسجام المرحلي بين هذه القوى الشيعية المتناقضة لم يتحقق إلا في حالة تعرضها لتهديد خارجي كبير وفعلي يهدد وجودها جميعا كما حدث في قتال داعش ، لكن الصراع الداخلي بينها على النفوذ والسلطة والمكاسب يبقى قائما ومرشحا للانفجار في أية لحظة ، فعنصر فنائها قد بُذر مع تأسيسها ، وقد حدث ذلك بالفعل مرات عديدة على نطاق مسيطر عليه كما فيما يعرف بصولة الفرسان و غيرها من المناوشات التي كانت تحدث جيش المهدي والمليشيات الأخرى كمليشيا بدر والعصائب ، ولم تكن ثمة مظاهرات في حينها ، ولقد تغولت هذه القوى المتحاقدة في مواردها ونفوذها وسطوتها بعدما اكتسبت شرعية دينية وعقائدية وأوصافا مقدسة حصنتها من أي نقد أو حساب حتى تمكنت في الأرض واستعلت على الدولة نفسها ، والله أعلى وأجلّ .