اي مقاربة بين مواقف الانتفاضة الطلابية في الجامعات الأمريكية ضد العنجهية الصهيونية وبين انتفاضة تشرين ضد مفاسد المحاصصة لابد وان تتوقف عند ذات الأسلوب في قمع الرفض الشعبي لسياسات الحكومة التي تتشدق بتطبيقات الديمقراطية!!
ومع ان دكتاتورية مفاسد المحاصصة محكومة بنفوذ اقليمي ودولي.. الا ان وقائع الحال تتجسد في اتساع القاعدة الشعبية لانتفاضة الجامعات الأمريكية بما يؤشر ما سبق وان ادركه بول كندي الاستاذ الجامعي الأمريكي في كتابه الاستعداد للقرن الحادي والعشرين.. عن أهمية الإصلاح التام والشامل لمؤسسة الرئاسة الأمريكية من أجل ضمان ديمومة الثقة الشعبية بقرارات الرئيس الأمريكي.. ناهيك عن موقف الرئيس الامريكي السابق جون ترامب الذي احتل مناصروه الكونغرس بعنوان ديمقراطي بارز.. الشعب مصدر السلطات!!
ما بين انتفاضة تشرين عراقيا.. ونتائجها الماساوية.. وبين نزعة رفض الشباب الجامعي الأمريكي سياسات اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية.. ما يؤكد ذلك البيت من الشعر لابي القاسم الشابي.. إذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر.. السؤال عن الأقدار السعيدة في عراق الغد.. وما يمكن أن تنتهي اليه انتفاضة الشباب الجامعي الأمريكي وانعكاسها على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.. تتمحور في نتاج أفعال المواطنة.. وفي هذا المجال يبدو من الممكن القول :
اولا : لم تنطلق شرارة الرفض الشبابية في الجامعات الأمريكية من العدم.. بل من تراكم متصاعد.. في وقائع هدم الرفاهية الأمريكية في زيادة الضرائب وتقليص تمويل الضمان الاجتماعي والصحي.. فضلا عن ارتفاع الدين القومي الأمريكي يتجاوز ٣٣ تريليون دولار من خلال الارتكاز على إدارة حروب خارجية مباشرة او بالوكالة لعل أبرزها الحرب الأوكرانية وبؤر التوتر في الشرق الأوسط .
كل ذلك آثار سخط أصحاب الياقات البيضاء من موظفي الشركات في القطاع العام والخاص.. ناهيك عن أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.. مما أدى إلى انخفاض التوقعات بالنمو الاقتصادي الأمريكي ما بين ١.٥ – ٢.٤٪ مقابل ٥٪ لتوقعات نمو الاقتصاد الصيني مقابل صفر في الدين العام!!
وفيما تكرر واشنطن قياس أداء الدول على اساس الالتزام بحقوق الإنسان.. ها هي ذاتها تفشل في تطبيق ذات المعايير في تعاملها مع انتفاضة الشباب الجامعي الأمريكي من خلال استدعاء قوات الحرس الوطني لضبط حركة الطلاب ومنع اتساع قاعدتها الشعبية وسط مشاهد فظيعة من أسلوب التعامل مع الطلاب المنتفضين!!
ثانيا : لان الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات دستورية وقانونية.. بلا اي مؤثر خارجي.. اقليمي او دولي.. فان درجة استيعاب المتغيرات الداخلية سياسيا كبيرة ومتعددة الأشكال .. هكذا تقرا تصريحات وزير خارجيتها قبل وخلال زيارته الحالية لفلسطين المحتلة.. وما وصفه بالعرض السخي لإيقاف إطلاق النار في غزة ومنع احتياج رفح.. يجعل العلاقات بين حكومتي الرئيس بايدن والنتين ياهو الإسرائيلي على حافات الخطر.. بما ينذر بعواقب وخيمة على الطرفين في عدم تهدئة الأوضاع والغاء سبب مباشر لانتفاضة الطلاب الجامعي الأمريكي.
ثالثا : عراقيا.. تبدو الفجوة أكثر اتساعا في جوانب أخرى فيما هناك مساعي كبرى لتوظيف الجوانب العاطفية بمختلف الأشكال والاساليب بعناوين إنجازات لعل أبرزها ما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية لاسيما حرب غزة.. او اصدار قانون مكافحة البغاء وهو نسخة معدلة لمجموعة مواد قانونية عراقية نافذة.. بل حتى الاستغراق في اصدار قانون تعطيل الدوام الرسمي في عيد الغدير.. فيما واقع الحال ان الاستقرار السياسي بين بغداد واقليم كردستان ما زال يوصف بالأمور الأخطر غير المنتهية.. كذلك توجه الأمم المتحدة لاعادة ضبط اعدادات تواجدها في العراق.. فضلا عن مواقف عدم قدرة الجهاز الامني والعسكري العراقي الرسمي من احتكار العنف بوجود فصائل مسلحة لا سلطة لكل الأجهزة العسكرية العراقية عليها.. كل ذلك يؤثر ويزيد من تأثيراته مع تصاعد صخب العواطف والفوضى غير الخلاقة.. بما يتوجب ان يتعامل جميع الأطراف بمن فيهم الفصائل المسلحة ومن يدعمهم إقليميا.. مع عراق واحد وطن الجميع.. وهذا أيضا يتطلب رجال دولة.. وقد أظهر السيد السوداني دراية كبيرة في ضبط الأمور.. والذهاب إلى واشنطن للتفاهم على الانسحاب العسكري الأمريكي القتالي من العراق .. ومن ثم توقيع اتفاقيات طريق التنمية.. ولابد ان تتوفر للحكومه فرضيات الفرص لاستكمال إجراءات احتكار السلاح ونزع سلاح الفصائل الحزبية.. وان تكون سلطة القائد العام للقوات المسلحة افعالا وليس اقوالا.. من دون ذلك لا تمتلك حكومة السيد السوداني او غيره.. فرضيات استيعاب المتغيرات بل دفع نتائج فاتورة غير مسؤولة عنها!!
ما بين هذا وذاك.. لابد من تظافر الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية عراقيا لابراز الخط الثالث عراقيا لقيادة العملية السياسية ووضعها على درب الإصلاح الشامل.. وهذا محور حديث لاحق.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!