19 ديسمبر، 2024 1:13 ص

انتظريني عند تخوم البحر – قراءة ليست نقدية

انتظريني عند تخوم البحر – قراءة ليست نقدية

لا أدري أمن محاسن الشعر أم من مساوئه أنه لم يستطع أن يعرّف نفسه حتى من خلال جرائده التي وصلت الينا وتلك التي لم تصل بعد.. غير اني أدري أو أحسّ على الأقل إنه أي الشعر لفرط عظمته لا يمكن أن يحيط به حدّّّ .. فإذا كان هو نفسه جاء طافحا بالعظمة مزهوا بها ولا يعلم من أي الجهات أتى ولماذا وإلى أين.. فلماذا نقحم أنفسنا فيه علنا نضع له تعريفا ونحن ندري بأننا عاجزون.. ولعله كان يعي اننا لو استطعنا الإحاطة به علما لانفرط من بين أصابعنا ليزول كما تزول الكائنات المحدثة وهو الذي جاء ملوحا بالخلود.. لماذا لا نتركه هكذا نحس به ولا نراه فذلك أسلم له ولنا .

لااعتقد انه متاح لأي ناقد مهما اوتي من عقل ثاقب ورؤية نقدية جبارة يستطيع ان يلم بكل ما يريد الشاعر من قصيدته لحظة الكتابة فهناك جمل وتهويمات تظل تدور في مخيلة الشاعر لم يبح بها لأسباب في اغلب الأحيان خارجة عن ارادته لذلك كان النقد وما زال عاجزا عن الأحاطة الكاملة بالقصيدة وذلك لا يعد نقصا في النقد والناقد وانما قيض للامر ان يكون هكذا وهذا ايضا لا يمنع من ظهور نقاد كبار وعلى قدر كبير من المسؤولية ادهشوا الشعراء حينا واختلفوا معهم في احايين كثيرة ولأنني لا ادعي النقد ولا أتعاطاه سيكون مباحا لي أن أقرأ القصيدة بالرؤية التي أتيحت لي تبريرا للهفوات هنا وهناك لأن قصيدة كالتي بين يدي لا يمكن أن ترى من زاوية واحدة..

في قصيدته انتظريني عند تخوم البحر للشاعر الكبير يوسف الصائغ تتجلى قدرته في البناء الدرامي ومهارته الفائقة في توزيع الأدوار بين ابطاله بشكل فني متقن متخذا البصرة بتداعيات مرحلة من مراحلها المهمة ليدون على ارضها حادثة تتداعى في ثناياها احزان الماضي بمعطيات الحاضر .. ولأنها أحزان تنوء بها صدور الرجال احالها الشاعر ببراعة الى انين امرأة دحّاها وجع الأساطير لتكون ادعى الى تصديق ما لم يحط احد به خُبرا …
ولي ولك ان نتخيل حجم حزن امرأة تتلمس صوت حبيب يتأتى من غياهب ؉ من غياهب المجهول وأي مجهول .. اوسع من ظلمات البحر الذي ليس بوسعه ان يريها الا سمكا ذبحته الحروب واناء مملوءا بزبد لا يلبث إلا أن يذهب جُفاء….. بعبارة اخرى لي ولك ان نتخيل سعة الرؤيا وضيق العبارة وهي تبدأ بالدعوة الى دخول تهويمات القلق … حين نفتتح القصيدة

أسمع صوت حبيبي يدعوني الليلة
فانتظروا قلقي
اني ذاهبة للماء,
اجرّ إزاري
فوق عيون السمك المحزون,
وأملأ من بيت البحر إنائي
زبداًُ,
ومحارا للساكن في الغربة
………………………..
اذن هي دعوة كبيرة الى التهيوء للقلق الذي يليق بهذه الرحلة التي سيكون مختتمها التثاقل الى الأرض وافتراشها للبكاء على غير المتوقع وهذا ما سنقرؤه �ما سنقرؤه في النهاية…
ولتحديد مسرح الحدث وللاشارة الى مدى اتساع الحنين في مفتتح القصيدة يوميء الشاعر بذكاء مدهش الى عناصر الدلالة {بنات لبصرة} التي تدل بسهولة الى المراد
ايصاله الى المتلقي..مشخصا زمر الرمز للاستدلال على المدلول بانسيابية فريدة… فالحنين الذي يصعب ان نجغرفه يسهل الأستدلال عليه في العراق إذ أن موطنه الجنوب واحلى كل جنوب بصرته والبصرة حامية بالنخل ومحمية بالطلع والطلع ابٌ للوجود…
وجود لأبدية الوجود.. لكنه .. اي الطلع .. لكنه اي الوجود.. لكنه الجنوب افترشه الصيادون ذات أهملوه وهذا ما جعل الحبيبة المفجوعة تئن…

استحلفكن .. بنات البصرة
ان كان بكن حنين , ينضج في شفتي الطلع له
……………………………………..
فكان الجواب ان تدفقن من الشرفات والشناشيل ومن شقوق الليل والخيم والأثل والمعقل وساحة ام البروم والخورة والبصرة القديمة وابي الخصيب وجيكور وبويب … بلى وربك نحن كما كنا وما زلنا كعهدك بالبصرة وبنا

ملن علي ّ إذن
وامسحن على جسدي منكن,
فبيت حبيبي تعبٌ
وسريره من خشب القارب,
أهمله الصيادون, ونقعه الماء قرونا
…….
فما بال بيت لا يبيت إلا على الماء وقاطناه الياس في ضحى الثلج ..وضجة الغلمة والشبق اذا خلا المخدع من القرين….؟ما عسى البيت ان يفعل .. وما عسى قاطناه الياس والأمل ان يفعلا .سوى اللجوءالى اصل الأشياء وهو العري من كل شيء ولتكن البداية لا من الراس هذه المرة وانما من القدمين باعتبارهما السباقتين الى الخطيئة ودليلهما الخطى…ولخلق الموازنة المفترضة يكون اللجوء الى الروح الغيبي مبررا للبوح

أقمت به روحي ,.
عارية القدمين,
مبللة
سيجف الملح عليها فهي سواحلكم حين يجف الليل

…………………………
الصيادون هنا اولئك البسطاء الطيبون الجنوبيون الذين لم تسة اغراءهم ولا تلويث مناجلهم وفالاتهم وشاء قدرهم الازلي ان يكونوا هنا بعد انتهاء المعركة التي توارى وراء تخومها الحبيب الذي تصر المراة على أنها تسمع صوته بكل يقين …الصيادون الطيبون ليس لهم الرغبة في معرفة هذا الموت ولماذا هذا التناحر حد الجنون لكن يدهشهم هذا الحشد الهائل من الغل الدي يحمله سفاحو قيم وتواريخ وأهداب عيون وأطراف عباءات وأطراس كلام وأثداء امهات وعيون سمك …فماذا عسى المرأة الحبيبة ان تفعل حتى يتفهم هؤلاء حزن حبها وحب حزنها .. وباي شيء تحاول استمالتهم لثنيهم عن الصيد رغبة في مشاركتهم لها آلامها وربما مد يد العون لها … المشكلة والحق يقال انهم .. اي الصيادون لا يعرفون لماذا هم هنا .. فمن اين يتأتى لهم ان يعرفوا لماذا هذا الحب هناك لا سيما اذا علمنا انهم وكما يبدو اصيبوا بخيبات كثيرة في مثل هذه الحالات.. فلا غرابة انهم لم ينتبهوا الى انتسابها اليهم لذلك همست لهم ….

ياصيادي بلدي
ذوقوا متكأي فأنا
متواضعة القلب ….. وحملي للاهل خفيف
……………………………
قال الصيادون
هربنا للبحر , وجربناه دُوارا..
واصطدنا , سمكا ازرق مثل وجوه الغرقى
وحملنا فاكهة للشك .. بل البحر هو الأجنى
إنا لا نؤمن ان نخدع فوق خديعتنا الأولى
ان تكذب هذه المرأة فالبحر هزيمتنا الأخرى
……………
وتتحسس المرأة المفجوعة شكهم وريبتهم وتلتاع اكثر وهي ترى انهم راحوا يلمون الشباك ايذانا بمغادرة المكان فما نفع البقاء اذا كان السمك ازرق مثل جثث الموتى ولأنه ليس هناك متسع للوقت فحتى الوقت هنا مذبوح فما عليها الأ ان تصرخ بصوت مبحوح وبإغراء آخر غير الذي سبق وذلك بدغدغة الرابط الأكبر والأسمى الرابط الوطني وربما هذا هو الذي لا يمكن ان يعلوه الصدأ

ياصيادي بلدي
في جسدي ترسو كل زوارقكم
عودوا ….
كسد الموسم.. ماذا تملك ان تصطاد شباك المهزومين..
……………….
صور شعرية ممسرحة بعفوية معتمدة موسيقى الألفاظ ودلالاتها ومهارة ريشة الشاعر في صنع خيال سمعي مدهش .. فالقاريء عند تامله المقطع التالي يدرك دون عناء ان الصيادين خذلوا العشق وتركوه بعد ان تراجعوا ولم يطل انصاتهم لندائه الملتاع بل ظنوه كالخدع التي خدعوا بها من قبل ويدرك بسهولة انهم تركوا المرأة وحدها .. فجاءها الصوت صوت الحبيب ينساب يتهادى .. يلمسها برفق وحنو ليقتل وحشتها ويبدد قلقها وهو يهمس في اذنيها لمسا لا سمعا هذه المرة …
اسمع صوت حبيبي
يلمسني
كالماء على ضفتي
مدي للحلم ذراعيك.. وخلي الصوت يشل , حتى العضدين .. وضوءا
………………
وكما في اي عمل درامي يلجا الكاتب احيانا الى استخدام ال {فلاش باك} لمعالجة تصاعد الأحداث او تغيير مسارات خطوط الاحداث وما شابه ذلك فقد عمد الشاعر الى هذه الوسيلة واخفى وجه المراة وأظهر صوتها المتكسر وهي تعود الىحديث غابر دار بينها وبين الحبيب اذ يقول لها
وانتظريني عند تخوم البحر..
فتقول له…
فإني أزمع ان ارجع من سفري
خارجة للقائكَ من بيت ابي
حاسـرة
اختبأتْ قال الناس
من ذا تطلب عند صخور البحر
لقد رجع الصيادون
وأقفرت الخلجان
………………………………..
الآن تأخذ القصيدة مسارا آخر وخطا جديدا مغايرا غير انها لا تبرح ما وُجدت من اجله ..والمتتبع لأعمال الشاعر يرى أنه لا يلزم نفسه بتسلسل الأحداث كما هي ولا يأبه بتواريخ حدوثها بل يعمد الى الأساليب التي تستهويه تقديما وتأخيرا.. لأنه لو كان على الشاعر ان يكتب بالطريقة التي تملى عليه وليس بالأسلوب والطرق التي يراها مناسبة في حدود الأبداع طبعا لما كان هناك شعراء كبار ولا شعر كبير.. لا في القديم ولا في الحديث فليس بالصورة وحدها تنعت الحداثة وانما بمدى التصاق الفنان بذاته واحساسه بعصره فإنه حين يتحدث عن نفسه يتحدث عن زمنه…

شبح ابيض عند خليج البصرة }

الكلام هنا للمراة الهائمة بعد ان خذلها الصيادون وبعد ان جاءها الحبيب بهيئة الماء .. ها هو يعود ولكن بهيئة رؤيا يراها ثلاثة حراس…. حراس البحر او حراس المدينة على مدار ثلاث ليال وفي ثلاثة اوقات من الليل …لماذا هذا الإلحاح على الرقم ثلاثة
وسنرى ذلك في مواقع لاحقة وربما يكون لنا هناك تعليق .. المهم الحارس الأول يراه في الجزء الأول من الليل وعيناه تلمعان كالفضة اسى فهاله ما رأى وأغمض عينيه وبالضرورة غطى وجهه خوفا وغط في نوم عميق ..وتتصاعد مرحلة الخوف في المرحلة الثانية وهي منتصف الليل في رؤيا الحارس الثاني اذ تبلغ درجة الخوف لديه ان سقط مغشيا عليه اما المرحلة الثالثة وهي عند الفجر فلم تكتمل لأن الديك ايقظه لتبدأ مرحلة يوم آخر بصورة ناقصة … الحراس كانوا نياما في فترة حراستهم .. ترى من كان يحرس المدينة..؟

شبح أبيض عند خليج البصرة شاهده الحراس
يخطر ملفوفا في كفن .. فارتعبوا..
قال الأول
اني شاهدته في ساعات الليل الأولى
وعلى عينيه اسىً كالفضة مستني في القلب فخفت, وأغمضت عيونـي

قال الثاني:
وانا شاهدته في منتصف الليل.. على بعد ذراع مني .. كان يحدق بي غضبا
ندّ له شعري.. فسقطت على وجهي مغشيا..
اما الثالث.. قال: اتاني والفجر يكاد.. رأيته عند الأفق الشرقي.. تقدمْ.. يشير اليّ
… فتقدمت…وإذ قاربته صاح الديك وغُيّبت الرؤيا..
…………………….

وهي تجر ّ اساها تروح تدندن في سرها
كالقمر المهجور حبيبي .. يا اهل البصرة
ها انا ذا , قبل لقاح النخل اجيء اليكم
ملكا في النحل
فخلوا في الليل نوافذكم مشرعة
عدت لكم من سفري .. بهدايا من حجر
وباعشابي كحلت جفون عذاراكم
وخبأت حصى قلبي بجيوب الأحلى
….

قبل لقاح النخل اجيء اليكم .. معناه ان الزيارة كانت متكررة وزمن المعاناة صار طويلا .. ورب سائل يسأل وبماذا تبررين طول الغياب .. تجيب مدندنة استدعيت أمام الحاكم وسكنت المنفى ..الخ…
وكمن يفز من نومه تلتقط لوعتها وتنادي البصرة ان كانت تعرف خارطة الحزن كما تعرف خطوطها هي ..المعايير تبدلت والاعراف تغيرت فما عاد الغناء يغري بالرقص ولا النواح بالبكاء ..اذن كان بامكانها ان لا يشعر بها احد لولا انها سمعت نداء خفيا فسقط المغزل من بين يديها ليحدث ما لم يكن في الحسبان…

استحلفكن نساء البصرة
لا تحقرن خروجي الليلة عارية..
ان حبيبي يبكي تاتيه الدمعة من بين أصابعه
ويجييء الموت.. فيغترب العالم عند سريره

هنا كسكرات الموت ترتبك الصورة بعض الشيء أمام الرؤيا .. رؤيا المرأة .. ذهن الراوي.. عيني الشاعر …. فهمي للنص …. كلها اشياء واردة الأحتمال لأن ازمة الفنان تظهر للعيان حينما يكون مستغرقا او منهمكا في محاولاته لتحويل فكرته الى شيء محسوس وتحويل المحسوس الى فكرة فلا بد ان تنفلت من بين يديه ذهنياته التي تبقى عصية على القاريء ندية في ذهن المبدع وهذا ما اردنا الأشارة اليه في البدء { هناك جمل وتهويمات تظل تدور في مخيلة الشاعر}

لكن حبيبي بالشعر يموت ..تأتيه الساعة بين أصابعه باردة فيدق جدار النعش…
ويستأذن من يأذن للشاعر بالشك..
وبالسفر الممنوع الى الغربة..؟
اجرنا من اجلك تابوت الغربــــــــــــــــــــاء
وسرنا من خلفك كلٌ يحمل عصره
فلينتبه الحراس … سيبتديء الدفن
………………………
وهذه نبوءة تسجل ليوسف الصائغ حيث حدث ذلك وكما قال حرفيا حيث سار خلفه نفر قليل في غربته وكلٌ يحمل عصره واكثرهم كان يتخوف النهاية ذاتها…
يعود الشاعر الى الحراس الذين ايقظهم الديك او الفجر او الهجوم المباغت .. المهم انهم الآن ايقاظ وهو الوحيد يغط في نومه يعيد الأول رواية رؤيته وهناك تباعد زمني بينه وبين رواية الحارسين الثاني والثالث لأنهما كانا منشغلين مع الآخرين بالأنصات الى الراوية الأهم وهي المرأة,وهي تقول…

وكان البحر أمامي حقلا من سمك قزحيٍّ
يسهر عند سريرك ودثرني هزيع البصرة..

… حين رآه الحراس كان شبحا ملفوفا في كفن وحينما جاء الصيادون البحر كان السمك ازرق كوجوه الغرقى وهذه اشارات وتلميحات الى الموت الذي كان يلف المكان.. والمرأة في طور البحث عن الحبيب .. اما الآن وحيث اليقين من الموت فالبحر يصير حقلا من سمك حي قزحي اللون يسهر عند سرير المحبوب وتذهب الراوية{المرأة}الى ابعد من ذلك…فتدخل ظلمات البحر يصحبها نجم يضيء لها الدرب يتدلى النجم يكاد يمس الأرض وكما كان الحراس ثلاثة وكذلك مراحل رؤياهم تقسم المرأة على النجم ثلاثا بالمنفى.. بحنين الموتى… وبأمواج…ان كان لخير يتبعها فالأولى به ان يكن على حذر عند صياح الديك .. وهذا الديك غير ديك الحراس وإن كان لشر اتى فلا مجال لشر فبنا ما يكفي وتروح المرأة اكثر لولا أن حارس بيت الموتى يفسد عليها صدق الرؤيا …

….واستوقفني الحارس …
فتشني
هذا اسمي يا حارس بيت الموتــــــى .. فافتح لــــي

خوفني الحارس
عودي ياحلوة فالبحر الليلة مسحور ……{المقطع}
وبعد الحاح شديدعلى الحارس الذي كان مثل الصيادين لا يفهم الوجع يملأ رئتيها غير انها استطاعت اقناعه ليفتح لها باب بيت الموتى….

.. فتح الحارس لي
ها انا ذا أدخل مملكة الحر وأوغل
.. يتبعني نجم .. يدنو مني..فيكاد يمس الأرض..
توسلت بـــــه … يانجما ابيض فوق خليج البصرة
اقسمت عليك ثلاثا بالمنفى…بحنين الموتى ..{بويب} وبأمواج..
فقل.. ان كنت لخير جئت .. بعد قليل سوف يصيح الديك ويستدعى الأموات الى المثوى
او كنت لشر ياشبحا فوق خليج البصرة.. عد للبحر.. شرور مدينتنا تكفي…

تتاكد المرأة من موت الحبيب فها هي اكفانه بيضاء كما النوارس .. وها هي تسمع صوته ملتصقا بصخرة القبر وها هو العالم كله يموت لموته وحتى الشاعر يتكور داخل ذاته بشعور غاية في المرارة والأسى اي ان الصائغ كان مسكونا بالموت وبدأ يتحسس قبره ويراه ولا شيء اصعب من الموت الأ الخوف منه…….{ فكيف يحس انسان يرى قبره}تعود المرأة الى البصرة تجر الحزن كل الحزن ..{مرضي.. وسريري.. وهموم ابن الريب} يكاد الصائغ ان يكون الصائغ الأبرز بين مجايليه الذي يجيد انسيابية التنقل بين الماضي والحاضر وبين الأماكن مهما تباينت مواقعها المكانية ومهما تباعدت او اتسعت الهوة بين أزمانها بطريقة لا يشعر القاريء إلا بالأستمتاع بعذوبة الربط بين الحالتين. وواضح ان علاقة الشاعر بالماضي كالعلاقة التي تربطه بالحاضر باعتبار اان احدهما يتمم الآخر لذلك جاءت صوره الشعرية تلتقط من التراث ما اتيح له ان ينفخ روح العصر فيها ليمنحها الحياة بواسطة معطيات الواقع وان كانت تتحدث عن الموت….

أصغوا.. اسمع صوت حبيبي , ملتصقا بالصخرة
ينقعها عرقا
اسمع أعشاب البحر على اخشاب القارب تنمو
اسمع موت العالم فوق سريره }
..{ بالحزن رجعت اليكم يا اهل البصرة .. ليس سوى مرضي وسريري وهموم ابن الريب
ويمضي الصائغ بحزن كبير معرجا على جراحات كثيرة كبيرة بعد أن هزل الصلب العربي وعقمت الأرحام .. ومثلما نوهنا في البدء أن الشاعر هيأنا للقلق ليسلمنا في النهاية البكاءبصورة تقطر ألما

يا عراف البصرة ..أقسمت عليك ثلاثا
بالمنفى .. بحنين الموتى{بويب} وبأمواج..
نبئنا بالغيب .. فك اللعنة عنا.. واصنع من اعشاب البحر نقيعا
يشفي وجع الأرحام..
لقد هزل الصلب العربي .. فما يولد في هذا البيت نبي.. كذبوا
إنا علقنا فوق نخيل الكوفة الف نبي
وغسلنا أيدينا للموسم ..
وقعدنا نبكي…..
ولم يدم البكاء طويلا لأنه كان على موعد قطعه عليها في أول القصيدة
وعليها اللعنة ما أوفاها… فلأنه لم يكن هناك بحر فقد انتظرته ليتبعها فرط وفائه عند تخوم المتوسط……………….