لا يمكن لأي امة أن تنتصر في معاركها المصيرية التي تمس وجودها ما لم تتوفر لديها عنصر هام وحيوي في صناعة هذا النصر وديمومته ألا وهو وحدة الصف … الشعب العراقي بفسيفسائه المتنوعة والغزيرة في ما تحتويه من مكونات أثنية وقومية هو شعب ثر معطاء عبر تاريخه الموغل بالقدم … منه عرفت الإنسانية الحرف والكتابة وعلى أرضه نشأت أولى الحضارات التي أغنت العالم بعطائها الإنساني … ومن علومها نهلت كل حضارات العالم وشعوبها ، تعرض هذا الشعب كغيره من شعوب الأرض لعمليات مد وجزر في حراكه وتعاطيه مع مجريات الأحداث التي عصفت به منذ الفتح الإسلامي والى وقتنا الحاضر ، حاول هو من خلالها التشبث بثوابته وانتماءه لأرضه رغم عظم التحديات الخطيرة التي شابت حراكه هذا ، المتمثلة بجور وظلم الحكام والسلاطين الذين مروا عليه ، والقوى الاستعمارية الخارجية التي لعبت على وتر التفرقة بكل عناوينها وأشكالها … بعد التاسع من نيسان 2003 تغيرت الكثير من الثوابت والمفاهيم التي كان يعتقد البعض بأنها من المسلمات والتي لا يمكن القفز عليها ، وان النظام الذي كان يحكم العراق هو جزء رئيسي من نمطية تاريخية أخذت شرعيتها من الصبغة التي صبغت بها جميع الأنظمة الحاكمة بالمنطقة عبر قرون ، وإنها امتداد لأرث تاريخي لا يمكن تغيير معادلته بأي شكل من ألأشكال ، وتحت أي ظرف ، فكان لوصول الأغلبية على رأس هرم السلطة في العراق سابقة خطيرة حركت الكثير من دول المنطقة والعالم للعمل على إجهاض هذه التجربة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وسخرت ما كنتها الإعلامية لإحداث شرخ مجتمعي وصراع طائفي وعرقي بين مكونات مجتمعه ، نتج عنها الفوضى التي ضربت بإطنابها كل مفاصل الحياة هنا ، تداخلت فيها الخنادق واختلفت فيها الرؤى والتوجهات ، لكنها كانت تصب في محصلة واحدة ألا وهي إبقاء العراق في دوامة العنف والعمل على إضعافه ومن ثم تقسيمه على أسس طائفية وقومية ، وبعد الذي حدث في التاسع من حزيران 2014 وسقوط الموصل وبعض المدن العراقية بيد الإرهاب المتمثل بداعش وحلفائها وعلى الرغم من خطورته وتهديده لأمن ووجود العراق وشعبه ،
غير أن هذه الحادثة بلورت واقعا عراقيا جديدا ، حمل في طياته الكثير من المفاهيم والحقائق التي كانت مغيبة عن شريحة واسعة من الشعب ، فقسوة الإرهاب وهمجيته وممارساته الوحشية في المناطق التي سيطر عليها جعلت من الكثيرين ان يعيدوا حساباتهم ، ويراجعوا مواقفهم السابقة ، ويدركوا حقيقة تجاهلتها نزعاتهم الطائفية وغضت الطرف عنها ، ألا وهي إن لا وجود لهم ولا كيان من غير العراق ، وان عودتهم الى الصف العراقي هو حتمية تاريخية فرضتها الأحداث الجارية الآن عليهم ، وان هناك فرق كبير بين المطالب المشروعة التي كانوا يسعون لتحقيقها ، وبين الإرهاب الذي لا يحمل غير أجندة القتل والدمار ، وان ما حدث في ناحية الضلوعية والعلم وحديثة و تصدي عشائرها العربية الأصيلة للإرهاب ودحره هو خير شاهد على هذه الصحوة وتجلي واضح لحالة الفرز التي أنتجتها هذه الأحداث التي أعادت شيء من اللحمة الوطنية العراقية ، فرب ضارة نافعة ، فقتال الجيش العراقي ورجال الحشد الشعبي جنود فتوى المرجعية الرشيدة والمقاومة الإسلامية جنبا الى جنب مع قوات البيشمركة الكردية على أطراف الموصل وديالى وكركوك ، وقتالهم إلى جانب إخوتهم من العشائر العربية في الانبار وتكريت في خندق واحد وامتزاج دمائهم الطاهرة دفاعا عن العراق وأهله ومقدساته ، ما هو إلا مصدر خير وتفاؤل وبارقة أمل كبيرة على تعافي العراق وعبوره المحنة ومخاطر التجزئة والتشظي ، وان وحدة الصف هذه هي البوابة التي سينطلق منها الشعب العراقي نحو النصر الناجز على الإرهاب وأبواق التفرقة ، وهي اليد القوية التي ستسحب البساط من تحت أقدامهم ، وتعبر بهذا البلد وأهله إلى بر الأمان .