23 ديسمبر، 2024 3:49 م

انتصار الحضارة في سنجار

انتصار الحضارة في سنجار

بين فجر الثالث من أغسطس 2014م وفجر الثاني عشر من نوفمبر 2015م حقبة من تاريخ الحضارات والمدنية وفرق ضوئي بين القيم العليا لحضارة الإنسان بعد ملايين السنين من الوحشية والبدائية وبين سقوط مريع لتلك القيم وانهيار فضيع في سلوكيات كائنات بشرية صادف وجودها في هذه الحقبة من الزمان حينما داهمت إحدى مدن الشمس في كوردستان واستباحت مدينة سنجار أو نكال أو شنخار كما كان يطلق عليها الميديون والآشوريون، أو سبتميا أو اورليا كما كان يسميها الرومان وهم يقيمون فوق ثراها واحدة من أجمل مدنهم خارج إمبراطوريتهم!

سنجار التي ضمت بين جناحي جبلها المثير ( طوله 72كم وأعلى قمة فيه 1442م فوق سطح البحر ) أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة، جلهم من الكورد الايزيديين والمسلمين، استبيحت في فجر الثالث من آب 2014م من قبل عصابات إرهابية فاشية من بقايا ثقافة الصحراء والفكر ألبعثي العنصري وكوادره الامنية والعسكرية والمخابراتية، تحمل معها أكوام من الحقد المتراكم والكراهية المقيتة ومركبات النقص الهائلة، لكي تفرغها قتلا وتدميرا واغتصابا ونهبا وسلبا في مدينة لم تعرف إلا التسامح والتعايش بين كل الأقوام.

وخلال ما يقرب من 15 شهرا فقدت المدينة حيويتها وبنيتها التحتية، وقتل فيها المئات من رجالها وسبيت الآلاف من نسائها وأطفالها، وكان آخر تحديث أصدرته المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة الأوقاف لما اقترفته داعش قبل تحرير المدينة من جرائم هو:*

– النازحين: 400000

– اللاجئين: 65000

– المخطوفين: 5838

– المفقودين: 841

– الشهداء: 1280

– المتوفين: 280

– الجرحى: 890

– المزارات المفجرة: 18

– المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار: 12

———–

العدد الكلي للمخطوفين بأيدي داعش 5838

الرجال:كلي للناجين من أيدي داعش : 2014 منهم ..

الرجال : 300

النساء : 767

الأطفال الإناث : 462

الأطفال الذكور : 485

هذا غير الحرق والتدمير لبيوت الأهالي في مدينة كانت تضم في مركزها ما يقرب من مائة ألف نسمة، استهدفتهم داعش ومن والاها من العنصريين والفاشيين لجرح كرامتهم وإطفاء تألق وعنفوان مدينتهم، لكنها كانت مثل جبلها الأشم قوية صلبة رغم جراحها البليغة، قاومت ولم تمت رغم الدمار الهائل الذي أصابها، فلم تنضب ينابيعها وعيون الماء فيها، ولم تتوقف أشجارها عن النمو، وبقيت سماؤها صافية حينما مرت نسائم الحرية واكتسحت دخان داعش الداكن في فجر الثاني عشر من نوفمبر 2015م حيث قاد الرئيس مسعود بارزاني القائد العام لقوات البيشمركة آلافا من مقاتلي شنكال (سنجار) وبقية مدن كوردستان، ومن مختلف الصنوف لتنفيذ عملية ( شنكال حرة ) التي حررت المدينة وأطرافها في اقل من 28 ساعة، محققة نصرا كبيرا وانكسارا اكبر لداعش في قوتها ومعنويات أفرادها في العراق وسوريا، بعد أن سيطرت على الطريق الاستراتيجي الذي يربط الموصل بالرقة.

لقد أعادت قوات البيشمركة الكوردستانية في سنجار، الاعتبار للقيم الأخلاقية العليا لحضارة الإنسان ومدنيته، بعد أن تدنت إلى حد البدائية المتوحشة على أيدي منظمة إرهابية اعتمدت عقيدة بربرية لا مثيل لها في بطون التاريخ المعاصر، حيث لم تشهد البشرية منذ قرون ما فعلته داعش في شنكال ( سنجار ) من عمليات قتل مروعة وسبي للنساء والأطفال والمتاجرة بهم، حقا كان انجازا عظيما ما قامت به قوات البيشمركة، وصدق الرئيس بارزاني في تحقيق وعده، وما تبقى ليس أسهل من التحرير إن لم يكن أكثر تعقيدا وصعوبة، في مدينة مزق

العنصريون الفاشيون أنسجتها الاجتماعية والقيمية والقومية، وخربوا كل بنيتها التحتية، بل لم يبق بيتا واحدا دونما تدمير أو سلب ونهب وحرق، ولأجل ذلك فان أمام حكومة كوردستان والحكومة الاتحادية في بغداد والمجتمع الدولي تحديات كبيرة، في مقدمتها اعتبار ما حصل لسكانها إبادة جماعية وملاحقة مجرميها أينما كانوا، وتحرير النساء والأطفال الذين تم أسرهم واستعبادهم، وإعادة اعمار المدينة وقراها وتعويض سكانها، والعمل بجدية من اجل إعادة اللحمة بين مكوناتها ودرء خطر عودة هكذا عصابات إرهابية مرة أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* إحصاءات المديرية العامة لشؤون الايزيدية بوزارة الأوقاف في كوردستان.