23 ديسمبر، 2024 12:50 ص

انتشار الألحاد، بين السياسة والسياسة

انتشار الألحاد، بين السياسة والسياسة

لماذا هذا الانتشار لظاهرة الالحاد في مجتمعنا العراقي المسلم المحافظ ؟ وهل ان الدور السياسي هو فقط المسبب الرئيسي؟ البعض يعزوه الى
الدور السلبي لرجل الدين في السياسة ! اذن الموضوع لم يخرج عن إطار السياسة، حتى وإن ألبسه هؤلاء البعض رداء الدين باتهام المؤسسة الدينية !! في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، انتشر الالحاد في مجتمعاتنا بشكل اكبر وأكثر مع انتشار المد الشيوعي، والذي كان يمثل بدوره معسكرا أيديولوجيا سياسيّا، حاول في حقبة حربه الباردة، فرض رؤاه السياسيةعالميّا !
في ايامنا هذه، اجد ان مسألة انتشار الالحاد هي نتيجة طبيعة، لوجود حرب باردة وحرب معلنة ضد انتشار الاسلام انتشارا كونيا، وغزوه لادبيات الفكر البشري، واي قضية او فكر تريد القضاء عليه، حاول ادخاله في معترك التنافس السياسي، لتجرد منه ثباته، وتطلقه او تجبره على الانطلاق بحركية متغيرة تفرضها ادوات الاشتغال السياسي.
انتشار الالحاد في مجتمعنا كان ضمن هذه المعادلة السياسية الصراعية الكونية، فمع توافر مسببات انتشاره المقصودة والغير مقصودة، ومع ازدياد عمليات تسهيل بث القنوات الاباحية في المجتمع، وعدم وجود روادع وكوابح تربوية سليمة وصحيحة، وخروج اغلب نسائنا للوظيفة والعمل، اي قضاء المراة (الأم) اكثر من نصف اليوم بعيدا عن واجب التربية والحضور التربوي والديني المستمر لشخصيتها امام اطفالها وافراد عائلتها، إضافة الى اقتصار
المفاهيم التربوية لدينا على توفير الطعام والملبس، وادوات الترفيه، مع غزو ادوات التثقيف اللادينية الى طبقاتنا الناشئة والشبابية، بمساعدة تكنولوجيات متطورة، لا تملك الجهات الدينية نصف واحد بالمئة منها، وضعف وتكسر اغلب ادوات التوعية الدينية وقدمها وتهالكها وتعاطيها مع اطر التربية العشائرية بايجابية وصداقة !! مع وجود حملات اعلامية سياسية تسقيطية غير منصفة ومستمرة ضد الدين ورجال الدين، لدورهم الفاعل في مجال العمل السياسي، ومحاولة تحميل صور التثقيف الازدرائي لمفاهيم الدين والتزاماته الاخلاقية والروحية من قبل قنوات البث التثقيفي المذكورة
اعلاه، وتطبيعها في مخيلة الشباب والنشئ على انها حقائق ثابتة وصحيحة.
إن الحديث هنا هو عن الدين كفكرة باطارها العقائدي والروحي الداخلي، وكعامل ضبط اخلاقي وبوصلة اخلاق ذاتية وجماعية، كانت فيما سبق داخلية في اطرها الممارساتية والسلوكية، وتحاول الان التحرك الى الخارج والواقع المعاش، فمن الطبيعي سيحتاج الدين الى حركيته ولا ثباته، ليتوائم مع الواقعية المتغيرة، حيث حددت أطر الصراع في هذا المجال تحديدا، بين ارادات تمثل سيطرة السياسي الغربي العالمي المعاصر بكل تمثلاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والادبية والاخلاقية، على الوجود البشري فكرا وممارسة من جانب، ومحاولة زحف الدين كحالة انتفاض او ردة فعل ضد لا انسانية ووحشية الليبرالية السياسية الدولية والاقليمية، والوطنية ايضا في أطر مضادات الدكتاتوريات الشرقية، من جانب آخر !!
في كلا الاطارين كان العامل السياسي هو صاحب الحظور الاقوى في هذه المعادلة الصراعية، حيث نجح بادواته المتطورة وامكاناته الجديدة من انتزاع المجتمعات من احضان ادواتها التربوية الدينية والاخلاقية، من اجل خلق قطيعة بين الدين والانسان. وانا ارى ان السياسي نجح في اخراج الديني من موطنه البشري، وزرع الالحاد مكانه .. كل هذه الاسباب ساعدت على نشوء حركة انحلال عقائدي، وضعف في الجنبة الروحية، وابتعاد عن المحركات الدينية كضوابط اخلاقية ومجتمعية وعوامل استقرار روحي، وطغيان الجنبة المادية الظاهراتية والجنسية لدى اغلب شبابنا، والمشبعة غالبا باحلام الوصول الى هدف خيالي في اللذة القصوى، انطبعت بشكلها هذا مع الاسف في معايير الاختيار والتعاطي في بناء الأسرة وانسحبت بعدها لمشاريع الزواج. لذا كثر الطلاق، ونجح الالحاد !! النتيجة : انتشار الالحاد، بسبب تخوف السياسة المعاصرة من مشاركة الدين لها في قيادة البشرية !