لم يكن أحد يصدّق أن تمر هذه السنوات والعراقيون مازالوا يبحثون عن الضوء في نهاية النفق السياسي المظلم ، وينقبون ويبحثون عن الاصلح والأفضل،والأنسب والاكثر اقناعاً في العمل النيابي، هذا التنقيب سبيبه أن بعض الكتل السياسية تشتهي العمل الحكومي في وقت تشتهي المعارضة السياسية وياليتها توقفت على المعارضة بل تتجاوزها إلى حد التخريب وحرق مراحل التقدم وتشتغل على تفكيك كل الخطوات التي تقدمنا نحو الامام، ويبقى السؤال الاكثر ايقاعاً هل يعي الناخبون أهمية الذهاب إلى صناديق الاقتراع لتصحيح مسار العملية السياسية في ظل انتشار كتل تفتقد إلى فيتامين الوطنية والولاء وتنمو عندها فايروس الولاء لدول الجوار؟ .
النتيجة المقنعة الوحيدة أن اغلب نواب الدورة النيابية الحالية لم يقنعوا الشارع العراقي بانهم يمثلونه ويحاكون مطالبيه، واصروا على أن يمثلوا رأي رؤساء كتلهم والانقياد بسهولة للقرار الأقليمي.
باتت المعادلة العراقية “التشاؤم يغلب التفاؤل” سائدة إلى مافوق الرؤية وابعد عن الامل،مع تماسك الطوق الحديدي الذي شيدته بعض الكتل السياسية على الانتخابات وضمنت وصولها إلى السلطة بالعزف على سيفونية الطرب الطائفي التي باتت تستهوي الكثيرين من المنشغلين بالصراعات الطائفية القديمة .
البرامج الانتخابية الرنانة لعدد كبير من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة تتحدث عن تحويل العراق إلى (جنةعدن) وعن توفير الوظائف والخدمات والسكن وتحقيق الامن والعدالة، فضلا عن تحفيز المشاعر الدينية في الشعارات الانتخابية من الشعارات التي لفتت انتباهي قول أحدهم (انتخبوا ابن المرجعية) وقول آخر (انتخبوا من منع المليشات من حرق مساجدكم)، وشعارات فكاهية آخرى مثل (انتخبوا ابن البساتين) ومرشحة آخرى تدعي أنها تمشي على خطى الزهراء عليها السلام .
العامل المشترك الابرز أن المرشحين اغلبهم ممن حجوا إلى بيت الله الحرام.
وعلى مايبدو أن غالبية الشعارات الانتخابية اشبه بقوالب جاهزة لمغازلة مشاعر الجمهور الذي بات اكثر وعيا ً ونضجاً من الانتخابات السابقة.
شخصياً، أعتقد أن الانتخابات المقبلة ستولد برلماناً (قبليديني ) بمعنى ادق أن اعضائه ينقسمون بين (شيوخ عشائر ورجال دين)، وأن القوى المدنية أو المستقلة أو المثقفة سوف لن تكون لها حظوظاً في المقاعد النيابية، وسينعم الحجاج من رجال الدين وشيوخ العشائر ونساء لايرى لهن ظل بتلك المقاعد وستُدار العملية السياسية على وفق اهواء زعماء العمل السياسية الذي يرتبط بعضهم ارتباطاً وثيقاً بالدول المجاورة وتجرح مشاعره عندما يتحدث البعض عن تدخلها.
من دون أدنى شك أنه ليس عيباً أو ثلمة أن يفوز الحجاج في الانتخابات المقبلة، لكن من المهم أن يرافق ميزة الحج ، الصدق والتواضع والعمل الجاد وأن يملي مكانه النيابي ويتمتع بقدر كبير من المعلومات في العمل النيابي ولايكتفي بالايفادات والمصفحات والحمايات وأن لايهجر منطقته ليسكن في ربوع المنطقة الخضراء المحصنة وأن يعيش معاناة ناخبيه لتسهل عليه مهمة ايصال صوته وقتذاك لايهم ان كان حاجاً لبيت الله أم لا؟.
في هذه الحال، تستطيع الكتل السياسية إعادة النظر ببرامجها الانتخابية بما يتناغم مع تطلعات المواطنين الناقم بعضهم على الشريحية السياسية كلها نتيجة لمسلسل الكآبة والأزمات والشعور بالاجدوى ، لاسيما فيما يتعلق بـ”التفريق ” بين التنافس السياسي وبين توحيد الخطاب الخارجي والاتفاق على تعزيز المشتركات الرئيسة لبناء البلد، فلا يمكن مثلا اتهام السعودية على إنها تمول الارهاب في حين يذهب سياسي معروف لتمويل حملته الانتخابية وكذلك الحال من ايران وباقي الدول الاقليمية .
والحقيقة التي لامجال لتجمليها أن استمرار اعتماد العملية السياسية على النظام البرلماني الذي يتسيده (الحجاج)، لن ينتج عنه سوى حكومة مقيدة ومشلولة من الصعب أن توفر الخدمات والامن والسكن ولايتحقق خمس الشعارات الأنتخابية الوردية المرفوعة الان وسنبقى نعيش الازمات تلو الازمات كل ذلك يهون من اجل الحجاج والحجيات …المهم انتخبوا الحجي الذي يستحق أن يكون نائبا بلا خداعكم!