غطت إعلانات المرشحين ، اعمدة الكهرباء والجزرات الوسطية ، والارصفة ، والشوارع، والبنايات المرتفعة، ولم يبق خرم ابرة ، الا ونجد فيه صورة لمرشح، فيما شق المرشحون طريقهم الى الاعلان التلفزيوني ، والوكالات والصحف ، بطريقة ان احدهم قال : فلان حتى في “المركة حيطلعنه”، وبرغم هذه الاستعدادات ، وزحمة المعلنين، لكننا لم نسمع من احدهم برنامجا انتخابيا، سوى مطلب شعبي يحاول أن يزين فيه حملته باقل الكلمات واقصر العبارات، ناهيك عن شعار يدغدغ فيه مشاعر الناس، مع بعض المتبلات الطائفية لاضفاء نكهة التعبير عن الإنتماء والولاء المذهبي ، سواء بالصورة او بالكلمة المغطاة.
شاهدت لقاءً تلفزيونياً لاحدى الفضائيات ، وفيها يحاول دولة رئيس مجلس الوزراء، نوري المالكي، أن يستمد عزم ناخبيه، من خلال التعبير عن عمق علاقته بالمرجعية الشيعية في النجف ، كاشفاً عن ان المرجع السيستاني، على حد قوله طبعاً، يودعه الى الباب تعبيراً عن حبه له، كما قال، ووصفه إياه برجل دولة.
وللانصاف، فاني لم اشاهد هذا اللقاء من قبل، ولا ادري ان كان حديثه هذا جديدا ام قديما ، لكن ظهوره الآن يشير بما لا يدعو للشك ان وراءه اغراضا انتخابية.
وقد فطن ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق، نيكولاي ملادينوف، الى هذا الامر ، ما دعاه الى التحذير من هذه الحملات التي وصفها بأنها تشكل عامل انقسام جديد، بسبب توجه الاحزاب الى قواعدها الطائفية والعشائرية، بينما تعاني البلاد اعمال عنف غير مسبوقة، معربا عن امله ان يكون “التنافس بشأن قضايا عامة، وكيفية التعامل مع التحديات ، بعيدا عن الشخصنة”، والمفردة الأخيرة إستعرناها من سياسيي المرحلة، مع الإحتفاظ بالأسماء لدواع أمنية.
لاشك ان ضخامة الإعلانات ، خاصة من كتل واشخاص من دورات سابقة وفي مراكز مرموقة في السلطة ، يثير الكثير من التساؤلات، عن طبيعة التمويل ، ومصادره؟، اضافة الى التشكيك باستغلال المال العام في الدعاية الانتخابية، وكم تمنينا لو ان قانون الاحزاب قد أقر، وجرى تحديد ميزانية كل كيان سياسي، لادركنا شكل وطبيعة الموارد المستثمرة في الحملات الانتخابية.
لقد تنقلنا بين جانبي الكرخ والرصافة، فوجدنا اعلانات الكتل الكبيرة، واصحاب السلطة والقرار تهيمن على الشارع، بعد ان جندت لها كل الامكانيات المادية والبشرية، فيما تحولت قطاعات حكومية متعددة الى ممارسة دور المعلن في تعليق الصور، و”الفلكسات” واللافتات ، في حين اظهر العنصر المادي ، قوته وسطوته، في الحملة الدعائية، من خلال كثافة الصور ، وحجمها، وموقعها، الذي تجاوز اعمدة الكهرباء، والجزرات والساحات الى السطوح العليا، التي اخذ يطل من خلالها ذلك المسؤول “المزمن” ، فيما يتقلب في الظهور بين القنوات الفضائية وعلى الصفحات الاولى للصحف ، مرة بدعاية مكشوفة، ومرة اخرى بلقاءات تنقصها الصراحة.
في المقابل ، لا تجد لائتلافات وكيانات وشخصيات اخرى، حضورا وسط الكم الهائل من الصور، ربما ترى بعضها هنا او هناك، لكن في المعدل هي محدودة جدا، ما يؤكد ان امكانياتها المادية لا تسعفها لمنافسة اساطين السلطة والمال، بسبب نزاهتها ، ربما، او رفضها لاستغلال آليات الدولة ومنتسبيها في حملاتها الدعائية، اذا كانت هي في مركز من مراكز السلطة.
لعلنا نحتاج الى شيء من الروية قبل ان ننساق وراء اهوائنا في اختيار، من يمثلنا تحت ضغط الرص الاعلاني، وحبذا ان نعكس الصورة ، وننتخب اقل المرشحين اعلانا، واقلهم صورا، واقلهم حضورا في وسائل الاعلام.. لعلنا نصبو الى الحق، ونصحح مسارنا الديمقراطي نحو التغيير ، بعيدا عن اصحاب السلطات واللاعيب الدعايات الانتخابية.