يبدوان رياضة المشي هذه الأيام ممتعة، لمن تجاوز الخمسين مثلي، ولايزال يركض وراء “الكيات” على أمل ان “يكوّن” نفسه في آخر المطاف، ويركب سيارة خصوصي، حتى وان كانت بالاقساط غير المريحة، او يورثها لاولاده، بعد عمر طويل، لتبقى لهم شيئا من “رائحة” الوالد.
سر المتعة، انني وجدت في زحمة الصور لمرشحي الانتخابات، تسليتي، وانا اضرب الخطى سيراً على الاقدام، مراجعاً في ذهني فوائد المشي على “الضغط والسكري” ، كوني اجمع مجديهما من طرفيه ، حتى اصبحت اشعر بانني داخل “ستوديو” او معرض كبير للصور ، واخذت انظر بروية لصور بعض السادة المسؤولين مستحضرا بعض ما في ذاكرتي عن بداياتهم مع السلطة والجاه، فادركت “عز” المنصب في وجوههم وقيافتهم ، كما ادركت سر اصرارهم على “خدمة الشعب” والتمسك بالكرسي الى آخر رمق، بعد ان بدت خيرات المسؤولية ونعمها على محياهم.
ومن غريب ما شاهدت ، وسط معرض الصورهذا، ان الكل متفق على التغيير، حتى مرشحي الحكومة نفسها، لكن لم يذكر واحدا منهم ، نوع التغيير المنشود، غير انني حاولت تفسير مدلولات هذه الكلمة، ووصلت الى قناعة ، انهم ربما يقصدون تغيير الشعب ، الذي بات يرهقهم بطلباته ، ويحتج عليهم؟.
وانا اغذ السير تبعا لنصيحة طبيبي، لحرق السكر في الدم ، استمعت لحوار بريء بين طفلين صغيرين كانا ينظران الى الصور بطريقة عفوية، لكنها لا تخلو من العجب، قال احدهما للآخر : “هذا اكثرهم صورا، ويمكن هو حيصير الرئيس” ، فرد الآخر “لا، بس ذاك صورته أكبر، لعد هو الرئيس”، وفي تلك الاثناء ، مر شاب في سن المراهقة على ما يبدو، فقال لهما : هذه .. ستفوز ، واتبعها بضحكات.
التفت، وانا اعيد النظر في كل ما رأيت، واخذت افكر كالاطفال ، هذه الوقفة ، اجمل من تلك .. وحركة اليد لهذا المرشح، اوقع للنفس من ذاك.. وتلويحة ذاك المرشح أليق ، وآخر يدعو الى الوحدة من خلال تشبيك اصابعه، وثالث يريد أن يبدي بعض وقار اللقطة من خلال تعديل نظارته، ورابع يحاول أن يبرز كقائد كبير يلتف حوله الرجال من حاسري الرؤوس والـ”معكللين”، والنساء السافرات، المحجبات منهن والمحنكات، وخامس يستظل بالأشباح، وووو، حتى لفني الدوار ، واحسست للحظة بالإغماء، وكدت ان اسقط على الارض ، هذا احلى ، بل ذاك اكبر، هذه انيقة، بل تلك اجمل، وبدت المنافسة كأنها بين الصور، والمطابع، واللقطات .. وثات في رأسي علامات التعجب والإستفهام معاً : اهذه هي الديمقراطية التي تجرعنا من اجلها الويلات والحروب؟.. اهذه هي الديمقراطية التي كان ثمنها الباهظ الاحتلال، الذي نتجرع اليوم ذكراه الحادية عشرة؟.
ترى، اين برامج الناخبين ، واين مشاريعهم الانتخابية، لقد اطلعنا على محياهم ، وعرفنا اطوال قاماتهم، ووسامة وجوههم.. لكننا لم نعرف ماذا سيفعلون ، والى اين سيذهبون بنا؟.
يبدو اننا سننتخب افضل صورة.. وافضل مطبعة.. وافضل لقطة ، فالتنافس في اشده بين المصورين قبل المرشحين، والناجح يرفع “ايده”.