انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا لايران من الدورة الاولى كان برأيي ضربة موفقة وذكية من القيادة الايرانية التي سبقت ماكان مخططا ضدهاوسحبت البساط من تحت من راهن باثارة موجة من الفوضى والاحتجاجات ( كتلك التي تلت فوز نجاد في الدورة السابقة واستبعاد منافسه الاصلاحي ) مع دفعها شديدا باتجاه احداث ” ربيع ايراني ” يشل دور ايران الاقليمي ويغرقها في فوضى داخلية ن خاصة وان الادوات كلها مهيئة من الشد الطائفي وارتفاع الخطاب الاقليمي المعادي لايران وسوريا وحزب الله في المنطقة . فمن هو الرئيس الجديد لايران :
ولد حسن اسدالله فريدون في 13 تشرين الثاني 1948 ( 64 سنة ) في محافظة سيمنان لاب يعمل كتاجر في “بازار” سيمنان كانت له مواقف ضد الشاه وسجن لفترات متقطعة عدة مرات من اجل ذلك … ولقب ” روحاني ” اتخذه حسن لنفسه في مرحلة لاحقة بعد مشاركته حركة الثورة مع الخميني . امه ” سكينة ” مازالت تعيش في سيمنان .تزوج وهو في العشرين من عمره وله 4 اولاد ( احد اولاده مات منتحرا في 1992 ) . له شقيق يدعى ” حسين” عمل حاكما لمحافظة وكسياسي وسفير ونائب لوزير الاستخبارات .
بدأ حسن تعليمه الديني في عام 1960 في حوزة سيمنان ، بعدها انتقل الى حوزة قم في 1961 ، وفيها جضر دروس لكبار علماء الحوزة حينها امثال محمد داماد ، مرتضى حائري يزدي ، محمد رضا غولبغياني ، سلطان لانكاراني ومحمد شاهبادي ، الامر الذي ترك تاثيرا كبيرا عليه في حياته اللاحقة .
في 1969 دخل جامعة طهران ونال البكالوريوس في الحقوق في 1972 . بعدها سافر الى بريطانيا فحصل على شهادة الماجستير من جامعة جلاسكو ( اسكتلندا )في 1975 وكانت اطروحته بعنوان ” سلطة التشريع الاسلامي استنادا الى التجربة الايرانية ، ثم اكمل شهادة الدكتوراه بالحقوق من نفس الجامعة …. مع ان مصادر بريطانية مثل صحيفة الديلي تلغراف تقول انها بعد البحث لم تجد سجلا لطالب بهذا الاسم في سجلات الجامعة …مع ان رفسنجاني يشير اليه في مذكراته الصادرة في 1981 بلقب ” دكتور ” …. وقد يكون حسن فريدون لم يكمل الدراسة ورجع الى ايران للمشاركة في الثورة ، وكان ذلك امرا شائعا في ايران في حينها فقد ترك كل من محمد نجفي ومحمد لاريجاني ومحمد خاتمي دراساتهم العليا للسبب ذاته .
يقال ان روحاني يتكلم الانكليزية بطلاقة بالاضافة الى الالمانية والفرنسية ( قد يكون هذا امرا مبالغا به اذ انه عاش فترة قليلة في بلدان اوربية غير بريطانيا ) علاوة على اجادته العربية التي يتعلمها كل الذين يتلقون دروسا في الحوزة .
سيرة حياة حسن روحاني بعد الثورة فريدة من نوعها : فهو وطيلة 30 عاما وبلا انقطاع تنقل للعمل في المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية العليا قد لا تتاح لشخص اخر :
روحاني السياسي
بدأ منذ كان طالبا كمعارض ضد سياسة الشاه فاعتقل عدة مرات من قبل السافاك . وخطب في تأبين مصطفى خميني ( ابن خميني ) في 1977 في جامع الطاق في طهران واستخدم لاول مرة لقب ” الامام الخميني ” لوصف رجل الدين الخميني المنفي وقتها في العراق … ويقال ان هناك رجال دين اخرون استخدموا هذا اللقب ( ومنهم محمد باقر الصدر ) ، الا ان روحاني كان له التاثير الاقوى في انتشار هذا اللقب . وعندما اشتدت ملاحقة السافاك له ، نصحه ” اية الله بهشتي ” و ” اية الله مطهري ” بمغادرة البلد فغادر وعرف بنشاطاته الخطابية بين صفوف الطلاب الايرانيين في الخارج ثم التحق بخميني في منفاه الباريسي وعاد معه الى طهران في 1979 .
انتخب روحاني في المجلس الاستشاري الاسلامي في 1980 لخمس دورات ( 1980 – 2000 ) ورئيسا للجنة الدفاع لدورتين ( 1 و 2 ) ، ورئيسا للجنة السياسة الخارجية ( الدورتين 4 و 5 ) . كما شغل منصب عضو هيئة الخبراء منذ 1999 ، وعضومجلس الامن القومي الاعلى ( من 1989 ) ، ثم سكرتيرا للمجلس من 1989 – 2005 ( وهو المجلس الذي يراسه المرشد خامنئي ويرسم اخطر سياسات البلد في مجال الامن والدفاع والخارجية ) ، بالاضافة الى عدد من المناصب الرفيعةكعضو مجلس الخبراء ومستشار الامن القومي للرئيسين رفسنجاني وخامنئي ورئيسا للجان الدفاع والامن في المجلس منذ 1991 وحتى انتخابه رئيسا في 14 حزيران 2013 ، وممثلا عن محافظة طهران في مجلس الخبراء للدورة الرابعة في المجلس وغير ذلك من المناصب الحساسة.
في المجال النووي ، كان روحاني المسؤول الرئيس عن الملف النووي الايراني باعتباره سكرتيرا لمجلس الامن القومي الاعلى لمدة 16 سنة ، كما كان المفاوض النووي الرئيس في عهد خاتمي . وبعد توتر العلاقة بين ايران والغرب حول البرنامج النووي لها تم تشكيل فريق مفاوضات نووي بسلطات فنية وسياسية في عهد خاتمي (باقتراح من وزير الخارجية كمال خرازي ) واعطي السلطة الكاملة لادارة العلاقة مع منظمة الطاقة الدولية والغرب والتنسيق مع مختلف المنظمات الايرانية ذات العلاقة لتجنب ردات الفعل الدولية المعادية لايران بسبب البرنامج … واختارهالرئيس خاتمي مسؤولا عن هذا الفريق والملف النووي بالكامل في تشرين 2003 .
عمل فريق روحاني على تفنيد الاتهامات الغربية بشان برنامجها النووي وبناء الثقة مع المنظمات الدولية من خلال السماح بتفتيش المنشآت النووية وتعليق بعضها في مسعى لتفكيك التحالف الغربي الذي سعى لرفع الملف الايراني الى مجلس الامن واحتمال الحرب ضدها … وفي نفس الوقت عمل بشكل سري لتسريع دورة الاخصاب النووي ليفرض واقعا على الارض يصعب على الغرب تجاهله …. لاقت اجراءات روحاني انتقادات داخلية ، لذا استقال من رئاسة الملف وكسكرتير لمجلس الامن القومي في 15 آب 2005 وتلاه لاريجاني في المسؤولية ليستقيل هو الاخر في ت1 2007 بسبب اختلافات سياسية ليليه سعيد جليلي المرشح للرئاسة الذي لم يفز.
روحاني الدبلوماسي
شارك روحاني بعشرات اللقاءات مع مسؤولين اجانب كنائب ومتحدث رسمي في البرلمان وسكرتيرا لمجلس الامن القومي الاعلى ، كما كان له دور فاعل في المباحثات النووية مع اللجنة الاوربية الثلاثية( فرنسا – بريطانيا – المانيا ) او في منظمة الطاقة الذرية وفي اللقاءات والمباحثات والزيارات للدول الاقليمية والغربية … وهو امر جلب له لقب ” الشيخ الدبلوماسي ” ، حيث كان ملفتا للنظر الرجل المعمم ذو الجلباب وهو يخوض مباحثات صعبة في ملفات شائكة في دول العالم .. وقد ألف روحاني كتاب ضخم من 12 فصل بعنوان ” الامن القومي والدبلوماسية النووية ” ضمنه الكثير من مشاركاته وملاحظاته وتجربته في مجال الدبلوماسية النووية التي كان مسؤولا عنها في فترة مهمة .
روحاني العسكري
نأتي الان لشخصية روحاني العسكرية التي لا تقل اهمية عن باقي جوانب شخصيته ، وقد كرسها كلها لحرب مع العراق . فبعد الثورة مباشرة في 1979 تولى مسؤولية اعادة تنظيم الجيش المفكك وقواعده التي كانت بحالة فوضى . وبعد انتخابه في المجلس الاستشاري الاسلامي في 1980 لخمس دورات (1980 – 2000 ) ترأس لجنة الدفاع للدورتين الاولى والثانية ( الى نهاية الحرب ) .
ومن سنة 1982 – 1988 كان روحاني عضو مجلس الدفاع الاعلى الذي تسلم مسؤولية التعبئة والتسليح والتخطيط للعمليات . ومن سنة 1986 – 1988 كان عضوا في المجلس الاعلى للاسناد الحربي ( جهاد الحرب ) ورئيسا للجنته التنفيذية من 86 الى 1988 . وللاعوام 83 الى 1985 عمل كنائب للقائد العام للحرب . ثم قائدا لمقر عمايات ” خاتم الانبياء” من 85 – 1988 . واصبح روحاني قائدا للدفاع الجوي الايراني للفترة من 86 – 1991 . كما عمل نائبا للقائد العام للقوات المسلحة من 1988 – 1989 .
في نهاية الحرب منح روحاني وسام ميدالية الفتح (النصر؟؟؟) من الدرجة الثانية مع مجموعة من القادة العسكريين وقادة الحرس … كما منحه خميني ميدالية النصر من الدرجة الاولى بعد ” استرداد” المحمرة من القوات العراقية . كما شغل روحاني منصب وزير الاستخبارات في 1989 الا انه تنازل عنه لاحقا لخلافات داخلية وعند وضع دستور الجمهورية الجديدة تم انشاء مجلس الامن القومي الاعلى ( مازال قائما ) كان روحاني ممثلا للقائد الاعلى فيه ، وبالتالي شارك في كل قرارات واحداث الحرب .
روحاني الاكاديمي.
اضافة الى تأليفه بعض الكتب في مجال الملف النووي والدبلوماسية ، شارك روحاني في عدد من النشاطات الاكاديمية العلمية والبحثية . فقد شغل من 1995 – 1999 منصب عضو هيئة أمناء جامعات طهران والاقليم الشمالي . واصبح مديرا لمركز الدراسات الستراتيجية في 1991 ومازال فاعلا في اعماله . كما ترأس تحرير ثلاث مجلات فصلية بحثية وعلمية تصدر باللغتين الفارسية والانكليزية من ضمنها مجلة ” راهبور” ومعناها (الستراتيجيا) ، ومجلة ” العلاقات الخارجية ” ومجلة ” الشؤون الخارجية الايرانية ” .
برنامج روحاني الاصلاحي
بعد سردنا لسيرة روحاني الذاتية يمكننا الاستنتاج بأن الرجل شخصية فريدة في تركيبتها : فهو يجمع بين رجل الدين ذي التعليم الحوزوي والانسان الجامعي والاكاديمي المتعلم والمطلع على تجارب علمانية من خلال اطلاعه ودراسته وعيشه في الغرب ( البعض يقول ان شخصيته الدينية تطغى على شخصيته العلمانية ) . وهو شخص تنفيذي شغل مناصب عدة في مجال الامن والدفاع ومطلع على تفاصيل شؤون الدفاع والحرب ، وفي نفس الوقت كان يقود الحملة الدبلوماسية لاخطر ملف هو الملف النووي الايراني ذو التشعبات المختلفة وسط تشكيك الغرب ومعاداته وحتى التلويح بالحرب ضد ايران بسببه . كما كان طيلة الوقت مقربا من اعلى مركز قرار في ايران هو المرشد الاعلى من خلال تمثيله في مجلس الخبراء او عمله كسكرتير لمجلس الامن القومي الاعللى … فهو مشارك في القرار ومقتنع بسياسة الدولة في الداخل والخارج .
كما يبدو مثيرا كيف احتفظ روحاني بموقعه المميز في الدولة طوال اكثر من 30 عاما دون هزات في وقت تقلبت فيه مصائر رجال الثورة الايرانية … ولا نستطيع ان نفسر هذا الامر الا بواحد من اثنتين : اما ان شخصية روحاني توافقية غير صدامية فحافظ على موقعه ، او انه منفذ جيد لا يسمح لنفسه باي هامش للاختلاف مع الخطوط العامة لسياسة الدولة خاصة مع المؤثرين في سلطة القرار الاعلى فاحتفظ بتأييدهم مع الاحتفاظ ببعض التمايز في الامور الثانوية في مجال الاصلاح الاقتصادي والحريات المدنية بطريقة لا تثير عداء المحافظين كما فعل غيره من الاصلاحيين فتسببوا في نقمة النظام عليهم …
للاسباب هذه يبدو ان روحاني افضل الاصلاحيين من وجهة نظر النظام الرسمي : فهو معتدل وصاحب تجربة عملية عريضة جدا في مختلف نواحي ادارة الدولة ، وينوي اجراء اصلاحات ضمن السقف المسموح به من قبل النظام …وهو مقبول من المطالبين بالاصلاح في الداخل … كما انه لا يثير حفيظة وعداء المحافظين والاكليريك الديني .. ويحظى بدعم خامنئي ورفسنجاني وخاتمي وغيرهم من الاصلاحيين ذوي التاثير الكبير في الداخل ورضا الاطراف الدولية ،الامر الذي يهدىء من حدة الخلافات الداخلية التي استمرت طوال عهد نجاد …. بذلك استطاعت ايران تجاوز القطوع الذي كان الكثيرون ينتظرونه ويأملونه ويستعدون لاستغلاله ضد النظام حيث راهن هؤلاء على استبعاد الاصلاحيين وانتخاب محافظ يتسبب في اظطرابات داخلية يجري تأجيجها من الخارج على نمط ماحصل في مصر وسوريا ليبدأ بعدها ” ربيع ايراني ” يضع ايران في مهب الريح …
فالايرانيون لعبوها جيدا وهم استقرأوا جيدا الخارطة الجيوسياسية للمنطقة … وازاء ما تواجهه ايران من تحديات عديدة اقتصاديا وسياسيا ونوويا فهي بحاجة ماسة الى تهدئة الجبهة الداخلية ويبدو انها نجحت بذلك .
في ظننا، ومع ان السلطات والقرارات في المستويات العليا العليا بيد المرشد والمؤسسات الاخرى في الدولة الا ان الرئيس الجديد الذي فاز من الجولة الاولى بنسبة 50.7% سيتسنم مسؤوليته رسميا في بداية آب القادم سيسعى الى اضفاء صورة جديدة لايران في الداخل والخارج وستكون اولوياته :
-تخفيف التازم في العلاقات مع الولايات المتحدة المقطوعة منذ 1979 بعد ازمة رهائن السفارة . ويعتبر ذلك مفتاح الانفتاح المتبادل مع الغرب .
-اصلاح الوضع الاقتصادي الخانق الذي تعيشه ايران بسبب العقوبات وفقدان العملة الايرانية لاكثر من 35% من قيمتها وتزايد معدلات الفقر وهبوط صادرات ايران من النفط الى حوالي مليون برميل او كثر قليلا يوميا .
-اصلاح العلاقات مع دول الخليج التي تخوض بكل امكاناتها المالية والسياسية والمذهبية حربا كونية ضد ايران وكل من يواليها او يتفق معها بالراي في المنطقة وتعمل على عزل ايران في محيطها الجيوسياسي .. وهو الامر الي يكلف ايران كثيرا من رصيدها العقائدي والسياسي وستهلك طاقاتها المالية ( الصراع في سوريا وفي لبنان والعراق ) . وسيبقى الموقف من الازمة السورية ذاته ولكن بلهجة اقل حدة واسفزازا وعدم ارسال قوات الى سوريا مع استمرار الدعم للنظام السوري لحين انتخابات 2014 . .
-العمل على حلحلة الخلافات حول المسألة النووية دون التخلي عن الثوابت التي تعتبرها ايران حقا مقدسا لها .
-تخفيف القيود على الحريات الشخصية والمدنية في الداخل والسماح بحرية نسبية للتعبير وحرية المراة لتخفيف الاحتقان الداخلي .
قد يكون روحاني بمؤهلاته العديدة ، وفيما لو سمح له بهامش معقول من حرية العمل ، رجل المرحلة المطلوب في ايران فهو اصلاحي من قلب النظام وليس من خارجه وهو يؤمن بالاصلاح التدريجي لا باسلوب الصدمة الذي قد يتسبب بتداعيات خطيرة ..الغرب سيراقب بحذر تحركات روحاني وكذا دول الخليج التي رحبت شكليا بفوزه .. فمهما يكن اصلاحي مثل روحاني احس برأيهم كثيرا من نجادي المتشدد .
لكن يبقى ما يهمنا هو سياسته تجاه العراق ، فهو لم يذكر العراق في اي من خطاباته او اولوياته التي خصصها للخليج واميركا والغرب والوضع الداخلي … مما يعني ان روحاني سوف لا يكون مسؤولا عن الملف العراقي المحسوم سلفا لمصلحة التيار المتشدد في ايران ، كما لا ينوي التدخل في عمل الجهات الايرانية الممسكة بالملف العراقي … وبالتالي قد يكون روحاني يحمل شيئا من الامل لشعب ايران الا اننا لا نتمتع بشرف المشاركة بهذا الامل كعراقيين فلا نامل باي تغيير في السياسة الايرانية تجاه العراق الا اذا أثرت ظروف واحداث دولية واقليمية معينة باتجاه التغيير وهو امر نستبعده على الاقل في المنظور القريب .