تاجيل انتخابات مجالس المحافظات تحول الى حديث سياسي وامني، وبات جزءا من مظاهر الصراع السياسي المحتدم بين فرقاء الازمة العراقية..اذ شهدت الايام الماضية جدلا مفتوحا بين هؤلاء الفرقاء حول التزام جميع المحافظات العراقية باستثناء اقليم كردستان طبعا بموعد الانتخابات في العشرين من نيسان القادم، او تاجيل هذه الانتخابات في محافظتي الانبار ونينوى لانهما يعيشان وضعا امنيا خاصا، وتشهد ساحاتهما تظاهرات متواصلة للمطالبة باستحقاقات يفسرها البعض بانها ضد الحكومة، او ان شعاراتها ذات توجهات طائفية، او انها وضعت هذه المحافظات امام تحديات امنية معقدة.
قرار مجلس الوزراء بجلسته ليوم الثلاثاء بتأجيل الانتخابات في محافظتي الانبار ونينوى اطلق العنان لقراءات متعددة، بعضها تدخل في اطار المتوقع كونها تعبيرا عن حساسية سياسية معينة ازاء مايجري، وبعض القراءات الاخرى وجدت في قرار التاجيل بعدا سياسيا وتدخلا في الشان الانتخابي، رغم ان الوقائع على الارض تشير الى تعرض الكثير من المندوبين والمراقبين للتهديد المباشر من قبل جماعات معينة في تلك المحافظات.
مابين هذه القراءة او تلك تكمن المشكلة بالنسبة لوجهات نظر الفرقاء السياسيين، مشكلة النظر الى الديمقراطية، ومشكلة النظر الى مؤسسات هذه الديمقراطية وكيفية تحويلها من ديمقراطية القوة والتهديد الى ديمقراطية استعمالية، تكون ميسرة للجميع وبدون اكراهات تذكر او تهديدات او حتى اخضاعها الى تفسيرات سياسية او حزبية او امنية!!
الكل يقدم نواياه، والكل يقدم حججه للدفاع عن هذه النوايا، والكل ايضا لايريد ان يخسر امتيازات الانتخابات وكنوزها الباذخة، لذلك تحولت ديمقراطية الانتخابات تحت هامش هذه النوايا الى لعبة صراع مكشوف لايختلف كثيرا عن الصراعات السياسية والتاويلية التي تجري هنا او هناك، مقابل ذلك فان هذا الصراع يكشف عن هشاشة الواقع السياسي والامني العراقي، وضعف قدرة السياسيين والمؤسسات الامنية في المحافظات على تقديم الضمانات الجامعة لاجراء انتخابات ترضي الجميع ولاتخضع لتداعيات مايجري في الساحات المحتشدة بالجماهير، والتي صنعت لها وقائع امنية وسياسية ومركزيات يمكن ان يكون لها تاثير على نتائج الانتخابات، وهو مالاتقبله الحكومة طبعا التي تبحث عن مقبوليات معينة للقوى السياسية والاجتماعية التي لها وجهات نظر خلافية مع قوى اخرى تساند وتدعم الكثير من الشعارات المعلنة في التظاهرات الجماهيرية..
مابين القبول بالتاجيل او رفضه ينبغي الوقوف عند اصل الازمة، ازمة مايجري، وازمة المطالب الشعبية، وازمة العلاقة مع الحكومة، وازمة ان يكون الجميع في المركب الواحد..اذ ان هذا الوقوف يعني المراجعة ويعني اعطاء فرص حقيقية للحوار على اسس واقعية وعقلانية، وبعيدا عن الاستمرار في صناعة الحرائق الصغيرة او الهروب من مواجهة المشكلات، خاصة وان العراق السياسي والامني تحول للاسف الى منطقة اغواء اقليمية ودولية لصناعة الحروب الكبرى مع اعطاء مفترضين او اعطاء موهومين او ربما اعداء تحت الطلب!!!