كنا قد اشرنا في مقال سابق , كان بعنوان ((انتخابات ام تعديل وزاري؟!)), الى اهمية العملية الانتخابية و وصول الشخصيات الكفوءة الى المناصب العليا في الدوله , و التي تؤدي بدورها الى بناء العراق , و تقديم ما فشلت في تقديمه الاحزاب و الحكومات المتعاقبة في العراق منذ العام 2003 و لغاية يومنا هذا , و ايضاً ان لا يبقى احداً , سواء من الوزراء او الرؤساء (في السلطتين التنفيذية او التشريعية) , اذا ما ثبت فشلهم في الاعمال الدستورية التي انيطت بمناصبهم , و بالتالي بهم , علماً , ان اثبات مثل هكذا امر لم يعد صعباً , او خفياً , على احد سواء من الطبقة السياسية او الطبقة الشعبية , و ان العمل الوحيد الذي لا زال غائباً هو التغيير , الذي ربما يصبح السمة الاساسية لهذه الانتخابات , التي لم يتبقى عليها سوى ايام , و لكن , ما حدث في الايام القليلة الماضيه جعل الانتخابات , و ان لم تبدأ بعد , تبدو و كأنها ستنحرف عن مسارها الحقيقي , و تتجه الى ما يمكن ان نسميه بالتغيير الشكلي و عمليات تصفية لحسابات.
ان هذه النظره التي قد تبدو متشائمة من الانتخابات و نتائجها يمكن ان تعزى الى السببين الاتيين:_ اولاً_ ان الاحزاب التي يسعى الشعب الى تغييرها و التخلص منها , بعدما فشلت في توفير مستلزمات الحياة اليومية , و ابرزها الامن ؛ هي ذاتها التي تتصدر العملية الانتخابية , بل ابعد من ذلك فنحن نجد ان الشخصيات السياسية الحالية , سواء في الحكومة او البرلمان هي نفسها التي جددت ترشيحها في الانتخابات البرلمانية. ثانياً_ ان غاية الاحزاب (البعيدة نوعاً ما عن السلطة) التي تتصارع هذه الايام من اجل الفوز بثقة الناخب العراقي , تبتعد عن تحقيق اماني و تطلعات الشعب , فهي تسعى لتسقيط بعضها البعض , سواء من اجل ضمان بقائها او من اجل ممارسة ذات السياسة التي مارستها احزاب السلطة او الاحزاب المتنفذه عليها في الحكومتين السابقة و الحالية.
ان السبب الاول , يمكن انهائه ببساطة , من خلال الوعي الشعبي التي يبدو في تحسن مستمر , بعد اكتشافه (و ان كان متأخراً) الاعيب و ممارسات الاحزاب التي مورست ضده , و استغلته طيلة الاعوام العشرة الماضية , و يجب عدم نسيان دور الاعلام الوطني الحر , الذي سلط الضوء , على عمليات الفساد التي لا حصر لها , و وضع الصورة الحقيقية , لعملية ادارة البلد, امام الشعب , و ايضاً صوت المرجعية , الذي كان له التأثير الكبير على توجيه الشعب , و حثه على عدم اعادة انتخاب من ثبت فشلهم , و غيرها من الفتاوي التي صدرت بهذا الشأن ؛ و من خلال الاستفادة من هذه العوامل , يستطيع الشعب ان يختار الجدير بتمثيله في البرلمان القادم , سواء من الاحزاب و الشخصيات التي تحتويها , او الشخصيات المستقلة , و الى هنا ينتهي دور الشعب , في العملية الانتخابية على ان هذا الدور و ان انتهى , الا انها نهاية مؤقتة , فالشعب يستطيع في أي وقت ان يقوم بالتغيير اللازم اذا ما شعر بفشل من اوصلهم الى البرلمان في تحقيق مطالبه , و ان كان هذا الامر بعيداً , و لم يحدث بالشكل المطلوب في ظل ما عاشه العراقيين من اوضاعاً مخزية في الاعوام الماضية.
اما السبب الثاني , الذي سيكون له اثراً اكثر خطورة من الاول , هو اتجاه هذه الاحزاب نحو طريق التسقيط , او اعلان الحرب فيما بينها , عن طريق ملفات الفساد , او عن طريق استخدام احزاب الحكومة للقوات المسلحة لارهاب خصومها , و يبدو ذلك واضحاً في الحرب التي اصبحت معلنة بين الحزب الحاكم , و هو حزب الدعوه او ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه رئيس الحكومة السيد المالكي , مع جميع الاحزاب التي سميت سابقاً بالشركاء السياسيين , دون تمييز بينها فاليوم نجد تقارباً و ان لم يكن مباشراً , بين التيارات السياسية سواء العراقية او متحدون او التيار الصدري او المجلس الاعلى او الاحزاب الكرديه لتقف بالضد من هذا الحزب و رئيسه (حزب الدعوه و المالكي) , كونها عانت من التهميش حسب وصفها , الذي استخدمه الحزب الحاكم كسياسة له , و الذي طال اقرب الاحزاب اليه , بل هم كانوا سبباً من اسباب وصول السيد المالكي للولاية الثانية , فهم في النهاية يجتمعون تحت سقف التحالف الوطني و يحسبون على المذهب الشيعي , اذا ما اردنا تسمية الامور بمسمياتها الحقيقة , فنجد ان التيار الصدري على سبيل المثال انتفض بعد تصريح السيد المالكي ضد السيد الصدر , و نجد ايضاً تهديد مبطن للسيد الحكيم اذا ما حاول البعض , المساس بالمجلس الاعلى, و الحرب المستمرة بين المالكي و متحدون , التي يترأسها النجيفي , و ايضاً الحرب , مع الاكراد , و بالتالي فأن هذه الاحزاب اصبحت في حالة استعداداً مستمر , من اجل منع السيد المالكي من الحصول على الولاية الثالثة , التي لا يعتقد احد انها ستكون افضل من السابقتين بشئ خصوصاً بعد ثمانية اعوام , لم يشهد فيها العراق , سوى الازمات من اجل ضمان الحفاظ على السلطة , و هو ما يضعنا امام نتيجة حتمية , و هي ان هذه الاحزاب و ان كانت تسعى الى التغيير, من خلال شعاراتها , الا ان هدفها الاساسي هو ابعاد المالكي عن الحكم , بعد فشل الحكومات التي ترأسها في جمع الفرقاء السياسيين على الاقل , و توفير ابسط مطالب الشعب العراقي , ناهيك , عن الفضائح السياسية و الاخلاقية في الحكومة , و التي تكشف بشكلاً مستمر , و بالرغم من ذلك تتحمل جميع الاحزاب , جزءاً من المسؤولية التي اسيئ استخدامها و دفع الشعب الكثير بسبب ذلك , كونها كانت جزءاً من الحكومة الحالية , و لكن في الوقت نفسه , نجد الحجم الكبير لمسؤولية يتحمله رئيس الوزراء كونه المسؤول التنفيذي المباشر في الدولة حسب النص الدستوري , و ان ابتعاد حتى اقرب حلفائه (التيار الصدري و المجلس الاعلى) سيؤثر بشكلا كبير جداً على خارطة التحالفات السياسيه و ربما سيبب العزله لبعض هذه الاحزابو اولها الحزب الحاكم , و يسبق هذا الابعاد او الابتعاد للاحزاب السياسيه , رأي الشعب نفسه , و تقييمه للحكومتين السابقة و الحالية و ما انجزته من مشاريعاً لخدمة المواطن.