23 ديسمبر، 2024 1:12 ص

انتخابات العراق(٢٠٢١) والحكيم ديوجين

انتخابات العراق(٢٠٢١) والحكيم ديوجين

فيلسوف عشق البساطة لدرجة غير طبيعية، ولكنه عشق معها حياة واضحة ذات قيم جميلة محملة بالسلام والمحبة. إنه ديوجانس الكلبي – ديوجين – قال عنه أبو الفتح الشهرستاني، في كتابه التاريخي الشهير «الملل والنحل»: «كان حكيماً فاضلاً متقشفاً لا يقتني شيئاً ولا يأوي إلى منزل».
كان يحمل مصباحاً في يديه، ويجول وسط الناس والشمس تتوسط السماء، وكلما استوقفه أحدهم وسأله مستنكراً: لماذا تحمل المصباح والشمس تتوسط السماء؟ فكان يجيبهم بأنه يبحث عن “إنسان”.
نقلني حاله بسرعة أشد من سرعة نبضات قلب مهاجر يشتاق وطنه ونبضات قلب سجين ضحية فتنة قادها عقول رجال أعماها التعصب الطائفي يستغيث ربه أسباب خلاصه من قيود أنسته حضن والدته وحنان والده ولذة لقاء طفله، وقودها دماء أريقت في وطني ثمناً لخيانة أخ وابن عم وحقد عدو مستبد ليبقى الفاسد الجاهل المتخلف المستبد على كرسيه وبإسم الدين، في وطن اتفق المؤرخون على أنه يمثل أقدم الحضارات(حضارة بلاد ما بين النهرين) بعد تنافسه مع الحضارة الفرعونية والحضارة الصينية وحضارة ألمايا وحضارة وادي السند، في وطن علم البشرية بصمة القلم، تمثلت بالكتابة السومرية ومن ثم الأكدية، في وطن سطرت فيه أول أصول القانون مثلتها شريعة حمورابي (Hammurabi) الشهيرة التي ظهرت بالقرن 18 قبل الميلاد خلال فترة حكم حمورابي سادس ملوك السلالة الأولى لبابل، عراق العلم والنحو والشعر والمدارس الفقهية والمذاهب الكلامية، عراق الخير، بلاد السواد، بلاد العقول، عراق الحسن والحسين رضي الله عنهم، عراق شيعة وموالي علي رضي الله عنه ومحبي آل البيت ومناصريهم بالحق دون نقص بالولاء للصحابة الكرام كأبي بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم عراق أبي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الجيلاني وجنيد البغدادي، عراق فاتح بيت المقدس والمسجد الأقصى صلاح الدين الأيوبي، عراق الغيرة والنخوة والشجاعة والجسارة والصولة والبطولة والكرم، ما استصرخه مستصرخ عبر التأريخ إلا وانتفض لنجدته، في وطن صدقت فيه رسالة السياب، إن يكتب الله لي العود إلى العراق ، فسوف ألثم الثرى أعانق الشجر ، أصيح بالبشر ، يا أرج الجنة يا إخوة يا رفاق ، ألحسن البصري جاب أرض واق واق ، ولندن الحديد والصخر ، فما رأى أحسن عيشا منه في العراق، وكأني أرى الفيلسوف ديوجين يطوف شوارع بغداد بين الكرادة والمنصور وبين العامرية والخضراء وبين الشعلة والتاجي وبين الأعظمية والكاظمية باحثاً عن “حاكم” يعيد للعراق عراقيته، وللمواطن كرامته، و للإنسان إنسانيته، ولعشرات الألوف من المعتقلين ظلماً حريتهم، وللقلوب بهجتها، وللوجوه فرحتها، و للحياة معناها ولذتها، وللأمة وحدتها، وللعقول رقيها وتحضرها بعدما خيم عليها كابوس الجهل والطائفية والتخلف، هو كالعنقاء تعود وإن احرقتها الشمس، يعود ليعيد للأمة مجدها وقوتها ومكانته.
د أسعد الهاشمي
[email protected]