18 ديسمبر، 2024 11:34 ص

انتخابات الرئاسة الإيرانية تقرر مصير الاتفاق النووي

انتخابات الرئاسة الإيرانية تقرر مصير الاتفاق النووي

الطريق إلى الانتخابات الرئاسية في إيران مثل قائمة طعام، فيها أطباق تقليدية لا تتغير، وأطباق جديدة للتذوق ربما قد تشد الزبائن.
أعلن مجلس صيانة الدستور قبول ترشح حسن روحاني، وإبراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف، وإسحاق جهانغيري، وهاشمي طبا، ومصطفى مير سليم، وأكد رفض ترشح محمود أحمدي نجاد ومساعده السابق حميد بقائي.
وكان لوحظ رفض ترشح متطرف آخر هو علي رضا زكاني، وكأنه لا مكان لاستفزازيين في الانتخابات المقبلة. اللافت أن أحمدي نجاد لم يعلق شخصياً، بل بدل صورته في حسابه على «فيسبوك» ووضع مكانها صورة أخرى والجماهير تصفق له. ثم أصدر مستشاره الإعلامي البيان التالي: «الدكتور محمود أحمدي نجاد والسيد حميد بقائي شعرا بضرورة القيام بدورهما الثوري والوطني و(الديني) لحل المشكلات المعيشية للشعب الإيراني، لكن قرار مجلس صيانة الدستور (أزاح) عن كاهلهما هذا الدور و(الحمد لله رب العالمين)».
في الطريق إلى الانتخابات نشر رئيس شركة طيران إيران «اسيمان» صورة له وهو يصافح ممثلي شركة «بوينغ» الأميركية. حسين علائي، وهو منذ عقود طويلة مسؤول كبير في الحرس الثوري، كان قال: «وضعنا الخطط بحيث سنستعمل كل قدراتنا العسكرية لندمر الأسطول الأميركي». بعد ذلك جاء الطبق التقليدي الرئيسي والثابت، حيث أكد علي سعيدي ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي لموقع «الحرس الثوري الإيراني» أن «الثورة هيأت الظهور للإمام المهدي، وتعد المرحلة الأخيرة قبل ظهوره، لكنْ، هناك طرفان يعملان على منع ذلك، وهما الولايات المتحدة، والليبراليون والعلمانيون في إيران»، وقد لاقاه رد الشيخ مالك وهبة في لبنان من كوادر «حزب الله»؛ حيث قال: «لقد احتاج الأمر إلى ما يزيد على ألف وثلاثمائة عام كي تتهيأ الأمة لمثل هذه الظروف (…). يا سيدي هذا أوان الظهور فمتى يكون (….)؟ إذا لم يتم في هذا العصر، فإنه سيتأخر ألف عام».
ومن الأطباق التقليدية استمرار الإعدامات، حيث تأكد أن أكثرية الذين أعدموا «بتهمة الإرهاب والإفساد في الأرض» في ما بين مارس (آذار) الماضي ومارس من هذا العام، كانوا من الأكراد والعرب. كما تبنت المحكمة العليا الحكم بالسجن 5 سنوات على نزانين زاغاري واتكليف البريطانية – الإيرانية، والدة طفلة منعت أيضاً من السفر، بتهمة محاولة «قلب النظام».
وفي الطريق إلى الانتخابات، كان هناك طبق جديد ولافت؛ إذ وقف طالب جامعي يوم الأحد الماضي خلال اجتماع مع حسن عباسي، من كبار قياديي «الحرس الثوري»، وتحداه وسط تصفيق وتهليل من القاعة حول دور إيران في سوريا، وقال له: «إن نظريتكم هي نظرية نشر الرعب والإرهاب بتصدير السلاح للدفاع عن الديكتاتور بشار الأسد. تقولون الدفاع عن المزارات الشيعية التي لم تكن أبداً موجودة في إدلب أو في حمص. أين هي المزارات هناك؟ إنكم تلعبون بعواطف الشعب».
هذا الطبق، انتشر كالريح في كل مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يشد الزبائن. جرأة هذا الطبق يلاقيها صمت طبق آخر، يحكي عن سقوط أكثر من 53 أفغانياً وباكستانياً شيعياً في سوريا في الأسابيع الأربعة الماضية.
يدرس الرئيس حسن روحاني هذا القائمة، ويتساءل هل ستأخذه مع الاتفاق النووي إلى الرئاسة من جديد في 19 مايو (أيار) من الشهر المقبل؟ من المؤكد أنه سيواجه تحدياً عندما يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع. هو يتطلع إلى تأمين ولاية ثانية. أحد المنافسين الرئيسيين هو إبراهيم رئيسي، حارس مقام الإمام الشيعي الثامن، ورجل دين محافظ وحليف خامنئي، في السادسة والخمسين، وعمل سابقاً أميناً لإحدى كبرى الجمعيات الخيرية. يرتدي عمامة سوداء، ليشير إلى أنه سيد، ومن سلالة النبي (صلى الله عليه وسلم)، مما يزيد من سلطته في الأوساط الدينية. والدليل الكبير على أوراق اعتماده المحافظة أن البعض يرشحه ليأتي بعد خامنئي، إلى درجة يبدو معها كأنه من غير المحتمل أن يخسر «نجمهم الصاعد» حتى أعلى المراكز، في أول مسابقة كبيرة له. «رئيسي» هو المرشح المفضل للمؤسسة الدينية، لكن وعلى الرغم من أن دعم المحافظين له ميزات أفضلية، فإنه لا يجعل من انتصاره أمراً مفروغاً منه.
بدأ المحافظون الآن يصورون رئيسي باعتباره الشخص الذي لديه أكبر فرصة للفوز، لكن التقارير أشارت إلى تعيينه أعضاء من «جبهة التحمل» المتشددة في المناصب الرئيسية في حملته، مما دفع إلى تكهنات بأن فرص فوزه آخذة في التناقص، خصوصاً أن الرئيس الروحي لـ«جبهة التحمل» هو آية الله محمد طاغي مصباح يزدي المعروف بوجهات نظره المتشددة، وكان مرشحه في انتخابات عام 2013 سعيد جليلي الرئيس السابق لفريق التفاوض النووي حصل على 4 ملايين صوت ضد روحاني الذي حصل على 19 مليون صوت. ويدعي رئيسي أنه دخل السباق على أنه مستقل.
أما روحاني، فإنه يتطلع إلى فترة رئاسة ثانية، لكنه يجد نفسه بين مطرقة اقتصاد تعب، واتفاق نووي لا يحظى بشعبية.
للوصول إلى الاتفاق، تلقى روحاني دعماً من خامنئي بسبب الظروف الصعبة التي كانت تعيشها إيران في ظل عزلة دولية، وعقوبات ساحقة، واحتمال أن تقوم الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن ضربة وقائية ضد منشآتها النووية. الآن تغير الوضع، والرخاء الاقتصادي لم يطل برأسه، والإيرانيون متعبون من محنتهم. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة مقرها تورونتو بكندا، تبين لدى الغالبية أن الاتفاق لم يحسن مستوى معيشة الإيرانيين العاديين، وإن كانوا ما زالوا ينظرون بإيجابية إلى روحاني.
إذا جمعنا العوائد الاقتصادية الهزيلة، والتصريحات القوية الآتية من واشنطن بالنسبة إلى إيران، نجد أمامنا كل المكونات المطلوبة لأزمة انتخابية. الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليس مهتماً بالاتفاق، لم يفككه بعد، تجاوزه بسياسة خارجية مبكرة تجاه المنطقة موجهة لتوطيد التحالف السنّي الأميركي المعارض لإيران، وهذا أبعد ما يكون عن طرح الرئيس السابق باراك أوباما، بأن الاتفاق النووي مع إيران هو لإعادة توازن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. تجاه هذه المواقف المتطورة، لم تعد القيادة الإيرانية تهدد بتمزيق الاتفاق، فهي إن فعلت، فستجد ترحيباً من واشنطن، ويقول لي مسؤول أميركي إن الإيرانيين لا يريدون العودة إلى العداء المفتوح مع أميركا، بل يبحثون عن نافذة يرون منها يداً أميركية ممدودة نحوهم.
عندما فاوض روحاني على الاتفاق، كان يتوقع نفوذاً اقتصادياً ومالياً مقابل فقدان إيران نفوذها الاستراتيجي عبر منشآتها النووية. الرئيس ترمب لا يعنيه أي اتفاق فاوض عليه الرئيس أوباما. لم يتردد في التمرد على الصين، وحتى على الحليف الياباني. لكن إذا خسر روحاني الانتخابات، فستكون تلك نهاية تجربة مؤسسة الأئمة الحاكمة في إيران بالانفتاح المحدود على العالم الخارجي، كما أنها ستشكل انعطافاً باتجاه المتشددين دينياً في الاستعداد لتأمين خلافة خامنئي.
قد يفوز روحاني بدعم من خامنئي نفسه، لكن يجب ألا يعتبر فوزه تحصيل حاصل. هو الآن من دون شريك على الحلبة الدولية، كما كان في زمن أوباما، والمقلق أكثر أن إدارة ترمب سوف توسع العقوبات على إيران، وتطبق الاتفاق بشكل أكثر صرامة. من الواضح أن هذه الإجراءات تأتي في وقت حساس، وقد تميل الدفة في إيران إلى فوز أحد المرشحين المحافظين، وربما هذا ما تتطلع إليه إدارة ترمب. هي تريد «شريكاً جديداً»، في مرحلة عداء جديدة مع إيران، إنما أميركا تضع شروطها هذه المرة، ولذلك تجب مراجعة ما قاله علي سعيدي عن الإمام المهدي.
*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”