بعد جدل طويل وخلافات معظمها غير منتجة و”جر وعر” اقر قانون الانتخابات ولله الحمد. ولادته كانت قيصرية. العملية الجراحية اجرتها الامم المتحدة وبضغوط من الولايات المتحدة. ومن صالة العمليات الكبرى الى “الخدج” حيث وان اكتملت ولادة القانون الا انه مصاب بـ “ابو صفار” و”ابوخريان” وطبقا لما يقول مناوئه فان وراءه “حصبة وجدري” . الطاعنون به كثر. والطعون تعددت اسبابها. فهناك طعون لـ ” لله بالله” كون القانون مقترح لا مشروع وهذه قصة لا يعرفها الا الراسخون في حل الغاز برلماننا ومحكمتنا الاتحادية. وهناك طعون المحافظات المتضررة التي لم تحظ بمكرمة المقعد الاضافي التعويضي. المقاعد التعويضية العشرة وزعت بالتراضي بين الكبار بينما بدت للمظلومين من صغار الكتل والمحافظات “قسمة ضيزى”.
وبرغم اصرار الكبار على اجراء الانتخابات في موعدها فقد بدات من الان “رحمة الله” على صعيد الدعاية الانتخابية. من الان وحتى موعد الاقتراع في العام القادم “جيب ليل وخذ وعود” لا عتابة ولا سويحلي اوزهيري اوابو ذية او حتى “هجع”. فالانتخابات عندنا ليست مثل الانتخابات في أي مكان في العالم متحضرا كان ام متخلفا. الانتخابات هي ليست قانون مفصل على مقاسات الطوائف والاعراق ومفوضية مستقلة وصناديق اقتراع. الانتخابات في كل العالم هي احدى وسائل الديمقراطية بينما عندنا هي غاية الغايات ومنتهى الطموح.ولهذا السبب من بين اسباب كثيرة فان الدعاية الانتخابية عندنا تسقيط متبادل يصل حد الاتهام بالخيانة اوالتخطيط مع قوى خارجية للاطاحة ليس بفلان او علان بل بالعملية السياسية كلها.
مواسم الانتخابات في كل الدول تشهد مشاحنات سياسية وتبادل اتهامات ولكنها لاتخرج عن سياق اللعبة الديمقراطية واصولها بلا تجييش طائفي او تحريض على العنف مع استخدام كل الاسلحة المحرمة اخلاقيا في التعامل مع الخصوم. الخصومات السياسية ليست خصومات شخصية بل هي خصومات من اجل بناء الاوطان لا بناء القصور والفلل والابراج. في العالم المتحضر اول برقية تهنئة يتلقاها الفائز في الانتخابات هي من الخاسر الاكبر. واول شئ يفعله الفائز هو الاعلان بانه يمثل كل المواطنين لاحزب ولا طائفة ولا مذهب. اما الخاسر فان اول شئ يفعله بعد ظهور النتائج هو الاعتراف بالهزيمة.
للاسف كل شئ يسير عندنا بالمقلوب. الفائز يعتبر الانتخابات هي الاكثر نزاهة في التاريخ. والخاسر يهرع الى المحكمة الاتحادية مع سيل من الاتهامات بالتزوير الداخلي والتامر الخارجي. اعضاء مفوضية الانتخابات ملائكة رحمة بالنسبة للفائز وعفاريت من الجن بالنسبة للخاسر. اما المواطنون فحالهم حال. لا ليلهم ليل ولا نهارهم نهار من الان الى موعد اجراء الانتخابات. والطامة الكبرى سوف تكون في مشاريع المرشحين وصورهم ووعودهم التي لم تجلب للعراقيين طوال السنوات العشر الماضية سوى شتى انواع الصداع النصفي والربعي والثلثي والخمسي. مع كميات هائلة من ملفات الفساد المالي والاداري التي زكمت رائحتها ليس انوف العراقيين فقط بل “خشوم” سبعة من دول الجوار .. الست.