ولدت في ستينات القرن الماضي في قرية فلاحيه تقع في منْطقة جنوب مدينة الموصل في شمال العراق وكان والدي رحمه الله يمتهن الزراعة والتي كانت تعتبر من المهن الصعبة ومحصولها ومردوداتها لا تستطيع ان تكفي لمصروفات اي عائلة كمعيشة متوسطة كون وارداتها قليلة..
نشأت وتربيت مع الفقر واستمريت في الحياة الا ان الصعوبات التي واجهتني وواجهة عائلتي جعلتني ان ادخل معتركها في العمل منذ الطفولة فعملت في القطاع الخاص وواجهت في بعض الاحيان العمل الشاق مثل عمل البناء وغيره ولكنني كافحت هذه الحياة بكل طريقة لان الحياة صعبة في حينها وتحتاج الى كفاح مرير لتحصل على لقمة العيش..
كل هذا وانا لم اتجاوز الخامسة عشر من عمري وبعدها توجهت الى مركز المدينة لان فرص العمل متوفرة فيها وعملت في مجال بيع الخضروات والفواكه في وسط المدينة في منطقة تعتبر مركز المدينة التجاري تسمى باب الطوب واستمرت بنا الحال حتى بدأت الحرب بين العراق وايران لنتوجه بعدها للالتحاق بالخدمة العسكرية وفي هذه السنوات لا اريد ان اتطرق الى ذكرها بالتفصيل لان تفاصيلها تحتاج الى ملفات ومجلدات كاملة وبعد ان انتهت الحرب عدت الى قطاع التجارة والتي لم انقطع منها وبقيت متواصلا معها…
كل هذه الاسطر كانت في الماضي القريب ولكنني ما اريد ان اقوله واكتبه عن الحاضر الحديث فإنني اعيش في بلاد الرافدين وتتوفر فيه كل ثروات الطبيعة من موارد مائية ومعادن وفيه خزين استراتيجي كبير جدا من النفط.. وتتوفر فيه طاقات ابداعية وخبرات علمية يشهد لها كل منابر العلم والثقافة.. الا انني اعيش مهمش اسوة بغيري من ابناء الشعب العراقي لأننا نعاني من سوء التخطيط والادارة الصحيحة وكذلك ان قيادة ربان السفينة في هذه البلاد اصبحت بيد اشخاص غير مؤتمنين ولا يحافظون على الامانة وهمهم الرئيسي مصالحهم الخاصة وقد تطاولت ايديهم الى سرقة المال العام واصبحنا نحن ابناء هذا الشعب الضحية والواجهة الرئيسية لخط الفقر لان الثروات التي نمتلكها اليوم اصبحت بأيادي لا تخاف الله لا من بعيد ولا من قريب…. والا هل يعقل ان اعيش انا وغيري براتب لا يتجاوز الثلاثمائة الف دينار عراقي اي ما يعادل المئتان دولار امريكي وهذا الحال ينطبق على اكثر من نصف ابناء الشعب العراقي والطامة الكبرى ان هذا المبلغ البسيط تتبعه مصروفات كثيرة اولها توفير الطاقة الكهربائية من مولدات الطاقة في القطاع الخاص اضافة الى فاتورة كهرباء الدولة وفاتورة الماء والبلدية والمجاري وشراء بطاقات التعبئة للهواتف النقالة ودفع مبلغ معين ثمن ما تسمى بالبطاقة التموينية يتبعها الادوية وشراءها من الصيدليات الاهلية ومبالغ كشفية الاطباء في عياداتهم الخاصة وشراء المواد الغذائية رغم انها بصورة تقنينية جدا لان اغلب العوائل لا تستطيع اليوم سد حاجتها بالكامل في هذا المجال وخاصة مع ارتفاع الاسعار في الاسواق المحلية وربما لا ابالغ في الكلام اذا اقول ان الكثير من العوائل اصبحوا لا يستطيعون شراء اللحوم ومشتقاتها بسبب ارتفاع اسعارها وقلة قدرتهم المادية على ذلك.. اما الملابس فإنني ارى اليوم انتعاش قوي لبيع الملابس القديمة او ما تسمى ((بسوق البالات)) وللأسف الشديد هذا كله بسبب الفقر الذي اصاب اركان العائلة العراقية.. فاين التخطيط الحكومي من كل هذا واين الموازنة المعلنة في الاعلام والتي تقدر بمئة وخمسين ترليون دينار عراقي.. فهل اكلتها الذئاب البشرية والمواطن البسيط لا يدري لأنه مشغول دوما يركض خلف ابواب الدوائر يحمل بيده الفايل الاصفر يبحث عن راتب رعاية اجتماعية او منفعة من منظمات انسانية بعد ان عجز عن ايجاد فرصة عمل له…..
ايها المسؤولين في العراق لقد تجاوزت انسانيتكم الحد الادنى ووصلت الى مرحلة الانحطاط وهذه المرحلة غير قابلة للعلاج.. وغير قابلة للإصلاح بالدعاء والتسامح….
ومازلت انا العراقي اعيش بين كبريائي وبين حياة الفقر…