23 ديسمبر، 2024 6:18 م

جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو، انه في اعماق احد كهوف نهر بينتوراس، طبع صياد يده الحمراء بالدم على الحجر، لقد ترك يده هناك في لحظة راحة مابين تسرع القتل وهلع الموت، وبعد زمن من ذلك طبع صياد آخر الى جانب تلك اليد يده المضرجة، ثم راح صيادون آخرون يتركون على الجدار آثار ايديهم المخضبة بالوان تنحدر من الدم، من الفحم من التراب او من النباتات، وبعد ثلاثة عشر الف سنة على مقربة من نهر بينتوراس في مدينة بيريتو مورينو، كتب احدهم على الجدار: ( انا كنت هنا)، وهاهم المصريون يكتبون بعد آلاف السنين ويتركون للاجيال القادمة انهم كانوا هنا، ففي ميدان التحرير وبعد مرور  سنة واحدة يكتب المصريون ثانية لبداية ربيع الربيع، او تصحيح التصحيح، شعب مليء بالحياة يعلم الى اين تقوده  اقدامه، ومع كل الدماء التي تجري بفضل شراسة الحركات الدينية وامتلاكها التفويض الالهي بحكم الناس وظلمهم واستعبادهم فان الشعب المصري له رأي آخر يختلف فيه مع الشعب العراقي، حيث اسلم العراقيون قيادهم لحركات اسلامية متخلفة عادت بالوطن الى الجهل والامية والغش والمرض واللصوصية والفقر.
لا اعتقد ان ربيع الربيع في مصر سيقف منعزلا بالميدان بمفرده، بل سيكون تجربة جديدة تعمم على الذين احتجوا بالديمقراطية، وحيازة قصب السبق في الربيع العراقي او الليبي او اليمني، هناك نهضة جديدة ستلقي بالحركات الدينية خارجا لانها غير صالحة لقيادة المجتمعات، انها تأتي بالتخلف والبطالة والفقر ، وتكاد ان تكون هذه المحددات الثلاثة ملازمة لكل حركة دينية تحاول ان تضع نفسها في قمة الصدارة، ان مرسي والمالكي ومصطفى عبد الجليل يصدرون من مصدر واحد والذي يصح على مرسي يصح على سواه سواء كانت الحركة سنية سلفية او شيعية، و التفويض الالهي الذي ادعاه الكهنة في سابق الازمان بدأ يظهر على ايدي الاخوان او حزب الدعوة او سواهم من التيارات، ما ادى الى حدوث فوضى عارمة في مشاعر الناس البسطاء من الذين لايستطيعون التمييز مع حجم الشعارات المطروحة على الساحة، فهناك الشريعة والشرعية، وهناك الخطباء المنبريون من الذين لايجيدون سوى الخطابة والنظرة الاستعلائية حيث يصفون الناس بالعامة والهمج، في حين يحتفظون لانفسهم باوصاف فصلوها هم على مقاساتهم، فهم الخاصة الذين يهدون الناس الى سبل الرشاد، ومع هذا نجد جيوبهم ملأى بالدولارات ونفوسهم مليئة بالضغينة، انهم يحملون ارث معارك قديمة يريدون اسقاطها على واقع مختلف تماما، وهذا الثمن الفادح الذي يدفعه الشعب العراقي او الشعب المصري ماهو الا ثمن دفعه الشعب من قبل وعاد في غفلة من الزمن على يد الاخوان او الحركات الاسلامية في العراق الى الظهور ثانية.
انا كنت هنا وساسجل موقفي وعلى جميع الشرفاء تسجيل مواقفهم وتعرية هذه الحركات التي لاتمتلك برامج حياتية تستطيع من خلالها ان تكون دولة حقيقية بعيدة عن الشعارات والاحتفالات والاعلام الرخيص الذي يحاول تجميل هذه الحركات ببث روح الفرقة والطائفية بين ابناء الشعب الواحد، ان مصر وبحسب ريادتها الفكرية والاعلامية والنهضوية ستتزعم العالم العربي من جديد في بسط الفكر المعتدل المتطور الذي لايبحث في اعماق التاريخ عن المتناقضات، ستعود الى طرح فكر يكون فيه المسيحي مع المسلم واليهودي والسني مع الشيعي ، فهذه هي مصر وكم قالت من قبل وعلى مر الاجيال قولها، فهي صاحبة اول ثورة في الاسلام حيث ثارت الجموع من مصر الى ميدان التحرير في المدينة المنورة في عهد الخليفة الثالث واستطاعت ان تسقط حكومة قامت على التمييز العنصري والقبائلي ، وها هي ثانية تكرر قولتها الشهيرة لتقول: انا كنت هنا.